(البنت ما لهاش غير بيتها) بهذه الكلمات برر الحاج فؤاد الذي يعمل في مجال البناء زواج إحدى بناته وهي في سن 15 عاماً، أي قبل بلوغها السن القانونية للزواج والذي حدده الدستور المصري بـ18 عاماً، مشيراً في حديثه إلى منصة "المشهد" إلى أنّ ما قام به ليس استثناء، بل هو أمر متعارف عليه في قريته الواقعة جنوب محافظة الجيزة وجميع القرى القريبة منه.ويقول الحاج فؤاد إنه يعيل 6 أبناء من بينهم 4 فتيات ولا يستطيع تحمل نفقاتهم جميعاً، موضحاً أن زواج الفتيات في العمر المبكر يرفع عن كاهله الكثير من الأمور المعيشية الصعبة، بخلاف أن الزواج سُترة للبنت ولا توجد مبررات لتأخير هذا الأمر لطالما أن من تقدم لزواج ابنته قادر على تحمل نفقاتها.ويشرح الرجل الذي يبلغ من العمر 58 عاماً طريقة زواج ابنته في سن الـ15 عاماً، حيث يقول إنه ذهب إلى المأذون في بيته برفقة زوج ابنته وأهله، وقام المأذون بكتابة "ورقة عرفيّة" ظلت في حوزته إلى أن وصلت ابنته لسن الزواج المتعارف عليه في مصر عند 18 عاماً، وبعد ذلك قمنا بتوثيق هذا الزواج بشكل رسمي وقانوني.واقع فرضه جهل وعادات مجتمعيةحديث الحاج فؤاد عن زواج ابنته في هذا السن المبكر لم يكن شيئاً عابراً أو استثناءً كما وصفه الرجل بنفسه، بل إن هذا الأمر بات ظاهرة تمثل أرقاً بالغاً داخل المجتمع المصري الذي سئم هذه المشكلة، في ظل فشل أيّ محاولات للقضاء عليها وتناميها بشكل مضطرد خلال الأعوام الأخيرة، وحول هذا الأمر تقول عضو المجلس القومي المصري للمرأة نشوي الحوفي، إن هناك أسبابًا عديدة تسهم في زواج الفتيات في سن مبكرة، ولعل من أبرز تلك الأسباب هو الفقر وعدم قدرة ولي الأمر على تحمّل نفقات وتكاليف أسرته المعيشية، ومن ثم يلجأ إلى بيع ابنته بثمن بخس، ناهيك عن ارتفاع حالة الجهل لدى الكثير من المواطنين وخصوصًا المتمركزين داخل القرى، حيث يتسبّب هذا الجهل في تبني أفكار غير منطقية عند هؤلاء المواطنين، وتتمثل في أن الزواج عفاف وستر للبنت، وبالتالي يجب عليها أن تتزوج عند إقدام أول رجل لخطبتها.وتشير الحوفي إلى أن هذه الظاهرة تنتشر بشكلٍ كبير داخل المناطق ذات الطبيعة الريفية والشعبية البعيدة عن المدن، والتي يتكاتف أهلها في كثير من الأحيان لدعم مثل هذا النوع من الزواج وليس محاربته والحد منه، حيث إن الأهالي هناك يلجؤون إلى التحايل بالعديد من الطرق الملتوية لإتمام زواج بناتهن بشكلٍ غير موثق، وحينما يصلن إلى سن الزواج القانوني يقوم الأهالي بتوثيق عقود بناتهن أمام الجهات الرسمية المعنية.مخاطر عديدةوتبذل الجهات الرسمية والمجتمعية داخل الدولة جهوداً مضنيّة للحد من تلك الظاهرة، لكن وعلى ما يبدو أنّ الطريق ما يزال طويلًا لتحقيق حماية فعّالة للفتيات من هذه الممارسات التي تشكل وفقاً للحوفي تهديداً على مستقبلهن وحياتهن، والتي ينتج عنها مخاطر عديدة من أبرزها الآتي:مشكلات اجتماعية عديدة وخصوصًا أن الفتاة الصغيرة تكون غير قادرة على تحمل مسؤولية الزواج في هذا السن المبكر.تعرض الفتاة لأضرار صحية عديدة بسبب عدم اكتمال نموها الجسدي، وعدم تهيئتها بدنياً للحمل.عدم وجود أوراق ثبوتية للزواج أو الأطفال.تعدد حالات الطلاق الناجمة عن هذا النوع من الزواج.وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فإن ما يقرب من 117 ألف طفل بين سن 10 و17 عاماً متزوجون، أو سبق لهم الزواج بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى معدلات أعلى من ذلك بكثير، وسجلت محافظات الصعيد أعلى نسبة في زواج الأطفال وطلاقهم، بينما سجلت محافظات مصر الحدودية وهي البحر الأحمر وسيناء ومرسى مطروح وأسوان أقل نسبة في زواج الأطفال.هل يوجد قانون لتجريم الزواج المبكر؟رئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون انتصار السعيد كشفت عدم وجود أيّ نصوص في قانون العقوبات المصري يجرم زواج القاصرات، موضحةً أن القانون أقرّ فقط عقوبة على التوثيق دون بلوغ السن القانونية، وبالتالي فهذا الأمر يساعد الجناة على الإفلات من العقوبة ويشجعهم على الاستمرار في أفعالهم الإجرامية، مؤكدةً في الوقت ذاته على أن تجريم زواج القاصرات بات أحد أهم الأولويات داخل المجتمع المصري، ومن ثم يجب إدخال نصوص لمعاقبة كافة الأطراف المشاركة في تلك الجريمة، وعلى رأسها أهل الفتاة حال موافقتهم على زواج ابنتهم قبل بلوغها السن القانونية التي أقرّها الدستور المصري بـ18 عاماً.وتصف انتصار السعيد زواج القاصرات بالجريمة المكتملة الأركان، وتعدّ من الناحية القانونية بمثابة تزوير لأنه لم يتم بطريقة رسمية، وأن كل الأطراف المشاركين فيه يخالفون نصوص القانون.وشددت السعيد على حتمية وجود توعية حقيقة وجادة للمواطنين من قبل الدولة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية، بأهمية تزويج الفتيات عند بلوغهن السن القانونية والمقرر بـ18 عاماً، لأنه قبل هذا السن تكون الفتاة مجرد طفلة لا تملك القدرة على رعاية أسرة، كما طالبت بضرورة سحب ترخيص مزاولة المهنة من أي مأذون يقوم بالاشتراك في هذه الجريمة، ومحاسبته وتوقيع عقوبات رادعة عليه.وحول الحكم الشرعي لزواج القاصرات الذي بات أزمة حقيقة تواجه المجتمع المصري فيقول عضو لجنة الفتوي بالأزهر الشريف الشيخ عبد العزيز النجار، إن حكم هذا الزواج هو البطلان، وذلك لعدم توافر الشروط والأركان الحقيقية للزواج، إضافة إلى تضمنه آثاراً خطيرةً تهدد استقرار الأسرة والمجتمع، مشدداً على أن يعاقب فيه فاعله وكل من سهله أو سعى في إتمامه على هذا النحو الذي لا يستند إلى عقل رشيد.تقارير دولية صادمةووفقاً لتقرير صادر عن منظمة اليونيسف فإن العالم على بعد 300 عام على الأقل من إنهاء زواج الأطفال، مع توقع وجود أكثر من 9 ملايين فتاة معرضة للزواج في مرحلة الطفولة في عام 2030، إذا لم يتصرف العالم بشكل حاسم لإنهاء زواج الأطفال، وأوضح التقرير أن زواج القاصرات ظاهرة عالمية تتراجع، ولكنها ما زالت مصدر قلق عالمي، فهناك نحو 640 مليون فتاة وسيدة على قيد الحياة تزوجن في سن الطفولة أي أقل من 18 عامًا،وبحسب عضو المجلس القومي للمرأة نشوى الحوفي فإن الحكومة المصرية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الظاهرة، وقامت خلال الأعوام الماضية بجهود عدة للحد من هذا النوع من الزواج والتي كان من بينها الآتي:تفعيل الإستراتيجية القومية لمناهضة الزواج المبكر التي ركزت على المناطق الجغرافية التي تنتشر فيها تلك الظاهرة.العمل على تحسين الأحوال المعيشية للأسر الفقيرة للقضاء على أهم مسببات هذا الزواج.تفعيل دور خط نجدة الطفل الخاص بالإبلاغ عن المشكلات التي يتعرض لها الأطفال.(المشهد - القاهرة)