منذ اندلاع الأزمة وتفجرها داخل قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، لم تمل ولم تكل مصر في تقديم كافة إمكاناتها الدبلوماسية وتحركاتها على الصعيد العالمي لوقف شلال الدم المتدفق على الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن محاولاتها المستمرة والحثيثة في معالجة الأوضاع في غزة، سواء من حيث وقف الحرب أو تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية بكافة أشكالها للشعب الفلسطيني.واستكمالاً للدور المصري تجاه تلك الأزمة التي وعلى ما يبدو باتت مستعصية على الحل، أعلنت القاهرة المشاركة في الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية حول السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وذلك من خلال تقديم مذكرة لمحكمة العدل الدولية حول الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، والمرافعة الشفهية أمام المحكمة يوم الأربعاء المقبل.انتهاكات إسرائيلية تاريخية للأراضي الفلسطينيةومنذ عام 1967 قامت إسرائيل بنقل مدنييها إلى الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وأنشأت في 1967 مستوطنتين في الضفة الغربية "كفار عتصيون وتلبيوت الشرقية"، كما أنشأت بحلول عام 2017 حوالي 237 مستوطنة لإسكان نحو 580 ألف مستوطن، وتطبق القانون المدني الإسرائيلي على المستوطنين، وتوفر لهم الحماية القانونية والحقوق والمساعدات التي لا تُمنح للفلسطينيين الذين يعيشون في نفس المنطقة، والذين يخضعون للقانون العسكري الإسرائيلي،مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ القانون الدولي عبد الله الأشعل أكد في تصريحات لمنصة "المشهد" أن المذكرة التي قدمتها مصر إلى محكمة العدل الدولية بشأن الرأي الاستشاري "حول شرعية الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية تمثل خطوة قانونية وسياسية هامة، وتستند إلى الأسس والمرجعيات القانونية الراسخة المتمثلة في ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية".وأضاف أن "ما تضمنته المذكرة يعكس حقيقة الانتهاكات الإسرائيلية غير المقبولة بحق الشعب الفلسطيني التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر وانعدام الاستقرار داخل المنطقة، كما تؤكد بشكل واضح على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكه للقانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".أهم ما جاء في المذكرةوكشف الأشعل عن أن المذكرة المصرية التي تم تقديمها لمحكمة العدل الدولية تحتوي على أمور هامة من بينها الآتي:التأكيد على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي الذي دام لأكثر من 75 عاما بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الإنساني.سياسات ضم الأراضي وهدم المنازل وطرد وترحيل وتهجير الفلسطينيين، بالمخالفة للقواعد الآمرة للقانون الدولي العام، ومنها حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحظر الاستيلاء على الأراضي من خلال استعمال القوة المسلحة.رفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصري وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، التي تنتهك بشكل صارخ مبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.تأكيد شمولية رؤية "حل الدولتين" المصرية والتي حازت بتأييد دولي لكن لا تزال ترفض إسرائيل تنفيذها.لماذا تقدمت مصر بمذكرة ضد إسرائيل؟ووفقاً للدبلوماسي المصري فإن المذكرة تضمنت الانتهاكات الإسرائيلية كافة منذ أكثر من 75 عاما والتي ارتكبتها قوات الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية، موضحاً أنه استناداً لميثاق الأمم المتحدة يحق لمجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تطلب الآراء الاستشارية من محكمة العدل الدولية، وفي ديسمبر من العام الماضي طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من العدل الدولية الرأي الاستشاري بشأن مسألة قانونية وهي متعلقة بقانونية الاحتلال الإسرائيلي وما يفعله من انتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين والاستيطان وغيرها من الأمور، وبالتالي تقدمت مصر للإدلاء برأيها في هذا الموضوع وهي ضمن 52 دولة أبدت رغبتها في المشاركة في تلك القضية". وكشف أن "مصر لديها العديد من الأدلة التي تبرهن على الانتهاكات الإسرائيلية داخل فلسطين، وستقوم بتقديمها أثناء مرافعتها الشفهية في هذا الصدد"، مشددا على أن اللجوء إلى المحافل الدولية من أجل كشف حقيقة الممارسات الإسرائيلية غير الشرعية، يعكس تمسك مصر والدول العربية بالسعي الحثيث لتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة.