بعد سقوط حليفها في دمشق، تأمل روسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين في سوريا، وهما منشأة بحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية. إلى ذلك، أعلن الوفد الروسي وخلال زيارته بالأمس إلى دمشق، وذلك للمرة الأولى بعد سقوط الأسد، أنه سيجري المزيد من المباحثات مع الإدارة السورية الجديدة بشأن وضع القاعدتين. ولكن يبدو أن هذا الملف الشائك يمر بعثرات، خصوصًا أن إدارة الشرع تصر على ضرورة احترام إرادة الشعب السوري ومحاسبة الأسد، فكيف سترد موسكو؟كسر جليدللوقوف على آخر المستجدات في هذا الشأن، قال الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور محمود الأفندي للإعلامية جومانا النونو في برنامج "إستراتيجيا" الذي يُعرض على قناة ومنصة "المشهد": إنّ "اللقاء بين الوفد السوري والشرع هو كسر للجليد بين الطرفين وجس نبض بنفس الوقت، وهذا اللقاء كان ضروريًا بالنسبة للطرفين، للطرف الروسي والطرف السوري لأسباب جوهرية عدة منها:الطرف الروسي: روسيا بعد سقوط حليفها الأسد، تحاول بأي شكل من الأشكال أن تعيد علاقاتها مع الحكومة الجديدة أو النظام الجديد، وبنفس الوقت تحاول كسب الوقت لأنها بحاجة إلى استمرار وجودها العسكري وخصوصًا البحري في سوريا، نظرًا للعلاقات المتوترة بينها وبين حلف "الناتو".الطرف السوري: تحاول القيادة السورية الجديدة أن ترسل رسائل لحلفاء الغرب، ومن الواضح أن ميولها ستكون غربية وهذا ما تعلمه روسيا بشكل جيد، وحتى الآن لم يقم الغرب بأي حركة إيجابية تجاه الحكومة السورية الجديدة، بل قام فقط بزيارات ودعم عن طريق الكلام لا أكثر، أما بالنسبة للوضع العسكري والاقتصادي، سُمح فقط بتجميد العقوبات على سوريا لـ5 دول لأغراض ترميمية وإنسانية، هم السعودية وقطر وتركيا وأوكرانيا وألمانيا، بالتالي 5 دول فقط تستطيع أن ترمم سوريا ويعني ذلك أن الوضع الاقتصادي السوري أصبح في مأزق، من هنا الحكومة السورية الجديدة وعن طريق لقائها مع الروس تعطي رسالة إلى الغرب أنكم إذا استمريتم على هذا النهج ولم تلغوا العقوبات على سوريا بشكل كامل، يمكن أن تلجأ الإدارة الجديدة إلى تمديد الوجود العسكري الروسي على الأراضي السورية، ويمكن أن تعيد حتى علاقاتها مع إيران.معادلة إقليميةمن جهته، قال الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة محمد السكري لـ"المشهد": "أعتقد أن الحكومة السورية الجديدة غير معنية اليوم وغير مهتمة حقيقة أن يكون لها علاقات عميقة مع الجانب الروسي، وكل ما تريده بالفعل، أن تكون لها علاقات متوازنة مع الدول كافة بما فيها روسيا، بهدف تحقيق المصلحة السورية العامة، وهو الهدف الأساسي بالنسبة للحكومة".وتابع قائلًا: "سوريا الجديدة أعادت النظر بالسياسات الإقليمية والسياسات الإستراتيجية مع جميع الدول الأجنبية، وحتى مع الجانب التركي والجانب العربي وهذا واضح في سياسات أحمد الشرع، عندما كانت أولى مداخلاته أو لقاءاته مع الجانب السعودي، حتى أن أول زياراته قد تكون إلى السعودية".واستطرد قائلًا: "الجانب الغربي لم يمنح سوريا حتى هذه اللحظة سوى تصريحات عامة، أما الجانب الروسي لم يمنح الشعب السوري سوى القتل بالبراميل المتفجرة واستخدام السلاح الكيماوي وتجربة أسلحة جديدة بالسوريين خلال السنوات الطويلة الماضية، بالتالي كل الدول تفكر بمصلحتها، ولكن الحكومة السورية الجديدة تفكر بمعادلة إقليمية قائمة على عدم التبعية لأي دولة على الإطلاق، لأنها بكل بساطة تريد أن تأخذ دورها الإقليمي، ونعم جس نبض الجانب الروسي قائم وكسر الجليد حصل بالفعل، وهو في الواقعية السياسية وفي العلاقات الدولية مقبول، لكن هذا كله لا يعني أن سوريا ستعود إلى الحضن الروسي".وعن إمكانية تسليم موسكو الأسد إلى القيادة السورية الجديدة، قال السكري: "روسيا تحتاج الكثير من الشجاعة لتسليم بشار الأسد إلى السلطة السورية الجديدة وإلى تقديمه إلى المحكمة الدولية، لكن القيادة السورية الحالية ستقوم بالرد حتمًا على أي تعنت روسي قد يحصل خلال الفترة القادمة، لأنها تريد الحفاظ على التوازن الدولي والحفاظ على علاقتها مع الجانب السعودي والجانب التركي".(المشهد)