الصور والمشاهد المتتالية للأطفال والشيوخ والأهالي في قطاع غزة، تحت لهيب الحرب الإسرائيلية، تدلّل على أنهم جميعًا يواجهون خطر "التجويع"، وهي الأزمة التي باتت تحتدّ يوما بعد يوم بسبب انعدام الأمن الغذائي، وفق منظمة الفاو، ومعظم تقارير منظمات الإغاثة الدولية.التجويع سلاح تستخدمه إسرائيل في حربها على سكان غزة علنًا، حيث دعا مسؤولون إسرائيليون لتشديد الحصار عليهم، وحرمانهم من الغذاء والوقود والماء، وتمنع إسرائيل شاحنات الأغذية من عبور غزة، وارتكبت مجازر عديدة بحق الأهالي وهم ينتظرون وصول المساعدات، أشهرها حادثة دوار النابلسي التي قُتل فيها أكثر من 120 فلسطينيّ وجرح العشرات. الجوع طال جميع سكان القطاع مع غياب السلع الأساسية والموادّ الغذائية منذ نشوب الحرب، وباتت كلمة الجوع تختصر أحوال أهالي غزة، حيث يوضح الباحث في الشأن الإسرائيليّ ساري عرابي لمنصة "المشهد"، أنّ "مقومات الحياة باتت شبه معدومة في أرجاء قطاع غزة، خصوصًا منطقة الشمال، وهذه حرب تجويع تشنها إسرائيل موازية للحرب العسكرية، تهدف إلى ضرب مقوّمات البقاء والصمود، وتخريب النسيج المجتمعي، وتفريغ غزة من سكانها وتهجيرهم إلى خارج القطاع، وتحقيق المخططات الإسرائيلية المتعلقة بالقطاع لليوم التالي للحرب، وهي سياسة قتل متعمّدة، من لم يمت من الغزّيين بالصاروخ، سيموت بالعطش والجوع والمرض".الجوع يفتك بالغزّيين من جانبه، يصف المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة هشام مهنا لمنصة "المشهد"، الوضع قائلًا: "تعددت أسباب الموت بالنسبة للأهالي في قطاع غزة، ليصبح أحدها الموت جوعًا، التقارير الصادرة يوميًا، تفيد بوفاة عدد من الأشخاص بسبب الجوع، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، خصوصًا الأطفال منهم، هذا أمر مفجع ولا يمكن قبوله". واستدرك مهنا قائلًا: "هذه الأزمة دفعت بالأهالي في غزة بالمخاطرة في أرواحهم من أجل الوصول إلى الأماكن التي تصل إليها الشاحنات، ولقد شهدنا العديد من الحوادث التي أدت إلى مقتل وجرح المئات من الأهالي، هذه المخاطرة من أجل إبقاء حياة عائلاتهم وجلب الغذاء لهم". وأوضح مهنا، أنّ "هناك أزمة حقيقية، تتمثل في عدم قدرة المنظمات الإنسانية، على إيصال الدعم الإنسانيّ المُنقذ للحياة، بما فيه الغذاء إلى مناطق شمال قطاع غزة، وهذا الوضع امتد على مدار أشهر، فوصل الحال بالأهالي هناك وفي معظم المناطق، لاستبدال الطحين بعلف الحيوانات، كمصدر من مصادر الغذاء، فضلًا عن عدم توافر القدرة المالية لشراء ما هو متوافر، والموادّ الغذائية معدومة بالأساس".وحول أزمة الغذاء في جنوب قطاع غزة أشار مهنا لمنصة "المشهد": "نستطيع القول بأنّ الدعم الإنسانيّ الذي يدخل، هو فتات، مقارنة بالاحتياجات الإنسانية المتزايدة ساعة بعد ساعة، تتوافر بعض الأغذية في أسواق مدينة رفح، لكنها باهظة الثمن بفعل الحرب". وأضاف مهنا، نؤكد في اللجنة الدولية للصليب الأحمر "يجب على أطراف النزاع، ووفقًا لمبادئ القانون الدوليّ الإنساني، العمل على إتاحة المجال أمام المنظمات الإغاثية الإنسانية الدولية، بالوصول بشكل متواصل وآمن وغير منقطع، ليضمن للفرق الإنسانية إيصال الدعم الإنساني، لمئات الآلاف من الناس الذين ينتظرون في الشمال والجنوب، في الخيم، والمستشفيات وغيرها". وشدد مهنا بأنه "على إسرائيل كسلطة قائمة بالاحتلال، أن تسمح للأهالي بالوصول إلى الخدمات الرئيسية، التي تمكّنهم من البقاء على قيد الحياة". ارتفاع وفيات الجوعوتدوّي التحذيرات الدولية وتتلاحق من كل اتجاه، من مجاعة واسعة النطاق تهدد حياة 2.2 مليون شخص في قطاع غزة، خصوصًا مع تسجيل مزيد من الوفيات من جرّاء سوء التغذية وفقدان الموادّ الغذائية، فبحسب "وزارة الصحة الفلسطينية" توفي بفعل سوء التغذية 20 شخصًا معظمهم من الأطفال، حيث بات شبح الموت يطارد فئة الأطفال الصغار، الذين يعانون الجفاف، وسوء التغذية بشكل متسارع. ويصف د.أحمد الكحلوت طبيب العناية المركزة في مستشفى كمال عدوان، لمنصة "المشهد": "الجفاف وسوء التغذية يعصفان بـ90% من الأطفال في غزة، الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرًا، ويعانون بفعل الأمراض المعدية، فيما تواجه النساء الحوامل والمرضعات فقرًا غذائيًا حادًا"، وشدد الكحلوت على أنه إذا لم تقدّم إغاثة عاجلة للأطفال وأهالي غزة، فإنّ مزيدًا من الأطفال والأشخاص معرضون للموت في أيّ لحظة".ولفت سلام جودة 40 عامًا، من حيّ الزيتون شمالي قطاع غزة لمنصة "المشهد"، "بتنا جميعًا ضحايا هذه السياسة التي فاقت الخيال، بالمختصر لا يوجد طعام ولا خبز ولا أرزّ، نصبح ونُمسي على الجوع، لا يوجد كسرة خبز، عائلتي المكوّنة من 6 أطفال لم تأكل الخبر منذ أشهر، وأطفالي بحاجة إلى الحليب، أشعر بعجز يقتلني ليل نهار، نحن نتضور جوعًا، هذه جريمة لترويعنا وتهجيرنا خارج غزة، هي سياسة مفتعلة، ونطالب العالم بوقف الحرب". وتشكو النازحة في مدينة رفح أم يحيى عودة لمنصة "المشهد"، من قتامة وصعوبة الحال وعدم توافر أبسط الموادّ الغذائية لعائلتها وأطفالها، حيث لجأت وأسرتها المكونة من 9 أفراد إلى خيم النزوح في رفح، "أحيانًا أعاني الصّداع الشديد بسبب الجوع، وعدم مقدرتي على الحركة، أو البحث عن الطعام في السوق، حيث نجده بصعوبة بالغة وبأسعار خيالية، ظروفنا صعبة للغاية، والقادم على ما يبدو أسوأ". (المشهد - القدس)