على الرغم من التغيرات السياسية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، لا تزال قوارب الهجرة غير الشرعية تنطلق من السواحل السورية حاملةً مئات السوريين اليائسين باتجاه قبرص. ما يعكس استمرار المخاوف الأمنية لدى العديد من السوريين والذي يرافقها الأزمات الاقتصادية التي تدفع بهم إلى مغادرة بلادهم بطرق قد تكون مميتة.إلى الآن، لم يترجم سقوط النظام السوري إلى تحسن ملموس في الظروف المعيشية، بل أدى في بعض المناطق إلى فراغ أمني تسبب بوقوع مجازر ومقتل آلاف المدنيين. يضاف إلى ذلك الأزمات الاقتصادية الخانقة، من بطالة وفقر وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يدفع المواطنين إلى البحث عن الأمل في أماكن أخرى، حتى وإن كان ذلك عبر طرق محفوفة بالموت والخطر. قوارب هجرة تنطلق من سوريا قبل يومين، أعلن خفر السواحل السوريّ ضبط قارب على متنه أكثر من 30 مدنيا أثناء محاولتهم الهجرة غير الشرعية. كذلك الشهر الماضي، قال التلفزيون الرسمي في قبرص إن السلطات انتشلت 7 جثث في عملية بحث وإنقاذ قبالة سواحل البلاد بعد غرق قارب يعتقد أنه كان يحمل مهاجرين. وذكرت صحيفة قبرصية أن القارب كان يحمل 21 شخصاً، وتم العثور عليه على بعد ما بين 20 و25 ميلاً بحرياً من كيب غريكو، الواقعة في الطرف الجنوبي الشرقي لقبرص. وأضافت الصحيفة أن القارب يُعتقد أنه أبحر من مدينة طرطوس السورية. بعد سقوط نظام بشار الأسد، وسيطرة "هيئة تحرير الشام" على السلطة، شعرالعديد من أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد بالخوف من عمليات انتقام قد تحصل بحقهم، هذه المخاوف ترسخت بعد وقوع المجازر بالساحل السوري والتي أدت لمقتل وإصابة الآلاف من أبناء الطائفة العلوية وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. في ظل هذا الواقع، بدأ العديد من أبناء الساحل، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين الخوف من الانتماء السياسي وبين الانهيار الأمني، بمحاولة الهجرة عبر البحر نحو الدول الأوروبية.الهجرة من الساحل السورييقول المتخصص في شؤون اللاجئين نادر الحلبوني بحديثه إلى منصة "المشهد" إنه "في السابق، كانت القوارب المتجهة إلى أوروبا، سواء نحو اليونان أو قبرص، تنطلق في الغالب من السواحل التركية، ونادراً ما كانت تنطلق من الساحل السوري أو اللبناني. لكن مع التغيرات الأخيرة في سوريا، وسقوط نظام الأسد، أصبح الساحل السوري بمثابة نقطة انطلاق جديدة للقوارب المتجهة نحو قبرص".ويضيف الحلبوني أن "قبرص وجهة مفضلة نسبياً لقربها الجغرافي، إذ لا تتجاوز المسافة بين الساحل السوري والسواحل القبرصية 7 ساعات باستخدام القوارب العادية. ورغم هذا، لا يمكن اعتبار هذه الظاهرة بمثابة حركة هجرة واسعة النطاق، إذ أن السلطات السورية كثّفت من جهودها في الآونة الأخيرة لإيقاف القوارب المغادرة، حيث تمكنت من إيقاف عدد كبير منها خلال الأسابيع الـ25 الماضية".ويشرح الحلبوني أن "السلطات القبرصية تتعرض لضغوط متزايدة من الاتحاد الأوروبي واليونان لتعزيز الرقابة على القادمين من سوريا، نظراً لتغير طبيعة المهاجرين. ففي السابق، كان معظم اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا من سوريا يفرون من الحرب، وغالبيتهم من الأطفال والشباب الذين يسعون للهروب من الخدمة الإلزامية. أما اليوم، فتسود مخاوف من احتمال تسلل عناصر مسلحة كانت متورطة في أعمال القمع والعنف ضمن صفوف النظام السوري، وذلك بين صفوف اللاجئين أو "الهاربين" كما يتم وصفهم أحياناً".