أوروبا تحترق والفيضانات تُغرقها.. انهيار المناخ يهدّد بدمار شامل

ارتفاع درجات الحرارة العالميّة أثرت على كلّ الكوكب (رويترز)
ارتفاع درجات الحرارة العالميّة أثرت على كلّ الكوكب (رويترز)
verticalLine
fontSize

أوروبا تحترق، الفيضانات تُغرقها، المناخ ينهار. الخوف من الأحداث الجويّة المتطرفة بات هاجساً رئيسياً.

والواقع العالمي لانهيار المناخ "انتقل إلى الحياة اليومية للأوروبيين"، وفق تصريحات الاتّحاد الأوروبي، الذي دقّ ناقوس الخطر وحذّر من الأسوأ، مشدّداً على أن حرائق الغابات المُميتة في البرتغال دليل على "انهيار المناخ" الذي سيصبح "القاعدة"، في حال لم يتمّ اتخاذ إجراءات جذريّة سريعاً.

المناخ ينهار بسرعة في أورويا

في مقابلة خاصّة لمنصّة "المشهد"، أوضح أغلب العتيلي، الدكتور المختص في البيئة في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، أن "الفيضانات المدمّرة التي اجتاحت معظم أنحاء أوروبا الوسطى وحرائق الغابات المميتة في البرتغال، دليل على انهيار المناخ وفق ما أكد الاتحاد الأوروبي"،

وأشار إلى أن "ما يحصل بالضبط مناخيا هو ردّ فعل على التغيرات المناخية المتسارعة التي يشهدها كوكب الأرض بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية بالدرجة الأولى، أي ما يُعرف بظاهرة الاحتباس الحراري الناتج أولا عن تراكم الغازات الدّفيئة مثل ثاني أوكسيد الكربون، مما يسبب زيادة الاحتباس ورفع الحرارة في كل الكوكب".

أسباب الكوارث الطبيعيّة المدمّرة

ولفت العتيلي إلى أن هذه التغيرات أدّت إلى سلسلة من التّغيرات المناخيّة القاسية والمدمّرة، مثل الحرائق الضخمة والفيضانات والسيول. أما الأسباب المناخيّة وراء تلك الكوارث الطّبيعيّة الرّئيسيّة فهي:

  • ارتفاع درجات الحرارة العالميّة في كلّ الكوكب، بالتالي الفصول تصبح أكثر حدّة، ما ينتج صيفاً أكثر حرارة وشتاءً أكثر برودة. هذا يزيد جفاف الأراضي وبالتالي سهولة اندلاع الحرائق في البلدان التي تتسم بمناخ جاف أو متوسّطيّ مثل البرتغال.
  • زيادة هطول الأمطار الغزيرة في فصل الشتاء، فالتغيّر المناخي يزيد تبخّر المياه ممّا يؤدي إلى تكوّن كميّات أكبر من السّحب، وبالتالي تزداد دورة المياه شدّة، وكذلك السّحب المحمّلة بالرّطوبة، فتهطل الأمطار غزيرة وتؤدي إلى فيضانات وسيول، وهذا ما يحدث في مناطق وسط أوروبا.
  • تغيّر أنماط الطّقس: كلّ منطقة لديها نظام جوّي محدّد أو مفهوم معتاد عليه، الأنظمة الجويّة أصبحت أقلّ استقراراً أو أكثر تقلّباً بسبب الإحتباس الحراريّ وتأثيره على هذه الأنظمة التي كانت مستقرّة سابقاً.
  • الجفاف والحرائق: المناطق التي تعاني من جفاف طويل، تصبح عرضة للحرائق، بسبب انخفاض الرطوبة في التربة وفي النباتات، هذه ما يتعرّض له معظم جنوب أوروبا، وهذا ما يحدث في الغابات عادة.

العوامل التي سرّعت "الانهيار"

وتحدّث العتيلي عن العوامل الرئيسيّة التي ساهمت في تسريع هذه الظّواهر وهي:

 زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة Greenhouse gases الناتجة عن الأنشطة البشرية التي تتضمّن بالدّرجة الأولى:

  • استخدام الوقود الأحفوريّ الذي يُعتبر الفحم أسوأه.
  • النفط بالدرجة الثانية.
  • الغاز الطبيعي بالدرجة الثالثة.

