رغم عجز العراق عن انتخاب رئيس جديد للبرلمان منذ ما يقارب 10 أشهر، إلّا أنه مع كل جلسة برلمانية تحاول الكتل السياسية المتصارعة فرض سلطتها على قرارات المجلس، وإدراج تعديلات جديدة على قوانين سابقة، في مقدمتها قانونا العفو العام والأحوال الشخصية العراقي.ويطالب السنّة منذ سنوات بتمرير قانون العفو العام، الذي من شأنه إعادة المحاكمات للكثير من السجناء وغالبيتهم من السنّة، الذين يرى السنّة أنهم تعرضوا للظلم، وصدرت بحقهم أحكام تعسفية بانتمائهم لتنظيم "داعش"، خصوصًا بعد عمليات تحرير المدن العراقية من قبضة التنظيم. وفي المقابل تحاول الكتل الشيعية منذ أشهر عدة، على رأسها قوى الإطار التنسيقي، تمرير بعض التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، التي وصفها نشطاء مدنيون بأنها تعديلات تظلم المرأة العراقية وتسلبها حقوقها.رفض سنّي وتضمنت جلسة البرلمان يوم الاثنين الماضي، مناقشة مشروعي قانونَي العفو العام والأحوال الشخصية، بهدف استكمال قراءتهما، وتعديل بعض المواد القانونية بداخلهما، ثم تمريرهما على الأغلبية داخل مجلس النواب.ورغم رغبة الكتل السنّية بتمرير قانون العفو العام، لكن ما أغضبها هو مقترح شيعيّ لتعديل مادة داخل القانون قبل تمريره، وهي إعادة تعريف مفهوم الإرهاب والإرهابيّين، ما يعني عدم شمول أعداد غفيرة من أبناء المناطق والمحافظات السنّية بهذا القانون، رغم أنهم قد يكونون أبرياء أو ضحايا لشكاوى كيدية. كسر عظم ودفع رفض الكتل السنيّة لهذا التعديل بالقوى الشيعية إلى استخدامه كورقة ضغط على السنّة لقبول تمرير قانون الأحوال الشخصية بتعديلاته الجديدة، التي ترفض الكتل السنية داخل البرلمان تمريرها.ويعيد قانون العفو العام العراقي بصيغته القديمة، محاكمة جميع السجناء، ومن تثبت براءته يطلق سراحه، ومن يثبت تورطه ينفّذ بحقه الحكم القضائي، لكنّ التعديل الجديد يدعو إلى دراسة جديدة لمفهوم الإرهاب والإرهابيّين، أي ربما يعرّف المفهوم الجديد جميع السجناء بأنهم إرهابيون ثم تتم محاكمتهم جميعًا.وشهدت الفترة مابين 2017 - 2019، صدور الكثير من الأحكام التعسفية بحق المعتقلين، الذين تم اعتقالهم خلال فترة تحرير مدن العراق من تنظيم "داعش"، ووجهت لهم تُهم متعلقة بالإرهاب وسفك الدماء العراقية والإساءة إلى المجتمع العراقي.تعطيل شيعي ويعدّ قانون العفو العام، أحد أبرز مطالب الكتل السنّية، التي اشترطت إقراره أثناء مفاوضات تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، إلا أنّ الكتل السياسية الشيعية عطّلت تمريره مرات عدة، لتخرج مؤخرًا بتعديلات جديدة لاقت رفضًا واسعًا في الشارع السنّي، الذي كان ينتظر تمرير القانون ليستعيد أبناءه.ويرى محللون سياسيون أنّ الكتل الشيعية تحاول تمرير قانون الأحوال الشخصية، عبر الضغط على الكتل السنّية بتعديلات جديدة على قانون العفو العام.وحول ذلك يقول النائب في البرلمان العراقيّ رعد الدهلكي لمنصة "المشهد"، إنّ "الكتل السنّية لن تقبل أن يكون قانون العفو العام مهرًا للقاصرات"، مؤكدًا أنّ "بعض النواب الشيعة هددوا بسحب قانون العفو العام في حال عدم تصويت النواب السنّة على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية".ويضيف الدهلكي:موضوع تعديل قانون العفو العام مهم جدًا، واكتملت رؤيتنا في هذا التعديل.نحن كسنّة شكّلنا لجنة للتفاوض، سنعمل في الأيام القادمة على تقديم مقترحاتنا، على رأسها إعادة التحقيق مع السجناء وليس محاكمتهم مباشرة.هنالك ضغوط واضحة من قبل الشيعة على الكتل السنّية لتمرير قانون العفو العام مقابل تمرير قانون الأحوال الشخصية.أصبحت المساومة واضحة، هم يقولون، نمرر لكم قانون العفو كما تريدون، مقابل موافقتكم على تمرير قانون الأحوال الشخصية كما نريد.نحن لا نرفض تعديل قانون العفو العام، لكن لا نقبل أن يكون بهذه الصيغة التعريفية، التي تقول إنّ من وُجد اسمه في سجلات "داعش" من دون أن يكون متورطًا بالدماء، فهو إرهابيّ ويجب محاكمته مباشرة.