وبرأي الحلبوني أنه "لا يمكن القول حالياً بوجود موجة لجوء كبيرة، إذ أن الوضع في الساحل السوري ما يزال متقلباً، وتحدث بين الحين والآخر بعض الاضطرابات. على سبيل المثال، شهدت القرى الواقعة على الحدود اللبنانية قبل نحو أسبوعين توترات أدت إلى عبور عدد من السكان إلى الأراضي اللبنانية بشكل مؤقت قبل عودتهم لاحقاً. كما يُعتبر التنقل بين القرى الحدودية أمراً معتاداً منذ فترة طويلة، ولا يعني بالضرورة بداية حركة لجوء مشابهة لما حدث في عامي 2015 و2016".ونتيجة لهذا الوضع، عبر بعض المسؤولين عن خشيتهم من موجات هجرة جديدة من سوريا بعد سقوط بشار الأسد، مديرة المنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب قال إن بعض الأقليات الدينية تغادر خشية من "تهديد محتمل"، في حين أوصت بوقف العودة الجماعية إلى سوريا حتى يستقر الوضع في البلاد. فيما أكد الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس أنه من المقلق للغاية أن يتزايد باستمرار وصول المهاجرين السوريين في الأسابيع القليلة الماضية. وتقع قبرص على مسافة 160 كيلومتراً فقط من سوريا ولبنان، وزاد عدد طالبي اللجوء الذين يفدون إليها.محاولة نجاة في بدايات الحرب السورية، توزعت وجهات الهجرة وتنوّعت الخيارات أمام من قرروا مغادرة البلاد. لكن مع تفاقم الأوضاع الأمنية والمعيشية، بدأت الأنظار تتجه بشكل متزايد نحو أوروبا، لتصبح دول مثل ألمانيا والسويد والنمسا من أكثر الوجهات التي يحاول السوريون الوصول إليها. البعض تمكّن من الدخول عبر برامج اللجوء الرسمية، بينما اضطر كثيرون لسلوك طرق خطيرة، مثل عبور البحر المتوسط بقوارب متهالكة أو السير لمسافات طويلة وشاقة عبر دول البلقان، في رحلة محفوفة بالمخاطر بحثاً عن الأمان والمستقبل. يروي عماد.أ أحد أبناء الساحل السوري لـ"المشهد" أن "مناطق الساحل السوري شهدت في الفترة الأخيرة موجات هجرة متزايدة، خصوصا بعد المجازر التي ارتكبتها جماعات متطرفة في ظل الفراغ الأمني الذي أعقب سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة "هيئة تحرير الشام". وفي هذا السياق، اضطر العديد من السكان إلى مغادرة البلاد بحثاً عن الأمان". ويضيف عماد أن "أوروبا ليس الوجهة الوحيدة، فكثير من الأشخاص يبحثون عن ملجأ آمن فقط ينجيهم من أي عمليات قتل وتنكيل قد تحدث. من بين هؤلاء صديقي جورج، وهو شاب مسيحي لم يحتمل الأوضاع المتدهورة، فسافر خلال الأيام الأولى من تصاعد العنف، ويعمل حالياً في إحدى الشركات خارج البلاد".ويتابع عماد "بالنسبة لي فأنا غير قادر على السفر لأنني أجريت تسوية أمنية ولم أحصل بعد على بطاقة هوية، كما أنني انتظر تجديد جواز سفري. لكن أول فرصة للسفر أو الهجرة بالتأكيد لن أوفرها، رغم إنني متمسك ببلدي كثيرا ويصعب عليي تركها، لكن الأمر أصبح اليوم أما الحياة أو الموت". وبحسب عماد فإن "العديد من المسيحيين تقدموا بطلبات إلى رؤساء الطوائف الدينية لفتح باب الهجرة إلى الدول الأوروبية، ما يعكس حجم القلق المتزايد لدى أبناء الديانة المسيحية، وليس فقط عند العلويين". (المشهد)