أثارت تصريحات الحكومة الإسرائيلية تجاه منع انهيار السلطة الفلسطينية، ردود أفعال متباينة داخل المجتمع السياسي الفلسطيني وكذلك الإسرائيلي، من استغراب هذا التوقيت بعد الفشل العسكري الإسرائيلي في جنين ومخيمها، إلى اعتبارها نوعا من الفتنة كون ذلك يثير استياء الفلسطينيين.وعند التأمل بمخرجات الحكومة الإسرائيلية التي ما زالت تحتفظ بالأموال الفلسطينية، فإنّ ما تعلن عنه إسرائيل لا يعني سوى ذرّ للرماد في العيون.مقترح الحكومة الإسرائيلية لمنع انهيار السلطة الفلسطينية، يشترط عليها أن تلتزم حراكها ضدّ إسرائيل في المحافل الدولية، ووقف التحريض في وسائل الإعلام ومنظومة التعليم، ووقف رواتب الأسرى والبناء في المناطق "ج" في الضفة الغربية.وفي الآونة الأخيرة، كثّفت إسرائيل من عملياتها العسكرية في الضفة الغربية، حيث تتمتع السلطة الفلسطينية بحكم ذاتي محدود. تنصّل من الاتفاقياتويعلّق المحاضر بالجامعة العبرية في معهد ترومان للسلام الدكتور روني شكيد لمنصة "المشهد" حول الخطة التي طرحتها إسرائيل لمنع السلطة الفلسطينية من الانهيار، من جرّاء الأحداث الميدانية المتصاعدة.وقال "هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تنصّلت من كافة الاتفاقيات المبرمة مع السلطة الفلسطينية، وقامت بقرصنة أموال الضرائب التي تجبيها بالنيابة عن السلطة الفلسطينية (المقاصّة)، مثل أموال الضريبة التي يدفعها الفلسطينيون أثناء سفرهم وعبورهم جسر الكرامة نحو الأردن، والتي تقدّر بالملايين سنويا".وأشار شكيد إلى أنّ إسرائيل يتوجب عليها وفقا للقانون الدولي أن "تتكفّل بالصحة والتعليم للفلسطينيين الذين تقوم باحتلالهم". ويؤكد أنّ العوامل التي أدت إلى انغلاق الأفق السياسي هي بفعل "الاقتحامات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي يوميا في المناطق الفلسطينية،والبناء الاستيطاني وكذلك الخصم شهريا من أموال المقاصّة الفلسطينية على غير وجه حق".وأضاف شكيد أنّ حكومة اليمين "لا تريد أيّ مستقبل للفلسطينيين، سوى البناء الاستيطاني والتغلغل أكثر، وسلب حقوق الفلسطينيين، وما يهمّها فقط هو أمن وحماية المستوطنين في الضفة الغربية، وإغراقها بالاستيطان". ويرى المحاضر أنّ "خطة الحكومة التي طرحتها وأثارت جدلا بين أوساط الساسة الإسرائيليين، جاءت في وقت متأخر، بعد كل الأحداث الميدانية، خصوصا أنّ الشارع الفلسطيني غير راضٍ عن أداء السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن". وأشار إلى أنّ حكومة نتانياهو ستقدّم أموالا للسلطة الفلسطينية، والتي هي في الأساس تحجز عليها منذ فترة طويلة، من أجل إرضاء الولايات المتحدة والرأي العام الدولي.وحتى لو حوّلت إسرائيل أموالا للسلطة الفلسطينية، أكد شكيد أنه لن يحدث أيّ تغيير يُذكر مضيفا: "سوف يكون هناك هدوء لمدة شهر أو شهرين، وبعدها ستعود الأمور كما كانت، وذلك بفعل انغلاق الأفق السياسي والممارسات الإسرائيلية".خطوة مهمةيصف الكاتب والمحلل السياسي مائير كوهين الخطوة الإسرائيلية بالمهمة والبناءة، وتحظى بدعم قوي من قبل الولايات المتحدة،ويقول مائير لمنصة "المشهد" إن السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي للفلسطينيين بعد اتفاقية أوسلو وبالتالي "كانت هناك سياسة خاطئة من قبل نتانياهو، تمثلت في دعم حركة حماس على حساب السلطة الفلسطينية، بهدف منع إقامة دولة فلسطينية".