أمّا الأسباب الجانبيّة لهذه الإنبعاثات، وفق العتيلي، فهي:

  • إزالة الغابات أو حصاد الأخشاب وسوء الاهتمام بها، ما يؤدي إلى تقليل العوامل التي لديها القدرة على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون.
  • التوسّع العمراني الذي يؤدي إلى ضغط وزيادة الطلب على الموارد الطبيعية ويؤدّي إلى تقليل التنوّع البيئي ومهاجمة البيئة الطّبيعيّة.

واختصر العتيلي تأثير هذه التّغيّرات المناخيّة على الحياة اليوميّة بـ3 نقاط رئيسية هي:

  • كوارث بيئيّة: حرائق الغابات وفيضانات، سيول، جفاف وبالتالي إخلاء المناطق السكنيّة.
  • تهديدات إنسانيّة: خسائر في الأرواح والممتلكات، وتدمير المنازل والبنى التحتيّة.
  • تهديدات إقتصاديّة: الزّراعة والسّياحة وتهديدات إنسانيّة وتهجير قسريّ إلى مناطق أخرى وبالتالي اكتظاظ سكّاني في مناطق الاستقبال، ما يولّد ظهور أزمات إجتماعيّة وتفاقمها، نقص المياه والجفاف.

التغيّر المناخي واقع نعيشه وبات "قاعدة"

العتيلي اختصر المشهد الحالي قائلاً: "التغيّر المناخي هو واقع نعيشه، ومستقبل قريب وليس بعيداً ويفرض تحدّيات يوميّة نواجهها بكلّ الطرق المتاحة، وما تلك الكوارث التي نشهدها إلّا علامات على أن النظام المناخي العالميّ يمرّ بمرحلة انهيار ولذلك تمّ تحديد النقاط بشكل واضح، بهدف حثّ الحكومات على التّعجيل في تبنّي التغييرات وأحداثها من جهة، وعلى توعية المجتمعات من جهة أخرى للحدّ من التأثيرات الناتجة عنها وبالتالي خفض تسارع هذا التغيير".

وشدّد العتيلي على أن الخطر يكمن في أن "هذه الحرائق والفيضانات من المُتوقع أن تحصل مراراً وتكراراً وستزداد أكثر فأكثر وتصبح أكثر شيوعاً في المستقبل القريب، وفي حال عدم اتخاذ إجراءات جذرية وحاسمة للحدّ من التغيّر المناخي فهي ستصبح فعلا "القاعدة"، ولن تكون وضعاً استثنائيا".

إجراءات حتميّة للحدّ من الخطر

وتحدّث في هذا الإطار عن الإجراءات الحتميّة التي يجب اتّخاذها للحدّ من هذا الخطر المتزايد وعلى رأسها:

  • خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، Greenhouse gases.
  • وذلك عبر تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري واستبداله بالطاقة المتجددة مثل الطاقة الشّمسيّة، طاقة الرّياح، الطاقة الكهرمائيّة، وأي أنواع أخرى من الطّاقات الخضراء.
  • إعادة تشجير الغابات وحمايتها: تمتصّ ثاني أوكسيد الكربون، وتحوّله إلى أوكسيجين، وبالتالي نحافظ على رئة الكوكب، وتجدر الإشارة هنا إلى انه على الدّول اعتماد سياسات صارمة حيال المعتدين على الغابات والأشجار.
  • زيادة قدرتنا على معالجة هذه الظروف الصعبة وبالتالي إعداد بنى تحتيّة مُقاومة للكوارث، وتجهيز المدن، والمباني والبنى التّحتيّة وشبكات الصّرف الصحيّ، وتصميم مناطق عازلة حول الغابات لكي تكون قادرة على تحمّل الكوارث الطّبيعيّة مثل الفيضانات والحرائق.
  • التّعاون الدّولي لمكافحة تأثيرات التغيّر المناخي، ووضع سياسات مناخيّة شاملة وصارمة.
  • تعزيز الوعي المجتمعيّ: ثمة مجتمعات، إذا لم تكن على علم بدورها وبما يجب عليها فعله، فهي لن تكون قادرة على التعامل مع هذه الظاهرة. وبالتالي سيُحدث الوعي المجتمعيّ فرقاً كبيراً محليّاً وعالميّاً.

