في الوقت الذي تشهد فيه السودان أزمة عاصفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بدأت بمشادات وخلافات وانتهت بحرب عسكرية على الأرض راح ضحيتها العشرات حتى الآن، هناك محاولات ومساع دولية لوقف هذا الاقتتال، وحث الأطراف المتنازعة للجلوس إلى طاولة المفاوضات للوصول لحل ينتهي بالعودة إلى المسار الانتقالي الديمقراطي.وعلى الرغم من عرض الوساطة من قبل مصر وجنوب السودان، واجتماع جامعة الدول العربية الذي حث الأطراف على ضبط النفس والعودة إلى المفاوضات، وكذلك المطالب الأممية بوقف المعارك على الأرض لعدم السماح بإراقة المزيد من الدماء، إلا أن الخبير العسكري السوداني اللواء أمين إسماعيل المجذوب يرى في حديثه لمنصة "المشهد" أنه "من المبكر الحديث عن التفاوض الآن".ويضيف المجذوب: "الاشتباكات بدأت بالأمس، ومثل هذه الصراعات داخل الدولة الواحدة لا بد أن تميل الكفة لأحد الأطراف وتحديدا للقوات المسلحة باعتبار أن قوات الدعم السريع تعدت خطوطا حمرا كثيرة في تقدير القيادة العامة، لكن في النهاية سيتم تحكيم صوت العقل، وهناك اتصالات من الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية وجامعة الدول العربية، بالإضافة إلى السفيرين البريطاني والروسي في الخرطوم، ونتمنى خلال الساعات القادمة أن نشهد توقف تام لإطلاق النار وبدء المفاوضات".من يؤدي دور الوسيط؟ولدى سؤاله عمّن يستطيع أن يلعب دور الوساطة لوقف إطلاق النار، يرى المجذوب أن "أكثر المنظمات الإقليمية والدولية تأهيلا لهذا الدور هو الاتحاد الإفريقي، وأكثر الدول المؤهلة هي إثيوبيا، لأن كليهما يمتلكان تجربة سابقة مع السودان ولديهما علاقات مع طرفي النزاع، ويمكن أن يشكلا وسيطا مقبولا للطرفين، وبالتالي يفضل أن يتم الأمر داخل البيت الإفريقي وتحديدا أن تقوده إثيوبيا".لكن المحامي والسياسي حاتم إلياس يرى في تصريح لـ"المشهد" أنه بالنسبة لإثيوبيا "فلا يمكن أن تكون وسيطا مقبولا؛ لأنها دخلت في صراعات سابقة مع السودان مثل الصراع العسكري في الفشقة، كما أن هناك مكونات سودانية منهم الإسلاميين، وقد يشكل ذلك حائط صدّ أمام الوساطة الإثيوبية".وكانت مصر وجنوب السودان عرضتا الأحد الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد المواجهات التي بدأت بينهما أمس السبت في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.ووفقا لبيان للرئاسة المصرية فقد ناشدت جارتا السودان الأطراف السودانية "تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي"، وذلك خلال اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جنوب السودان سلفا كير.جهود إفريقيةمن جهتها، قالت الرئاسة الكينية إن الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، وهي منظمة شبه إقليمية في إفريقيا مقرها دولة جيبوتي، قررت إيفاد رؤساء كينيا وجنوب السودان وجيبوتي إلى السودان "بأسرع ما يمكن" لإجراء مصالحة.ويقول المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة السودانية فايز السليك في تصريح لـ"المشهد" إنه "توجد بالفعل مجهودات عدة كانت ترعى المفاوضات السودانية قبل اندلاع الحرب وهي الرباعية التي تضم بريطانيا، والولايات المتحدة، والسعودية، ودولة الإمارات، بالإضافة إلى الآلية الثلاثية التي تضم الاتحاد الإفريقي وإيغاد والأمم المتحدة بقيادة المبعوث الدائم في السودان".وفيما يخص إثيوبيا، فيرى السليك أنها "جزء من الآلية الثلاثية، ولا تحتاج إلى طرح وساطة بقدر ما تحتاج إلى حثّ الأطراف المعنية للعودة إلى الحوار السياسي"، وبشأن الوساطة المصرية، يقول: "مصر تتحدث عن جهود وربما توظف جامعة الدول العربية حتى لا يكون تحركها فرديا".ويضيف السليك أن "الطرفين يمارسان سياسة كسر العظام، وإيصال الأمور إلى حافة الهاوية خصوصا من طرف الجيش الذي يسيطر عليه بعض الإسلاميين الذين يخططون للانقضاض على ثورة ديسمبر، ويرون أن قوات الدعم السريع تمثل عائقا في طريقهم، لذلك يخططون لتفكيكها نهائيا"، لافتا إلى أن "الحرية والتغيير ليس لديها ما تفعله حيث يعلو صوت الرصاص وتغيب فرص العمل الجماهيري".سيناريوهات الحلول المطروحةالخبير العسكري اللواء أمين المجذوب تحدث لـ"المشهد" أيضا عن الحلول المطروحة والتي قد تشمل تعديلات على الاتفاق الإطاري، وهي "الوصول إلى قيد زمني مناسب لدمج قوات الدعم السريع بالجيش، فالقوات المسلحة تتحدث عن عامين داخل الفترة الانتقالية بينما الدعم السريع تتحدث عن 10 سنوات، وهذا ما قد يُدخل الجميع في مأزق عندما تأتي الانتخابات".وتساءل المجذوب: "كيف يكون هناك جيشان في دولة واحدة؟ قاطرة برأسين يتجهان في نفس الاتجاه سيشكل أزمة كبيرة لا تدعم الاستقرار ولا الانتخابات، لأنه لا يعقل أن يكون هناك مرشح لديه جيش"، مضيفا: "تقديري الشخصي أن 3 سنوات كافية لدمج الجميع، والانتهاء من هذه الأزمة، والمضي قدما في الاتفاق الإطاري والانتقال الديمقراطي وتكوين الحكومة المدنية".(المشهد)