قصف عنيف ومتواصل يشنه الطيران الإسرائيلي يوميًا يستهدف به الضاحية الجنوبية لبيروت - معقل "حزب الله"- بينما تتأهب تل أبيب لرد انتقامي كبير على إيران خلال الساعات المُقبلة وفقًا لمراقبين. وخلال الليلة الماضية، استهدفت إسرائيل الضاحية الجنوبية بـ 30 غارة جوية عنيفة، ضمن الإستراتيجية التي تعتمدها في حربها مع "حزب الله" والتي تٌعرف بـ "عقيدة الضاحية". وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان، بأن الضاحية الجنوبية لبيروت "شهدت أعنف ليلة" منذ بدء حملة القصف الإسرائيلي الكثيفة قبل أسبوعين، وأحصت "أكثر من 30 غارة سمعت أصداؤها في بيروت". وأوضحت أنّ الغارات استهدفت أحياء عدة مثل الغبيري والصفير وبرج البراجنة وحارة حريك والمريجة والليلكي، إضافة إلى "محطة وقود على طريق المطار" الواقع عند أطراف الضاحية الجنوبية. وتسبّبت الغارات الإسرائيلية في مقتل 23 شخصًا وإصابة 93 آخرين بجروح، ليتخطى بذلك ضحايا التصعيد العسكري الإسرائيلي على لبنان حاجز الـ 2000 قتيل، وفق مصادر طبية. في الوقت نفسه، صعدّت إسرائيل من عملياتها العسكرية في قطاع غزة، حيث قصفت مناطق عدة بالقطاع المحاصر والمُستهدف منذ عام. ورأى محللون في حديث لمنصة "المشهد" أنّ إسرائيل تنتهج إسترايتيجة "الضاحية" في قصفها للضاحية الجنوبية مشابهة لتلك التي اعتمدت عليها في غزة من خلال استهداف المجمعات السكنية وإلحاق أضرار كبيرة بالبنية التحتية والمدنيين. فما هي "عقيدة الضاحية" التي تنتهج إسرائيل في الحرب؟هي إستراتيجية إسرائيلية قديمة منذ عام 1948 تعمل على استخدام القوة النارية المفرطة لتدمير أيّ مدينة أو منطقة أو قرية لتهجير سكانها وجعلها غير صالحة للحياة.لكن هذا المصطلح ظهر بشكل رسمي على لسان قائد الأركان الإسرائيلي الأسبق غادي آيزنكوت خلال حرب عام 2008 على غزة، وصرح بأنّ إسرائيل "ستتعامل مع أيّ منطقة تدعم أعداءها على أنها ميدان حرب شرعي، وستستخدم فيها القوة القصوى لتدمير البنية التحتية وتحقيق الردع" بشكل متعمد.ويرى المحللون أنّ هذه العقيدة ظهرت بوضوح في حرب لبنان 2006، عندما قصف إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت بشكل مكثف كما يحدث اليوم، وعلى مدار عام من الحرب في غزة.إستراتيجية "الماء المغلي"من جانبه، قال الخبير الأمني والإستراتيجي المصريّ، اللواء محمد عبد الواحد، إنّ الضاحية الجنوبية لبيروت تمثل رمزية وأهمية للشيعة في لبنان، لافتًا إلى أنّ الضاحية الجنوبية كانت ملاذًا لكل الفارين من الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينيات القرن الماضي خصوصًا الشيعة. وأشار في حديث لمنصة "المشهد" إلى أنّ الضاحية الجنوبية لها رمزية كونها معقل حركة "أمل" في السبعينيات ومن بعدها "حزب الله"، مُبينًا أنّ إسرائيل تستهدف الضاحية بقوة بهدف تدمير المنازل وقتل أهالي مُقاتلي "حزب الله". وأضاف عبد الواحد أنّ إسرائيل ترغب في تحطيم الروح المعنوية لمقاتلي "حزب الله" باستهداف منازلهم والحاضنة الاجتماعية لهم في بيروت، مشيرًا إلى أنها تريد أن تعطي رسالة لإيران بأنها غير قادرة على حماية الشيعة في لبنان وهو ما قد يُثير قلاقل داخل صفوف الشيعة في المنطقة العربية خصوصًا الموالين لطهران. وأوضح أنّ الضربات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت هي الأعنف في تاريخ الحروب الحديثة، مضيفا: "من