خطّة الاتحاد الأوروبي "الضخمة" وتحدّياتها

ورداً على سؤال عن تعرض الخطة الضخمة للاتحاد الأوروبي للحياد المناخي بحلول عام 2050 لضغوط متزايدة من المنتقدين الذين يصفونها بأنها غير واقعية ومكلفة للغاية، اعتبر العتيلي إنها خطّة طموحة جدّاً لكن هذا "الطّموح" ضروريّ، في سياق مكافحة التغير المناخي، لذلك لن أصنّفها بأنّها غير واقعيّة أو غير قابلة للتنفيذ، لأنّه يجب تبنّيها لنتمكّن من مكافحة هذا التغير المناخي.

أمّا التحدّيات الـ4 التي تضمّنتها تلك الخطّة التي تدفع إلى انتقادها وتصنيفها بأنها غير قابلة للتطّبيق فهي:

  • التكلفة الباهظة بالنسبة لبعض الدّول الأوروبيّة.
  • الواقعيّة الزّمنيّة لهذا التنفيذ بحلول العام 2050 وهو قريب جدّاً.
  • القدرة على الابتكار والتغيير بمرونة.
  • وضع الأنظمة والالتزام بها، ودعم سياسيّ من الحكومات.
  • في فرنسا: التغيّر المناخي أكبر من وسائل التصدّي له.

من جهة أخرى، تحدّثت "المشهد" مع المسؤول في إدارة الإطفاء في منطقة "إيل دو فرانس" شارل ريكار، الذي عبّر عن رأيه في ما يخصّ آثار التغيّر المناخي في فرنسا التي باتت على حدّ تعبيره "ملموسة خلال السنوات الأخيرة، حيث تحولت المدن الفرنسية إلى مدن شديدة الحرارة في الصيف، فيما تغمرها مياه الأمطار في الشتاء".

وأضاف ريكار أن "ارتفاع مستوى الاحترار يزيد حتماً خطر نشوب الحرائق، وهو ما يحصل سنوياً في فرنسا، خصوصاً في المناطق الجنوبية، منذ سنوات".

وأقرّ بأن "كل التدابير الاحترازية والوقائية التي تُتخذ بشكل دائم ويجري تعزيزها في فصل الصيف لا تكفي لمنع نشوب حرائق، لأن مشكلة التغير المناخي أكبر من الوسائل المتوافرة للتصدي لها".

ولفت إلى أن "السلطات والإدارات المعنية، ومنها إدارة الإطفاء، تعمل دائما على نشر الوعي تعزيزاً لسبل الوقاية من نشوب الحرائق، ومن ذلك إعلانات تلفزيونية بدأ عرضها أخيراً بشكل دوريّ ترشد إلى سبل التصرف لخفض نسبة الخطر عند وجود الأفراد في المناطق الحرجية والغابية وقيامهم بنشاطات قد تؤدي إلى اشتعال حرائق، بدءاً من إطفاء سيجارة وصولاً إلى إيقاد نار "باربكيو".

غير أن ريكار كرر أن "التغيّر المناخي أمر واقع وبالتالي سلّم بأن ازدياد عدد الحرائق وشدّتها أمر لا سبيل إلى وقفه حالياً". 

لعلّ المفارقة الكبرى في هذا العرض أن أوروبا تعاني تغيّراً مناخياً قاسياً في موازاة تغيّرات ديمغرافية جذرية ناجمة عن فيض من موجات الهجرة غير الشرعية التي تهدد المجتمعات من نواحٍ عدة، وإذا أضفنا إلى ذلك الحرب في أوكرانيا ونقاطاً أخرى مرشحة للانفجار، مثل كوسوفو وجنوب القوقاز، قد يكون مستقبل القارة العجوز لوحةً أقل ما يقال فيها إنها قاتمة.

(المشهد )

تعليقات
سجّل دخولك وشاركنا رأيك في الأخبار والمقالات عبر قسم التعليقات.