الشيعة يرفضون المقايضة والابتزاز وحول توجيه بعض الاتهامات للقوى الشيعية بأنها تساوم على تمرير قانون الأحوال الشخصية، يقول عضو تيار الحكمة رحيم العبودي لمنصة "المشهد"، إنّ "الكتل الشيعية لا تحتاج للضغط على أيّ مكوّن لتمرير مقترحات القوانين أو التعديل عليها، على اعتبار أنها 180 نائبًا، تستطيع أن تمرر أيّ قانون بأريحية، لكنها بالتأكيد تحتاج إلى التوافق، وقبول النوّاب لكل القوانين التي تُشرّع تحت قُبة البرلمان".ويؤكد العبودي أنّ "الكتل الشيعية لا تبتزّ ولا تعمل على المقايضة، كل هذه التصرفات بعيدة عنها، لكنّ الآخر يلمّح لها، لأنه يجد أنّ القضية ماضية بقبوله أو برفضه، كما أنّ تعديل قانون الأحوال الشخصية هو مصلحة عامة".ويضيف العبودي: نؤكد أنّ المادة 41 من الدستور العراقي (العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية بحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظّم ذلك القانون) هي مادة حاكمة يجب تطبيقها، وتم الاتفاق على ذلك بالفعل، الدليل أنه تمت قراءة القانون قراءة ثانية.اكتظاظ السجون العراقية وحول تعديل قانون العفو العام، يقول العبودي، إنه "تمت قراءة القانون قراءة ثانية، على اعتبار أنّ فيه أيضًا مصلحة عامة، هي أنّ نسبة المسجونين داخل السجون، وبتصريح من وزارة العدل هي 300%، ما يعني أنّ المساحة المتوافرة غير كافية للسجناء، هنالك اكتضاظ ومشاكل وأمراض، إضافة الى التكلفة العالية لكل سجين من مأكل ومشرب وبقيّة الخدمات". ويرى العبودي أنّ ما يعقّد المشكلة داخل السجون، هي أنّ بعضهم صدر بحقه أحكام خفيفة، والبعض الآخر صدر بحقه أحكام ثقيلة، غير معروف من هم الإرهابيون ومن هم غير ذلك، ويطرح التعديل الجديد تعريفًا لمفهوم الإرهاب والإرهابيّين، لنتمكن من تفريغ السجون وتخفيف الضغط عنها من خلال تقليص أعداد السجناء".ويختم العبودي حديثه بالقول، إنّ "الإطار التنسيقيّ يمضي بالاتجاه الصحيح، وفقًا للبرنامج الحكوميّ وبالتالي هذه التعديلات هي اتفاق سياسي، يجب الموافقة عليها مع الشركاء، لا بد من الاستمرار باالرؤية السياسية التي تبني المؤسسات وتعزز القرار".ربط الأحوال الشخصية بالعفو العام وكان مجلس النوّاب العراقي، قد أعلن نهاية شهر يوليو الماضي، عن مقترح لتعديل الفقرة 57 من القانون 188 المعروف بقانون الأحوال الشخصية العراقيّ الصادر في العام 1959، ما أثار موجة غضب نسوية في الشارع العراقي، التي اعتبرت أنّ التعديلات الجديدة لا تصبّ في مصلحة المرأة العراقية.وعقب الإعلان عن مقترحات لتعديل قانون الأحوال الشخصية، شكّل مجموعة من الناشطين والحقوقيّين والمنظمات المدنية ومنظمات المجتمع المدني، تحالفًا أطلقوا عليه تحالف 188 للدفاع عن الأحوال الشخصية العراقية.ويشرح عضو تحالف 188، حسين النجار لـ"المشهد"، أنّ "مجلس النوّاب لم يقدم شيئًا للمجتمع العراقي، لم يسن قوانين جديدة تهم المصلحة العامة، خصوصًا في ما يتعلق بقانون الضمان الاجتماعيّ والعدالة المجتمعية، بل جاء بتعديلات على قانون الأحوال الشخصية تمسّ بجوهر حقوق المرأة والطفولة والأسرة العراقية".ويؤكد النجار أنّ "تحالف 188 يرفض هذه التعديلات، ويرى أنها ستحوّل المجتمع العراقيّ إلى مجتمع طائفيّ إثني، ونحن عانينا لسنوات طويلة الصراعات الطائفية والاقتتال بين المكوّنات المختلفة".المادة 41 تضر بالمجتمع العراقي وحول ربط قانون الأحوال الشخصية بقانون العفو العام، يقول النجار:يجب فصل قانون الأحوال الشخصية عن قانون العفو العام.وبالتالي يجب قراءة كل تعديل بشكل منفصل، وليس تشريع التعديلين بطريقة الدمج.إنها محاولة لفرض إرادة مكوّن سياسيّ معين يدّعي تمثيل طائفة معينة ضد المكونات الأخرى.المادة 41 من الدستور العراقي، مُختلف عليها برلمانيًا وسياسيًا، هذه المادة تسبب ضررًا لمواد أخرى، أبرزها المادة 14 والمادة 29 والمادة 88.نؤكد ضرورة أن تعود القوانين إلى الحكومة من أجل البحث في تعديلات مناسبة للجميع وليس بهذه الصيغة السياسية. (المشهد )