توصلت صحيفة "فايننشال تايمز" إلى استنتاجات بشأن الأسباب وراء وقوع كارثة الفيضانات في ليبيا التي أدت حتى الآن إلى وفاة أكثر من 11 ألف ضحية، والتي تزامنت مع هبوب العاصفة دانيال بقوة كبيرة، مشيرة إلى أن "التغيرات المناخية وارتفاع حرارة المحيطات يعدان السبب الرئيسي وراء هذه الكارثة".ونقل التقرير الذي أعده مجموعة من الباحثين في المناخ، ويتكون من مارثا موير وستيفن برنارد وكريس كامبل، عن علماء المناخ الذين أكدوا أن الفيضانات الكارثية في ليبيا التي نجمت عن العاصفة دانيال كانت نتيجة لإعصار "ميديكان"، وهو نوع من الأعاصير المتوسطية التي تتشكل فوق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأيوني وسواحل شمال إفريقيا.أسفرت العاصفة دانيال عن وفاة الآلاف من الأشخاص خلال هذا الأسبوع عندما ضربت ليبيا وأجزاء من اليونان وبلغاريا وتركيا، وتسببت في انهيار السدود في مدينة درنة الساحلية.إعصار ميديكان في ليبياوأكد الخبراء أن ظاهرة إعصار "ميديكان" نادرة نسبيًا، حيث تحدث مرة إلى 3 مرات في السنة، ولكنها يمكن أن تتسبب في فيضانات مدمرة وعواصف قوية. ويحدث هذا بسبب ارتفاع درجات الحرارة في شرق المحيط الأطلسي وشرق البحر المتوسط بمقدار 2-3 درجات مئوية عن المعدل الطبيعي، مما يؤدي إلى حدوث عواصف مصحوبة بأمطار غزيرة.وهذا ما أكده خبير الجيولوجيا والبيئة والتغير المناخي الدكتور أحمد الملاعبة في حديث لمنصة "المشهد"، مشيرا إلى أن المتسبب الحقيقي بفيضان ليبيا هو بالفعل ارتفاح حرارة المحيطات والبحار المتصلة بها مثل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.ولتوضيح الفكرة أكثر، يقول الملاعبة إن "هناك ارتفاعا بمعدل من درجتين إلى 6 درجات والخوف أن يرتفع إلى أكثر من ذلك، والأعاصير هي عبارة عن علاقة بين الرياح والحرارة والمياه، فعندما تبدأ حرارة المحيطات بالارتفاع تؤدي حركة الرياح إلى تشكيل بؤرة تسمى عين الإعصار وهذه العين تكبر إلى قطر أكثر من 500 متر في المعدل وأحيانا قد تتجاوز الكيلومترات".وتابع "تبدأ الرياح بحركة هذه الأعاصير حسب اتجاهها وحركاتها وفي هذه الفصول تحديدا وبسبب ارتفاع درجة حرارة الهواء في الحيطات والبحر المتوسط تتجه الرياح شمالا إلى القطب، ويقابلها القطب بإرسال الرياح الباردة التي تحل محل الرياح الساخنة وهو قانون من قوانين الطبيعة، فيؤدي ذلك إلى سرعة حركة الإعصار".وأكد الملاعبة أن "ارتفاع درجة حرارة المحيطات وأيضا وجود موجات الاحترار تؤدي إلى وجود بخار ماء أكثر في الغلاف الجوي والرذاذ المائي، لذا فعندما يصطدم الإعصار في المناطق اليابسة تتكاثف هذه الغيوم وتحدث هذه الكوارث".ثورة في الأعاصيروحذر الخبير الجيولوجي من أن "هناك ثورة في الأعاصير في البحر المتوسط والسبب في ذلك موجات الحر وأنها واقعة في منطقة مهمة جدا منها خط الاستواء والاحترار القادم من أوروبا نتيجة الصناعة والتي تشكل من 20% إلى 30% من الغازات الدفيئة وكذلك الاحترار العالمي بشكل عام".كما أوضح أنه كان من الممكن تجنب كارثة فيضان ليبيا، لأنه يمكن التنبؤ بالأعاصير، "يمكن متابعة الأعاصير وتجنب آثارها المدمرة عبر إخلاء المدن الواقعة على أطراف الأودية القريبة إلى السدود لذلك كان لا بد من إخلاء درنة قبل وصول إعصار دانيال". ويضيف تقرير "فاينشال تايمز" أن المنطقة أيضًا تتميز بظاهرة حجب الضغط الجوي، مما أدى إلى تعليق العاصفة فوق اليونان. وعندما انتقلت أخيرًا، تطورت إلى إعصار "ميديكان"، وتسببت في هطول كميات هائلة من الأمطار على ليبيا.تسببت الأمطار الغزيرة التي تراوحت بين 150 ملم و 240 ملم في حدوث فيضانات في العديد من المدن، بما في ذلك البيضاء، حيث سجلت كمية قياسية بلغت 414.1 ملم خلال 24 ساعة.وأفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بأن درجات حرارة سطح البحر قبالة سواحل ليبيا ارتفعت بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة، وهذا يعزز تكون العواصف الاستوائية القوية.احترار المحيطات وزيادة الكوارث وويتفق الملاعبة مع تقرير الصحيفة بأن هذا الارتفاع في درجات حرارة سطح البحر يعزى إلى التغيرات المناخية العالمية والاحترار العام للمحيطات، إذ تتسبب درجات حرارة سطح البحر الأعلى في زيادة تبخر المياه وزيادة كميات الرطوبة في الجو، مما يؤدي إلى تكون العواصف الاستوائية الأقوى وهطول أمطار غزيرة.وتؤكد الدراسات العلمية أن هناك ارتباطًا قويًا بين التغيرات المناخية وتزايد تكرار وشدة الأحداث الجوية القوية مثل الفيضانات. ومع استمرار احترار المحيطات وتغير المناخ، من المرجح أن نشهد زيادة في تكرار وشدة الفيضانات في المناطق الساحلية والتي تعتمد بشكل كبير على الحرارة والرطوبة المحيطية.وللتصدي لهذه التحديات، يجب اتخاذ إجراءات للتكيف مع التغيرات المناخية وتقليل الانبعاثات الضارة. ويتطلب ذلك تعاوناً دولياً لتنفيذ اتفاقيات المناخ وتعزيز الجهود للتحول إلى مصادر طاقة نظيفة والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.علاوة على ذلك، ينبغي أن تتم تعزيز الإجراءات المحلية لإدارة المخاطر وتعزيز البنية التحتية للتصدي للفيضانات وحماية المجتمعات الساحلية. يشمل ذلك إنشاء سدود وأنظمة لتصريف المياه وتطوير استراتيجيات للتعامل مع الفيضانات المستقبلية.في النهاية، فإن مكافحة التغير المناخي وتأثيراته السلبية على الطقس والمحيطات يتطلب تعاونًا عالميًا قويًا وتحركًا سريعًا للتخفيف من الانبعاثات وحماية البيئة العالمية.(ترجمات - المشهد)