تحت القصف، سار الآلاف نحو المجهول، تاركين خلفهم أملاكهم وذكرياتهم وأحلامهم، هربًا من الحرب الدائرة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.بغير موعد ولا ترتيب، تلاشت كل الآمال بوطن مستقر يعيش فيه الجميع آمنين مطمئنين، بعد أن استبدل القائمون على الحكم لغة الحوار، بالسلاح، لتُشعل حربًا، الجميع فيها خاسر، ولكن الخاسر الأكبر هو المواطن البسيط الذي لا يريد سوى الحياة.نحو منفذ أرقين -الفاصل بين مصر والسودان- توجه آلاف الفارين من نيران الحرب أملًا في النجاة. قلوبهم معلقة بالسماء وعيونهم تنظر نحو أرض جديدة تحفظ حياتهم على أمل العودة إلى أوطانهم.وفي الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب في السودان، كان هناك مئات الشباب المصري والسوداني في مصر، يستعدون لاستقبال القادمين إلى مصر، من خلال إطلاق مبادرات هدفها مساعدتهم سواء بتوفير سكن مناسب لهم أو تقديم مساعدات غذائية وإنسانية.وسمحت السلطات المصرية، للسودانيين بالدخول إلى مصر عبر منفذ أرقين البري، في خطوة للتخفيف من تأثيرات الحرب الدائرة على المواطنين السودانيين.أرض الذهبالبداية من النوبة " أرض الذهب"، حيث أطلق مجموعة من الشباب المصريين، مبادرة لاستقبال السودانيين الفارين من الحرب، وتقديم معونات إنسانية عاجلة لهم.وقال وليد تاج السر، أحد الشباب المتطوعين، إنه "منذ أن علم بسماح السلطات المصرية للأشقاء في السودان بالدخول إلى مصر، قرر هو وعدد من شباب النوبة إطلاق مبادرة هدفها مساعدة النازحين".وأضاف في حديثه لمنصة " المشهد": "بدأت بمنشور على صفحتي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" باستعدادي للمساعدة في خدمة أهلنا الوافدين من السودان لأننا في النهاية أهل وتربطنا علاقات نسب وتاريخ وجيرة"، لافتًا إلى أنه وجد تجاوبا من شباب كثر أبدوا استعدادهم للمشاركة في المبادرة".وأشار "تاج السر" إلى أنهم بالفعل قاموا بالذهاب إلى محطة نقل ركاب كركر، جنوب أسوان، وقدموا للوافدين مياه ومأكولات خفيفة، متابعًا: "توسعت المبادرة وضمت أعدادا أكبر وقمنا بتوفير مساكن للأشقاء غير القادرين على دفع تكاليف الإقامة من خلال استضافتهم في بيوت أهالي قرية "دابود" بأسوان، أو في بعض الفنادق والمنتجعات السياحية التي أعلن ملاكها عن استقبال الأسر السودانية بدون مقابل".المبادرة تضم 7 أشخاص منظمين وعشرات الشباب المتطوعين يتم تقسيمهم على مجموعات وتختص كل مجموعة بمهام معينة، هدفها في النهاية هو الترحيب وتوفير إعاشة للوافدين السودانيين، بحسب حديث تاج السر، مؤكدًا استمرارهم في تقديم كافة الخدمات المتاحة للسودانيين.هذه المبادرة ليست الوحيدة ولكن هناك عددا من المبادرات الفردية، التي أعلن أصحابها- عبر وسائل التواصل الاجتماعي- عن توفير مساكن بدون مقابل للأسر القادمة من السودان."عشان سوداننا"في نفس السياق، أطلق مجموعة من الشباب السودانيين المقيمين في مصر، مبادرة بعنوان "عشان سوداننا" بهدف استقبال أهاليهم القادمين من المدن السودانية وتوفير مساكن وإعاشة للأسر غير القادرة.أبو طالب موسى محمد، أحد الشباب السودانيين المقيمين في مدينة أسوان وأحد المشاركين في المبادرة، يقول إن الهدف من المبادرة هو تقديم دعم للأسر القادمة من السودان ومساعدتهم في إيجاد سكن.المبادرة أعلنت عبر مواقع التواصل الإجتماعي أسماء وأرقام هواتف منسقيها في عدد من المدن المصرية، وذلك لتسهيل التواصل على الوافدين.وأشار أبو طالب، في تصريح لمنصة "المشهد" إلى أنه يتلقى يوميًا اتصالات من مصريين في مدن عدة يعرضون عليهم المساعدة، وتوفير أماكن لمعيشة الأسرة القادمة من السودان، مبينًا أن المبادرة تقوم بالتنسيق فيما بينهم لتقسيم الأدوار.خدمات للسيدات والأطفالومن أسوان إلى القاهرة، كان للسيدات أيضًا دور في تقديم المساعدات للوافدين من السودان، خاصة السيدات والأطفال الرضع، من خلال تقديم حليب للأطفال وبعض المواد الغذائية للأسر التي وصلت إلى العاصمة المصرية القاهرة.نوال عبد الوهاب، تدير مركز "من هنا نبدأ" لدعم الأسر السودانية التي تعيش في الإسكندرية، إحدى قامت برفقة بعض الفتيات السودانيات اللآتي يعشن في مصر، بتدشين مبادرة بالجهود الذاتية لتقديم الدعم للأطفال والسيدات.وأوضحت "عبد الوهاب" في حديثها لمنصة "المشهد" أنها تقوم بالتنسيق مع باقي الشباب والفتيات في المحافظات المختلفة لتقديم الخدمات خاصة تلك التي يحتاجها الأطفال سواء حليب أو مواد غذائية، مشيرة إلى أنهم قاموا بتوزيع 75 علبة حليب مجفف للأطفال الرضع خلال اليومين الماضيين.وأشارت إلى أن الوافدين من السودان "ليسوا جميعًا قادرين على تحمل تكاليف الحياة خصوصا في بداية انتقالهم إلى مصر هربًا من الحرب الدائرة في السودان".واندلعت الحرب بين قوات الجيش السودانية وقوات الدعم السريع، قبل أكثر من أسبوعين، لتخلف وراءها آلاف القتلى والمصابين، وسط نداءات دولية بضرورة توقف الاشتباكات والجلوس إلى طاولة المفاوضات، لتداعياتها على الأوضاع الإنسانية في السودان.(المشهد)