من أجل التعهد بتوفير حصص غذائية لمدة شهر أو نحو ذلك، انتقل أيمن البالغ من العمر 14 عامًا، إلى مخيم صيفيّ على أطراف مدينة الحديدة الساحلية في اليمن، حيث يسيطر المتمردون "الحوثيون" على المعسكر، الذي أعدوه من أجل استقبال الأطفال لتلقّي الدراسة، كما أخبروا ذويهم. لكن لم يمضِ وقت طويل حتى كان أيمن وزملاؤه يحملون بنادق في أيديهم، إذ يتم تدريب الأولاد الصغار للانضمام إلى صفوف "الحوثيّين"، حيث يوجه المسلحون المدعومين من إيران أسلحتهم نحو حركة الملاحة في البحر الأحمر، بحسب ما جاء في تحقيق لصحيفة "تليغراف" البريطانية.ولمدة 40 يومًا، تم تدريب أيمن هو وعشرات من الصبية المراهقين الآخرين على القتال، حيث تتكيف آذانهم ببطء مع الانفجارات العالية والأسلحة المختلفة، قال أيمن للصحيفة البريطانية: "كانوا يدربوننا على كيفية إطلاق النار وكيفية حماية المعسكر والسيطرة على نقاط التفتيش".وتتوسع جماعة "الحوثيّين"، وهي جماعة متمردة تموّلها وتسلّحها إيران، في اليمن منذ سنوات، لتصبح قوة قتالية كبيرة تهدد هجماتها الصاروخية في البحر الأحمر بتحويل الحرب بين إسرائيل و"حماس" إلى صراع أوسع في الشرق الأوسط. وأدت الهجمات التي شنها "الحوثيون" إلى تعطيل الشحن العالمي، حيث أوقفت السفن إلى حدّ كبير الإبحار عبر البحر الأحمر، وهو ممرّ مائيّ رئيسيّ يمر عبره ما يقرب من 15% من التجارة الدولية كل عام. ويسعى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى القيام بدوريات في البحر الأحمر منذ ديسمبر الماضي، واستهدفت الغارات الجوية العسكرية الغربية مواقع "الحوثيّين"، بما في ذلك المناطق التي يُعتقد أنها مواقع لإطلاق الصواريخ ومخابئ لتخزين الأسلحة. ومع ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أنّ "الحوثيّين" سيتوقفون في أي وقت قريب، حيث تعهد كبار القادة بمواصلة هجماتهم تضامنًا مع "حماس" وإنزال "العقاب" على الولايات المتحدة لدعمها لإسرائيل.استغلال الأطفالوسيطر "الحوثيون"، الذين خاضوا حربًا أهلية استمرت سنوات ونجحوا في الإطاحة بالحكومة اليمنية قبل عقد من الزمن، على جزء كبير من البلاد ويحكمونها بقبضة من حديد. وقد سلطت العديد من منظمات حقوق الإنسان الضوء على كيفية استخدام "الحوثيّين" للنظام القضائيّ لإسكات المعارضة. كما أنه في بعض الأحيان، أصدرت المحاكم التي يسيطر عليها "الحوثيون" أحكامًا بالإعدام، وأعدمت علنًا أيّ شخص يعارض حكمهم، بما في ذلك سياسيون وصحفيون وعسكريون. ولكن ربما تكون إحدى أفظع الطرق التي سعى بها "الحوثيون" للبقاء في السلطة، كما تقول منظمات حقوق الإنسان، هي استغلال الأطفال ليصبحوا جنود مشاة. وبين مارس 2015 وسبتمبر 2022، تحققت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" من 3995 حالة لأطفال في اليمن تم تجنيدهم للقتال، على الرغم من أنّ الأرقام من المرجح أن تكون أعلى من ذلك بكثير. وذكر أحد تقارير الأمم المتحدة أنّ 2000 طفل لقوا حتفهم في ساحة المعركة بين يناير 2020 ومايو 2021 فقط. وتُقدّر منظمات حقوقية أخرى، مثل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنه تم تجنيد أكثر من 10 آلاف طفل قسرًا في القتال. كما تعتقد الأمم المتحدة أنّ بعض الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ7 يُجبرون على تنظيف الأسلحة. ويقول