طيلة وجود اليهود في المغرب، أولت المملكة بكامل مؤسساتها اهتماما بالموروث الثقافي اليهودي المغربي، وفي مناسبات عدة، لا تفوت الدولة من خلال مسؤوليها التأكيد على فخر البلد بجاليته اليهودية.ووفقا لدستور 2011، فالمغرب يعترف رسميا بالمكون العبري كرافد من روافد الثقافة المغربية، كما أن المغرب لم يسقط الجنسية عن اليهود المغاربة الذين هاجروا في المراحل السابقة على عكس دول عدة.كل هذه المعطيات تؤكد أن ليس من قبيل المبالغة أن يتحدث أحفاد المهاجرين اليهود عن وضعيتهم الخاصة والمميزة في المغرب وارتباطهم بوطن آباءهم وأجدادهم وولاءهم له.اهتمام المغرب بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية بحقوق هذه الفئة من الشعب تزايد في السنوات الأخيرة بشكل خاص في مجالات مختلفة: سياحة، اقتصاد، سياسة وتاريخ.البعض ربط هذا بالتقارب الحاصل بين تل أبيب والرباط، فيما يرى البعض الآخر أن هذا الوضع طبيعي نظرا لأن هؤلاء مغاربة أولا وثانيا لأن هناك جيلا جديدا يحن لجذوره ويسعى لتعزيز علاقته بوطنه الأم.منح الجنسية المغربيةفي هذا السياق، أطلقت مجموعة من النشطاء مبادرة تشريعية لمنح الجنسية المغربية لأبناء وأحفاد اليهود المغاربة، وفقا للقانون رقم 64.14، الذي يحدد شروط وإجراءات مثل هذه التطبيقات التشريعية وتعديلاته.هذه المبادرة تم إطلاقها عبر البوابة الوطنية للمشاركة المواطنة، وتم تسليم نسخة إلى رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي، ليتم فحص الطلب والبت فيه من قبل البرلمان خلال 60 يوما وسيكون من الضروري جمع 20 ألف توقيع.وجاء في بيان الملتمس التشريعي أن الارتباط الوثيق للجالية اليهودية بالمغرب ملكا وشعبا وثقافة لم يعرف إلا تشبثا وتعلقا، غير أن أبناءهم وأحفادهم المقيمين في الخارج، خلافا للمقيمين داخل المملكة، عانوا من فقدان الحق في الجنسية المغربية المترتبة عن النسب وتواصل فقدان هذا الحق لأجيال متواصلة.وتابع البيان أن ذلك راجع لعدة أسباب قاهرة خارج عن إرادتهم متجاوزة لظروفهم، أبرزها:بعد مسافة دول الإقامة وصعوبة السفر.صعوبات أخرى مرتبطة بالوضعية السياسية والأمنية والاقتصادية ببلدان الإقامة أثرت على حقوقهم وحقوق أسلافهم.وكشف البيان أنه رغم معاناة أبناء وأحفاد الجالية المغربية إلا أن ذلك لم يؤثر على "حبهم الصادق لوطنهم ووطن أجدادهم ولم يؤثر سلبا على طابع الهوية المغربية في حياتهم اليومية".ويتضمن الملتمس التشريعي 15 مادة تقدم تفاصيل حصول أبناء وأحفاد اليهود المغاربة المقيمين في الخارج على الجنسية المغربية والقوانين التي تندرج تحت هذا الإطار لحفظ حقوقهم الاجتماعية والسياسية كباقي المغاربة في وطنهم الأم.منصة "المشهد" تواصلت مع يهود مغاربة لاستيقاء وجهة نظرهم في هذه المبادرة وسألتهم عن حياتهم اليومية في المملكة.فخر اليهود المغاربة بوطنهم من بينهم، سيرج بيرديغو وزير السياحة المغربي السابق والأمين العام لمجلس الطوائف اليهودية بالمغرب الذي يعتبر مبادرة منح الجنسية المغربية لأحفاد اليهود المغاربة ليست مبادرة جديدة وإنما "حقيقة تاريخية".ففي عام 1970 صدر قرار بعدم إسقاط الجنسية المغربية عن اليهود المغاربة الذين هاجروا بعد إقامة دولة إسرائيل ويمنحهم القانون حق العودة إلى بلدهم متى أرادوا ذلك.ويضيف بيرديغو في حديث لمنصة "المشهد" أن الجنسية المغربية لا يمكن لليهودي أن يفقدها بل يمكنه الحصول عليها عبر مراحل قانونية معينة.