وأكد: "هذا الدعم تمثل في إعادة إعمار قطاع غزة والسماح للأموال الخارجية بالدخول لقطاع غزة كذلك إعطاء 17 ألف فرصة عمل لأهالي قطاع غزة للعمل داخل إسرائيل".ويضيف: "لكن المتغيرات التي حدثت على الأرض بما يتعلق بالأحداث الاخيرة خاصة جنين وتصاعد أعمال العنف في الضفة الغربية وعدم سيطرة السلطة الفلسطينية عليه أكدت أن الدعم ينبغي أن يتم توجيهه لتطوير وتحسين الأداء للقوات الفلسطينية للقيام بمهامها للحفاظ على الأمن ومنع اندلاع أوضاع ميدانية جديدة تحت سيطرة حماس".أموال فلسطينية بالأساسمن جانبه، قال الناطق باسم حركة فتح في رام الله عبدالفتاح دولة لمنصة "المشهد" إن "السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، بحاجة للتخلص من الاحتلال، وليس لدعم مادي بالأساس هو ملكنا".وأضاف أن "الانهيار والدمار الحاصل في فلسطين هو بفعل الدمار والمجازر المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وآخرها في جنين ومخيمها، ونحن نرى بأنّ إنقاذ الفلسطينيين من كل هذا، هو خلاصنا من الاحتلال والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني كاملة". ويؤكد دولة بأنّ أموال الخطة التي طرحتها الحكومة الإسرائيلية، "هي أموال خاصة وخالصة لفلسطين، ليست مِنّة منهم، والإفراج عن هذه الأموال حق طبيعي لفلسطين، وغير خاضع للمساومة، وإخضاع هذا المال للمساومة لا نقبل به فلسطينيا، ولا تقبل به السلطة الفلسطينية". وحول التصريحات الإسرائيلية الهادفة للعمل على منع انهيار السلطة الفلسطينية، ضمن شروط خاصة، يقول دولة "يريدون الإفراج عن أموالنا بشروط، لا يمكن للموقف الفلسطيني أن يتغيّر في ملاحقة وفضح جرائم الاحتلال، والمطالبة بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في المحاكم الدولية، وتدويل هذه القضية، وهذا موقف فلسطيني مستمر". وأردف قائلًا: "يريدون المساومة على هذا الحق الفلسطيني، على ما يتمّ دفعه من مستحقات واستحقاقات، نحن تحمّلنا حصارا وضغطا كبيرين، وموقفنا الرسمي والشعبي ظلّ ثابتا، هم يتهمون السلطة الفلسطينية بدعم ما يسمّونه العنف، وهو ما نعتبره نضالا وصمودا ومقاومة، هم يحرّضون على السلطة ويحاولون تشويه صورتها أمام شعبها لتعميق الانقسام، مضيفا أنّ "السلطة الفلسطينية بحاجة لهذه الأموال المسروقة التي قرصنتها الحكومة الإسرائيلية، وهذا الاحتجاز لن يبتزّ السلطة الفلسطينية ،ويُخضع الموقف الفلسطيني مقابل التنازل عن قضايا أخرى". كما ويقول دولة، إنّ هناك نوايا إسرائيلية تقف خلف هذه الخطة، "الهدف من ذلك، ليس أكثر من تجميل وجهها القبيح أمام العالم، بعد العدوان على جنين ومخيمها، ومحاولة التشويه والتشكيك وعدم الإفساح لأيّ فرصة ومجال، لتحقيق حالة من الترابط والوحدة بين الفلسطينيين". وهكذا فقد اتفقت ردود أفعال الطيف السياسي الفلسطيني، على اعتبار هذا الدعم مجرّد إلهاء الشعب الفلسطيني في جدل لا جدوى منه، حيث لم تُفضِ نتائج التسهيلات إلا إلى أمور شكلية لم تغيّر في مضمون السياسة الإسرائيلية لجهة حسن نواياها تجاه الحلول السياسية، وأما إسرائيليا رغم معارضة أقصى اليمين لخطة نتانياهو تجاه السلطة الفلسطينية، فإنّ تلك المعارضة تعدّ صوَريّة لإرضاء غرور المتطرفين من اليمين، حيث إنّ هناك إجماعا إسرائيليا على تحديد دور السلطة الفلسطينية.(المشهد)