لم يعد الحديث عن تأثير التغيّرات المُناخية على حياة البشر على كوكب الأرض مُقتصرًا على الباحثين المتخصّصين ولكنه امتد خلال السنوات الماضية، ليشغل بال الرأي العامّ العالمي، خصوصًا بعد أن أصبحت تلك التأثيرات ملموسة ويعاني منها سكان الكوكب.ورغم أنّ الحديث عن مُستقبل كوكب الأرض خرج من دائرة المراكز البحثية إلى دوائر صنع القرار وحكومات الدول، إلا أنّ مُسبّبات تلك التغيّرات- المُتمثلة في الانبعاثات الحرارية الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري وإزالة الغابات- لم تتوقف بعد، بحسب خبراء.ووفقًا لخبراء، فإنّ مصر من الدول التي سوف تتعرض لتأثير كبير من جرّاء ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، وذلك من خلال ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط وهو ما قد يؤدي إلى غرق الدلتا المصرية وسواحل مدينة الإسكندرية.ويرى خبراء خلال حديثهم لمنصة "المشهد"، ضرورة الحديث عن تأثير التغيّرات المناخية على مناحي الحياة كافة، وليس فقط ارتفاع منسوب مياه البحار، لأنّ ذلك قد يؤدي إلى خلل كبير في المستقبل.التغيّرات المناخية أصبحت واقعًاوقال خبير التغيّرات المناخية المصري، الدكتور محمد عبد ربه، إنّ التغيّرات المناخية أصبحت واقعًا ملموسًا يعيشه العالم الآن، ولم تعد مُنحصرة على توقعات العلماء والمتخصصين فقط، ونشاهد كل فترة زيادة حدّة الظواهر الجوية.وأضاف في حديث لمنصة " المشهد"، أنّ تأثير التغيّرات المناخية على سواحل مدينة الإسكندرية، قد تكون في شرق المدينة، لأنّ منسوب اليابسة في المنطقة الغربية يصل ارتفاعه ثلاثة أمتار عن منسوب سطح البحر، وبالتالي تجري حاليًا مشروعات حماية بحرية في هذه المنطقة.الدلتا الأكثر تضررًاوأشار إلى أنّ المشكلة الأكبر ستكون في منطقة الدلتا المصرية وبالتحديد في سواحل محافظتَي دمياط وكفرالشيخ، لافتًا إلى أنّ تلك المناطق ستكون الأكثر عرضة لتداعيات التغيّرات المناخية من جوانب عدة منها:ارتفاع منسوب سطح البحر سيؤثر على المياه الجوفية سواء بزيادة نسبة الملوحة فيها أو ارتفاع منسوبها.زيادة حدّة الظواهر الجوية مثل العواصف والتي من المتوقع أن تتسبّب في مشاكل كبيرة.وتحدّث عبد ربه عن عدم وجود دراسات حديثة توضح هل هناك تأثير لتغيّر المناخ قد حدث بالفعل في جنوب حوض البحر المتوسط أم لا، مُشيرًا إلى وجود تطور على مستوى الدراسات الدولية، والتي تتحدث عن وجود تأثير الآن للتغيّرات المناخية من خلال الظواهر الجوية التي يتعرض لها الكوكب كل فترة.ارتفاع درجة حرارة الأرضوأشار خبير التغيّرات المناخية المصري، إلى أنّ الخبراء والمسؤولين كانوا يتحدثون خلال مؤتمر باريس للمناخ، عن زيادة درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول العام 2100، في حين تُشير الدراسات الحديثة إلى أننا وصلنا إلى 1.1 درجة مئوية الآن، وهو ما يعطينا مؤشرًا أنّ درجة حرارة الأرض ستتخطى هذه الأرقام بحلول عام 2100.وقال إنّ مُسبّبات التغيّر المناخي لم يتمّ التعامل معها حتى الآن، ولا زال العالم يتسبب في الانبعاثات الحرارية، وبالتالي ستزيد احتمالية حدوث تغيّر مناخيّ كبير.