مدير منظمة ميون الحقوقية في اليمن عبده الحذيفي، إنّ "الحوثيّين" استغلوا الظروف المعيشية الصعبة التي تعانيها الأسر التي تعيش في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، لإجبارهم على إرسال أطفالهم إلى المخيمات الصيفية، ومن ثم إلى جبهات القتال. وأضاف أنّ "الأطفال المجندين يتلقّون أولًا دورات عقائدية في المعسكرات الصيفية لضمان الولاء. ثم يتم نقلهم إلى معسكرات التدريب العسكريّ والقتال، لتلقي التدريب على أنواع مختلفة من الأسلحة". وتقدّر منظمة ميون أنّ مئات الآلاف من الأولاد والبنات قد التحقوا إلى ما يقرب من 9000 "معسكر" عامل في مناطق اليمن الخاضعة لسيطرة "الحوثيّين"، حيث يقول الحذيفي إنّ الأسر "تنخدع" للتخلي عن أطفالها مع وعد المسلحين "الحوثيّين" بتوزيع الطعام والمال على أولئك الذين يرسلون أبناءهم وبناتهم.الظروف المعيشية الصعبةوبالنسبة لعائلة الطفل أيمن، كما هو الحال مع العديد من العائلات الأخرى التي تكافح من أجل تغطية نفقاتها في اليمن الذي مزقته الحرب، كان هذا عرضًا لا يمكنهم رفضه، حسبما تقول "التليغراف". وقال أيمن إنه بعد مقتل والده في الحرب الأهلية في اليمن، "لم يكن لدى أسرتي من يطعمها. لقد طلبت مني والدتي الانضمام إلى المخيم الصيفي لأنهم يقدمون سلالًا غذائية للمشاركين". الحال نفسه مع وائل البالغ من العمر 13 عامًا، والذي انتهى به الأمر في معسكر لـ"الحوثيّين" وحصل على حافز مماثل، حيث أقنع معلمه والده بإرساله مقابل حصص غذائية لمدة شهر على الأقل. وقال وائل: "كان المسلحون ينقلون أيديولوجية سياسية ودينية يُزعمون أنها تأتي من أحد قادة الجماعة الراحل حسين الحوثي. إذ يروون حكايات عن معارك (الحوثي) الشجاعة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلًا عن أهمية الجهاد أو النضال ضد الغرب بسبب خطابه المناهض للمسلمين". ويضيف وائل: "يروجون إلى فكرة أنّ هدف الغرب النهائيّ هو احتلال البلاد الإسلامية ومحو مبادئ الإسلام لنشر معتقداتهم غير الأخلاقية. لقد علمونا ترديد شعارات محددة تدعو إلى الجهاد". إلى جانب ذلك، يشير وائل إلى إنه وآخرون تلقوا تدريبًا على الأسلحة، وطُلب منهم استخدام مهاراتهم الجديدة على الفور، حيث تم تكليفهم بحراسة المعسكر طوال الليل. وكجزء من عملية التلقين الأوسع، قال وائل إنه والآخرون يتم عزلهم في المعسكرات، "لقد منعونا من الاتصال بالأشخاص في الخارج، حتى مع عائلاتنا". رغم كل ذلك، يخيم الخوف على الأجواء في مدينة الحديدة، حيث يشعر العديد من السكان اليمنيّين بالقلق من تصاعد الحرب، حيث يختار البعض الفرار إلى المناطق الجنوبية من المدينة التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة الشرعية في اليمن. وربما ليس من المفاجئ أن يشعر اليمنيون بالقلق مع تفاقم التوترات الإقليمية، خصوصًا أنّ الحكومة الأميركية أعادت تصنيف "الحوثيّين" كمنظمة إرهابية عالمية الشهر الماضي، بعد أن رفعتهم من القائمة في فبراير 2021 لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، حسبما تقول الصحيفة البريطانية. وقصف الجيشان الأميركيّ والبريطانيّ مرتين، أهدافًا متعددة في 8 مواقع يُعتقد أنّ "الحوثيّين" يستخدمونها خلال يناير الماضي. وكانت الضربات أكبر قصف حتى الآن في محاولة للضغط على الجماعة المتمردة للتراجع.(ترجمات)