قبل يوم واحد من اختتام جلسات الاستماع التي تعقدها محكمة العدل الدولية لمناقشة الآثار القانونية الناشئة عن السياسات الإسرائيلية وممارساتها في فلسطين، ألقت دول عربية وغربية عدة إفاداتها الرسمية، وشملت انتقادات حادة للحكومة الإسرائيلية التي تشنّ حربا على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر.وفي الوقت الذي قدمت فيه المدعية العسكرية العامة الإسرائيلية يفعات تومر يروشالمي إفادة عن ممارسات جنود الجيش والتي وصفتها بـ"سلوك إجرامي"، قالت المدّعية إنّ بعض القوات الإسرائيلية في غزة تورطت في جرائم بما في ذلك الاستخدام غير المبرّر للقوة، والنهب وتدمير الممتلكات الخاصة. وبحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية حذّرت يروشالمي في رسالتها من أنّ هؤلاء "ليس لهم مكان في الجيش الإسرائيلي"، وأن سلوكهم يسبب لإسرائيل "ضررا إستراتيجيا على الساحة الدولية".وبدأت محكمة العدل الدولية في 19 فبراير الجاري، الاستماع إلى أسانيد ودفوعات من 52 دولة على مدار 6 أيام، في سياق طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة الحصول على رأي استشاري من المحكمة "حول آثار الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 57 عاما".تأثير على موقف إسرائيل وفي هذا السياق، اعتبر أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأردنية الدكتور عمر العكور، أنه تصريح صادر عن شخص يحمل الصفة الرسمية، وأن الأشخاص الذين يحملون الصفة الرسمية يمثلون الدولة وبالتالي هو باليقين والقطع يؤثر على موقف إسرائيل من الناحية السلبية. وقال العكور في تصريحات لمنصة "المشهد" إن الرأي الذي سيصدر عن المحكمة من المتوقع أن يكون قريبا أو مشابها للرأي الذي صدر عام 2004 فيما يتعلق بالجدار العازل. وأكد أن هناك توجّها دوليا حاليا، خصوصا بعد اتخاذ دول من أميركا اللاتينية قرارات للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وبيّن العكور أن المدعية العامة للمحكمة الجناية الدولية التي سبقت عمر خان طالت بانتداب ولاية المحكمة على القدس الشرقية باعتبارها أراضي محتلة، وبالتالي فإن هذا القرار سيكشف "أن أراضي القدس الشرقية هي أراض واقعة تحت الاحتلال وعن أثر هذا الاحتلال القانوني والأطول في التاريخ الحديث ويؤثر على إسرائيل، ويطلب من الدول التي تقوم إما بإعادة الحال كما كان عليه أو طلب من الدول بعدم التعامل مع إسرائيل بنفس الطريقة السابقة". وقال العكور إنه أصبح الآن لدى المجتمع الدولي سواء من السياسة أو القانون، قناعة بأن هذا النزاع لن ينتهي إلا بالتفاوض، وهذا ما دفعت فيه إسرائيل التي أكدت أن لا مشكلة لديها بالتفاوض شريطة أن لا يأتيها الأمر من أي هيئة دولية. وأضاف: "في علم السياسة، المفاوضات يجب أن تكون بين أطراف لها نفس المركز والقوة"، معتبرا أن المفاوضات التي تحتكم إليها إسرائيل "غير عادلة" لأنها هي من "ستكسب" في جميع الأحوال. وقال إن إسرائيل تبحث لإنشاء سلطة أو دولة بالطريقة التي تراها هي مناسبة لها، تكون "منزوعة الدسم والسلاح". وحول إفادة المدعية العسكرية الإسرائيلية، قال العكور إن الجمعية العامة للأمم المتحدة وبالرأي الاستشاري الخاص بها وكذلك بالتشاركية مع الدعوى المرفوعة من قبل جنوب إفريقيا، من الممكن أن يتم الأخذ بالشهادات المقدّمة من الدول، وتصل بها إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأوضح أن التوثيقات والدفوعات التي قدمتها الدول أمام المحكمة مؤخرا، قد يؤخذ بها ويتم تقييمها لإدانة قادة الحرب في إسرائيل. قرار بعد سنواتوبالحديث عن المدة الزمنية المتوقعة لإصدار قرار من قبل المحكمة في هذا الخصوص، قال العكور إن "قرار جريمة الإبادة الجماعية بحاجة إلى نحو 9 سنوات للصدور". وأكد أن قرار جريمة الإبادة الجماعية في ميانمار اتخذ نحو 8 أعوام وفي يوغسلافيا نحو 13 عاما. وأوضح أن إثبات جريمة الإبادة الجماعية تكمن مشكلتها في "القصد الخاص"، وبالتالي فهي من أكثر الجرائم تعقيدا