العلاقات المصرية الإسرائيلية لن تتأثروفيما يتعلق بإمكانية حدوث توترات من عدمها في العلاقات المصرية الإسرائيلية نتيجة للتحرك المصري في محكمة العدل الدولية، استبعد الأشعل وقوع هذا الأمر، مشيراً إلى أن المحكمة نفسها هي التي طلبت من الدول المعلومات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وبالتالي ليس متوقعاً أن يفسد الموقف المصري العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، مؤكداً أن القاهرة وتل أبيب تجمعهما علاقات إستراتيجية وراسخة وليس من السهولة تدهور تلك العلاقات.وبحسب الأشعل فإن محكمة العدل الدولية تتمتع بالحيادية بدرجة كبيرة، وتتميز قرارتها بالإنصاف دائماً، لكن الإشكالية تكمن دائما في تنفيذ قرارات المحكمة ومن ثم يجب أن يكون هناك دور فاعل لمجلس الأمن، ويتدخل لضمان تنفيذ قرارات المحكمة لأنه وفقاً لميثاق مجلس الأمن في حالة عدم تنفيذ قرارات العدل الدولية يجب على الطرف المتضرر أن يتقدم بطلب لمجلس الأمن، وعلى المجلس أن يعقد جلسة طارئة ويتخذ قرار حاسم وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على أحقية مجلس الأمن في اتخاذ العديد من القرارات والتدابير التي يمكن من خلالها تنفيذ ما صدر من أمور ملزمة، ومن الممكن أن تصل هذه الإجراءات للتحرك العسكري.وأشار الأشعل إلى أن مجلس الأمن يدار بشكل معين، ويتعامل بازدواجية في المعايير تجاه العديد من القضايا، والولايات المتحدة دائما ما تقدم على اتخاذ حق (الفيتو) من أجل حماية إسرائيل، وهذا بكل تأكيد يؤكد على أن أميركا شريكة بشكل أساسي فيما يحدث من جرائم إبادة جماعية، لأنها تعمل على تسهيل إقدام إسرائيل على ارتكاب كافة الجرائم، وتعطيها دائما ضوءا أخضر لتنفيذ كل الانتهاكات غير المشروعة وغير الإنسانية.ومن جهته أكد أستاذ القانون الدولي العام والخبير في المنازعات الدولية الدكتور محمد مهران، على أهمية المرافعة الشفهية التي ستقدمها مصر أمام محكمة العدل الدولية والمقرر عقدها الأربعاء المقبل، وذلك باعتبارها فرصة لتوضيح الأبعاد القانونية للقضية الفلسطينية، وكشف حقيقة انتهاكات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، كما أنها ستكون بمثابة توثيق إضافي للرؤية المصرية للحقوق الفلسطينية وبتأكيد مسئولية إسرائيل كقوة احتلال عن كافة الممارسات غير الشرعية من استيطان وتهجير واضطهاد وتمييز، وستضع العالم أمام مسؤولياته في هذا الصدد.الفرق بين تحرك مصر وتحرك جنوب إفريقياوذهب مهران للقول إن مسار الفتوى والمرافعة المصرية مختلفان عن القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بشأن ما وصفته بعدم امتثال إسرائيل لاتفاقية منع الإبادة الجماعية في الأرض الفلسطينية خلال عملياتها العسكرية، مؤكداً في ذات الوقت أنه وعلى الرغم من أن الآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية غير ملزمة، فإنها يمكن أن تحمل سلطة أخلاقية وقانونية كبيرة، ويمكن أن تصبح في نهاية المطاف جزءاً من أعراف القانون الدولي، وهي ملزمة قانوناً للدول.ووصف مهران التحرك المصري بالفرصة السانحة لاستصدار فتوى شاملة ومتكاملة حول ممارسات القوات الإسرائيلية بعد آخر فتوى بحق الجدار العازل قبل 20 عاما والتي طالبت فيها المحكمة بتفكيكه وقضت بأنه مخالف القانون الدولي.وكان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان أعلن الأحد الماضي أن مصر ستشارك في الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية حول السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.(مصر - المشهد)