وأوضح عبد ربه أنّ أحد مشاكل الحديث عن التغيرات المناخية تتمثل في:إنّ العلماء عندما تحدثوا عن التغيّرات المناخية توقعوا أن تكون تأثيراتها بحلول العام 2100.يتحدث العلماء بعدم يقين عن تلك التوقعات وهو ما يُحيّر متّخذ القرار.الحديث عن إجراءات حمائية للشواطئ تكلف الدول مليارات الدولارات.انعكاسات سلبية على كل مناحي الحياةوتابع خبير التغيرات المناخية المصري: "من الممكن أن تضع الدول حلولًا تنموية تكون مفيدة على المدى البعيد، حتى وإن لم يحدث تغيّر مناخي، منها عدم إقامة مشروعات تنموية في المناطق المنخفضة والتي قد تتعرّض للغرق".وأكد عبد ربه ضرورة الاهتمام بالتوعية الخاصة بمخاطر التغيرات المناخية ورفع مستوى التعليم والمستوى الاقتصاديّ للأشخاص العاديّين، وبالتالي في حالة حدوث تغيرات مناخية سيكون هؤلاء الأشخاص أكثر قدرة على الصمود أمام تلك التغيرات.واختتم خبير المناخ المصري بقوله: "منذ 30 عامًا نتحدث عن تأثير التغيّرات المناخية على منسوب سطح البحر، وتم التغافل عن تأثير تلك التغيرات على باقي مناحي الحياة"، لافتًا إلى أنّ تغيّر درجة حرارة كوكب الأرض سيكون له انعكاسات سلبية على مناحي الحياة كافة، وليست ارتفاع منسوب سطح البحر.3 تحدّيات للتغيّرات المناخية في مصربدوره، قال وزير الرّي المصري الأسبق، الدكتور حسام مغازي، في حديث لـ"المشهد" إنّ تأثير التغيّرات المناخية على مصر يتمثل في ثلاثة تحدّيات وهم:مصر لديها سواحل بطول 3500 كيلو متر سواء على البحر المتوسط أو البحر الأحمر، وبالتالي تُشكل التغيرات المناخية أزمة لهذه السواحل خاصة للاستثمارات السياحية.زيادة الطلب على المياه سواء الخاصة بالشرب أو ريّ المحاصيل الزراعية.مصر تعتمد على مياه النيل بنسبة 95% من احتياجاتها، وبالتالي أيّ تداعيات لتغيرات المناخ على دول المنبع ستؤثر بشكل مباشر على مصر.إجراءات حمائيّةوأوضح وزير الرّي المصري السابق، أنّ الدولة المصرية منذ أعوام انتبهت إلى هذه التحديات، وبالتالي قامت بمشروعات عدة للتأقلم مع هذه التغيرات، وتمثلت هذه الإجراءات في ما يلي:في ما يخصّ الشواطئ، قامت الحكومة المصرية من خلال وزارة الري، في بداية عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعمل مشروعات حماية للشواطئ سواء في منطقة الدلتا من خلال حواجز طبيعية من البوص والرمال لمنع وصول مياه البحر إلى اليابسة، وكذلك تنفيذ مشروعات حماية بحرية في 6 مناطق بالإسكندرية بتكلفة مليار جنيه بداية من أبو قير شرقًا وحتى قلعة قايتباي، غربًا.في ما يتعلق بزيادة الطلب على المياه، قامت الدولة المصرية بعمل أكثر من مشروع لتوفير المياه الخاصة بالزراعة، من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعيّ بالدلتا الجديدة، ومحطة تنقية بحر البقر، ومحطة المحسمة في مدينة الإسماعيلية.أما في ما يخصّ مياه النيل، فتقوم مصر من خلال بعثاتها في دول المنبع خصوصًا في كينيا وتنزانيا، بدراسة سلوك عملة سقوط الأمطار في هذه الدول، وتقوم وزارة الرّي بإعداد دراسات عنها لاتخاذ ما يلزم.وأشار مغازي إلى أنّ التغيّرات المناخية أصبحت حقيقة ملموسة يشعر بها كل العالم الآن، فخلال العام الماضي تعرضت دول أوروبا لدرجات حرارة غير مسبوقة وجفاف لأنهار، في حين عانت الولايات المتحدة وبعض دول شرق آسيا فيضانات كبيرة.(مصر - المشهد)