غير المعقول أن تلقي 80 طنًا من المتفجرات لكي تغتال شخصية واحدة". وقال إنّ إسرائيل تنتهج إستراتيجة ما يٌعرف بـ "الماء المغلي" والتي تهدف إلى الضغط المتواصل على الخصم لكي يعتاد على الوضع ومن ثم يتأقلم معه ويخشى أن يقوم برد فعل عنيف تجاه المعتدي. وأشار الخبير الإستراتيحي، إلى أن هذه الإستراتيجية نجحت في تحجيم رد فعل إيران و"حزب الله"، فخلال عام استهدفت إسرائيل شخصيات بارزة بالاغتيال وكذلك منشآت عسكرية تابعة لـ "حزب الله" وجاءت ردود الفعل ضعيفة على هذه العمليات سواء من إيران أو من "حزب الله". ومنذ التصعيد الإسرائيلي على لبنان اعتمدت تل أبيب إستراتيجية "الصدمة" أيضًا من خلال قصف مكثف للأسلحة والذخائر التابعة لـ "حزب الله" ثم اغتيال القيادات الأمر الذي تسبب في ارتباك شديد داخل صفوف "حزب الله"، بحسب عبد الواحد. وأضاف عبد الواحد أن إسرائيل تهدف بعملياتها في لبنان إلى : استهداف مخازن الأسلحة التابعة لـ "حزب الله" وكذلك القيادات.عزل لبنان عن محيطه ومنع وصول الإمدادات إليه من إيران عبر استهداف بعض الطرق في سوريا.توصيل رسالة إلى إيران لكي لا تتدخل في الصراع ومنعها من مساعدة "حزب الله".وفيما يخص التصعيد الإسرائيلي في غزة، أشار عبد الواحد إلى أن إستراتيجية واضحة من البداية وهي جعل قطاع غزة غير صالح للحياة من خلال تدمير القطاع بالكامل تمهيدًا لضمه إلى إسرائيل وتفريغ القضية الفلسطينية. وأوضح الخبير الإستراتيجي، أنه مع غياب الأمل في حل سياسي في غزة ستواصل إسرائيل استهداف قيادات "حماس" كما ستواصل قصف المدنيين وتدمير البنية التحتية لكي تصل إلى هدفها الرئيسي في خلق واقع جديد في غزة، لافتا إلى أنّ إسرائيل لا ترغب في تنفيذ المخطط مرة واحدة لكي لا تتعرض لضغوط وانتقادات دولية.تهجير الشيعة من جنوب لبنان؟بدوره، قال الخبير العسكري الأردني، العقيد إسماعيل أيوب، إنّ هناك قرارًا واضحًا في إسرائيل بضرب كل شيء يخص "حزب الله" في لبنان سواء كانت أهدافًا عسكرية أو مدنية أو بنية خدمية. وأوضح في حديث لـ "المشهد" أنّ إسرائيل ربما ترغب في تهجير الطائفة الشيعية من جنوب لبنان، لافتا إلى أن القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية مشابه إلى حد كبير للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة حيث يتم قصف المباني والبنية التحتية بالكامل. وأشار أيوب إلى أنّ إسرائيل ترغب في التأثير على الروح المعنوية للمقاتلين في الجنوب. ولكن في رأيه هذا سينعكس بالسلب حيث سيزداد المقاتلون عداوة للجيش الإسرائيلي رغبة في الانتقام بعد تدمير مناطقهم. وأضاف أنّ إسرائيل تعتمد على القبضة الحديدية في قصفها من خلال الطيران الحربي الذي يوجه ضربات قوية ومتواصلة بدعم غير محدود من الدول الغربية، لافتا إلى أن تل أبيب حصلت على الضوء الأخضر لتدمير "حزب الله" ورأى الخبير العسكري الأردني، أن الجيش الإسرائيلي سيتكبد خسائر كبيرة خصوصا في صفوف جنوده في العملية البرية في جنوب لبنان، مُبينًا أن الهجوم البري الحقيقي لم يبدأ بعد ولكن ما يجري هو محاولات لاستطلاع المكان من خلال قوات نوعية. وقال إنّ الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" حرب غير مُتناظرة خصوصا أن الجيش الإسرائيلي هو جيش نظامي ويواجه مجموعات مسلحة وهو ما سيجعل مهمتهم في لبنان ليست سهلة رغم التفوق الجوي والتكنولوجي.(المشهد)