ويؤكد المصدر ذاته أنه يحق لليهودي من أصل مغربي الحصول على جواز سفر مغربي أيضا.وسيرج بيرديغو هو واحد من اليهود المغاربة الذي رفضوا مغادرة بلدهم، ووالده كان رئيس الطائفة اليهودية في المملكة من عام 1937 حتى عام 1968.بيرديغو معروف أيضا في المغرب كأحد الوجوه البارزة التي تعمل على نقل الهوية اليهودية المغربية إلى الأجيال القادمة أينما ولدوا.ويسعى عدد من اليهود المنحدرين من أصول مغربية إلى الحصول على الجنسية المغربية، وفقا لرجل الأعمال اليهودي المغربي الشاب كين أوحنا الذي كشف لمنصة "المشهد" أن سببين وراء الرغبة في الحصول على الجنسية:السبب الأول والرئيسي هو علاقة الحب والفخر التي تجمع هؤلاء بوطن أجدادهم المغرب، لديهم جوازات سفر ربما أقوى من جواز السفر المغربي وقد تكون لديهم الجنسية الفرنسية أو الأميركية لكنهم يحبون المغرب والجنسية المغربية.السبب الثاني وهو سبب ثانوي بالنسبة لي وهو تسهيل الاستثمار في المغرب، والقيام بمشاريع في البلد بشكل أسهل وأبسط.ويؤكد أوحنا أن من سيرغب في الحصول على الجنسية المغربية من اليهود الشباب يُعبّر عن اعتزازه بجذوره المغربية.ويتذكر الشاب المغربي مقولة الملك الراحل الحسن الثاني جاء فيها ما معناه أنه حين يغادر يهودي مغربي وطنه، يفقد المغرب مقيما لكنه يربح سفيرا.وأوحنا هو شاب ولد وترعرع في المغرب ثم سافر لإكمال دراساته العليا خارج بلاده، لكن فرصة أتحيت له للعمل في وطنه اغتنمها لأنه "يشعر بالراحة في حيه وفي وطنه".الشاب اليهودي تزوج في بلده وأنجب 5 أطفال ويعيش في الحي نفسه الذي ولد ونشأ فيه كما أن أطفاله درسوا في المدرسة التي تلقى تعليمه فيها، "عمري 44 عاما وأنا سعيد بارتباطي طيلة حياتي بالمغرب".بالنسبة لأوحنا فحياة اليهود في المغرب قبل هجرتهم منتصف القرن الماضي كانت جيدة جدا نظرا لأن أعدادهم كانت كبيرة مقارنة باليوم.لكنه في الوقت نفسه، يؤكد أن حياة اليهود في المغرب تتحسن أكثر فأكثر مع وجود عدد متزايد من محلات كوشير في المدن، مما يسهل مثلا تنقلاتهم بين مناطق المغرب وممارسة شعائرهم وتقاليدهم بسهولة أكبر.ويحنّ كين إلى زمن كانت فيه أبواب اليهود والمسلمين مفتوحة في الحي نفسه للجميع، يتشاركون الاحتفالات بالأعياد الدينية والوطنية ويؤسسون صداقات إنسانية أبدية متينة.يعتبر كين اليوم من الجيل الأخير الذي عاش طفولته في هذه الأجواء والذي يحمل في وجدانه ذكريات وجود اليهود المغاربة في البلاد وتعايشهم في حب وسلام مع جميع المغاربة على اختلاف ديانتهم ومعتقداتهم. اليهود المغاربة مثل المسلمين المغاربةولعل أحد رموز التعايش والتسامح بين الأديان، السيدة سوزان هاروش التي تشدد أن لا فرق بين المسلمين واليهود في المغرب.وتقول هاروش في حديث لمنصة "المشهد" إن المسلمين المغاربة مثلهم مثل المسلمين المغاربة، وحق الجنسية المغربية لا يسقط عنهم. وتضيف:المرأة اليهودية المغربية لها الحق في تمرير جنسيتها لأبنائها ولأحفادها.اليهود من أصول مغربية أينما وجدوا في العالم اليوم حينما يطلبون جنسيتهم المغربية يحصلون عليها.حياة اليهود المغاربة اليوم هي مثل حياة كل المغاربة.نتمتع بكل حقوقنا مثل باقي المغاربة ولدينا واجبات نقوم بها كمواطنين.ووُجد اليهود في المغرب منذ العصور القديمة وازداد عددهم منذ القرن 19 ليصل إلى 250 ألفا منتصف القرن 20، قبل أن تنطلق موجات الهجرة إثر إعلان قيام دولة إسرائيل وتقلّص عددهم ليصل اليوم إلى نحو 200 يهودي.(المشهد)