الواقعة ضمن اختصاص محكمة العدل الدولية. وقال إن هناك 4 اختصاصات في المحكمة تندرج ضمن المادة 5 في نظامها، وهي الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جرائم العدوان وجريمة الإبادة الجماعية. وأوضح أن أصعب جريمة من الممكن إثباتها في "الإبادة الجماعية" لأنها تتطلب ركنا أو قصدا خاصا، لذلك "تأخذ مساحة زمنية طويلة". يُذكر أن إسرائيل أكّدت في مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية منذ أسابيع، أنها اعترفت بالفعل وقطع المساعدات عن سكان قطاع غزة، إلا أنها ركّزت على الدفاع عن النفس أو انكفاء النية في التخلص من الفلسطينيين، خصوصا بعد أن استخدمتهم "حماس" كدروع بشرية. وأكدت على فكرة أن لديها نحو 20% من الفلسطينيين موجودون داخل الخط الأخضر ولم تقم بقتلهم، بالإضافة إلى أن جزءا من العرب يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وهذه الذرائع استخدمتها إسرائيل لتنفي نية "القصد الخاص" في الإبادة الجماعية.اجتماعات تاريخية من جانبه، قال أستاذ العاوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور بدر الماضي، إن محكمة العدل الدولية أمام اختبار تاريخي فيما يخصّ إدانة إسرائيل أو عدم إدانتها في المرحلة المقبلة بسبب ما اقترفته من سلوك "لا يمكن وصفه إلا بالسلوك الإجرامي في الأشهر الأربعة الأخيرة". وأضاف الماضي في حديثه لمنصة "المشهد"، أن اجتماعات محكمة العدل الدولية هي اجتماعات تاريخية، تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية. وشدد على أن الاجتماعات والجلسات الأخيرة، هي لتضع القانون الدولي أمام أيضاً مسؤولياته التي حاول من خلال القانون الدولي الإنساني منذ زمن بعيد أن يُرسل رسالة إيجابية لكل الأمم بأن هناك مظلة قانونية قد تحمي أرواح ومعتقدات ووجود المجتمعات أينما كانت بغض النظر عن دياناتها وعرقها وألوانها وخلفياتها السياسية والأيدولوجية. واعتبر أن الاجتماع الأخير مهم جداً باتجاه ما يجري في قطاع غزة، هو عبارة عن اجتماعات ستُعبر المحكمة بشكل كبير جدا أنه إذا بقي من أخلاقيات المجتمع الدولي وبقي شيء من القواعد التي يمكن أن تؤسسها هذه المحكمة لظروف سياسية واقتصادية وقانونية قادمة بشكل عام. وقال الماضي إن "الأردن قدّم مرافعته الخميس كمرافعة تُعبّر بشكل أساسي عن التزامات الأردن السياسية والأخلاقية تجاه ما يجري في فلسطين، وهذا بسبب أو آخر يعني يمكن أن يحسب إلى الأردن بأن فلسطين هي الأقرب له". وأوضح أن الأردن لديه التزامات، ويحاول أن يرسل الرسالة المهمة جدا للمجتمع الدولي أنه سيقف مع الحق دائما، وسيقف مع الشعوب التي تحتاج إلى مساندة بشكل عام. إدانة مبكّرةوأكد أن ما قامت به المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية، سيصب في مصلحة هذه الجلسات التي تُعقد الآن، وهذا "هو إدانة مبكرة من قبل الإسرائيليين نفسهم باتجاه سلوك الجيش الإسرائيلي". وأضاف الماضي "أخشى أن يُعتبر مثل هذا التصريح ومثل هذه الطلبات من قبل المدعية العامة العسكرية محاولة لتبرير ساحة إسرائيل كحكومة وكدولة وأن المجتمع الدولي بعد ذلك سيقول لنترك التقييم النهائي إذا ما ارتكبت إسرائيل جرائم حرب لأنها دولة ديمقراطية وقانونية". واعتبر أن جلسات المحكمة ستؤثر بالتأكيد على سمعة إسرائيل الدولية وعلى سمعة الدول الحليفة لها وخصوصا الولايات المتحدة، "ولا أحد يعلم كما تعلم هذه المحكمة ولا أحد يعلم أو يدخل في نوايا القضاة لكن بالتأكيد الملفات كانت ملفات تدين إسرائيل". وتوقّع أن تُصدر المحكمة قرارات تدين إسرائيل، مما سيساهم في وضع كل العالم أمام تحديات جديدة وأمام نهج جديد في التعامل مع مثل هذه القضايا. وقال الماضي إنه للأسف فإن أي قرار سيصدر سيذهب إلى الأمم التحدة "وستستخدم الولايات المتحدة حق النقض بما لا يدين إسرائيل"، معتبرا أنها إشكالية كبرى "ستبقى أيضا وصمة عار في جبين المجتمع الدولي وفي الولايات المتحدة وإسرائيل بما قامت به في الأشهر الماضية". (المشهد)