دخلت الحرب بين إسرائيل و"حماس" يومها الـ60، بسقوط عشرات آلاف القتلى في قطاع غزة وتكثيف القصف الجوي والمدفعي، إلّا أنّ المعضلة الرئيسية للجيش الإسرائيلي، تبقى "أنفاق غزة" التي لم تجد لغاية الآن سبيلا للقضاء عليها.وكانت إسرائيل وفق ما أكده الصحفيّ الأميركي سيمور هيرش، أكتوبر الماضي، تدرس غمر أنفاق "حماس" تحت الأرض قبل شنّ العملية البرية، وهذا يعني أنّ تل أبيب كانت مستعدة لـ"شطب الأسرى" في غزة. وأكد هيرش أنّ "إسرائيل تعمل حاليا على تحويل مدينة غزة إلى أنقاض من خلال القصف المستمر". كما تحدّث ضابط إسرائيليّ لمجلة "نيوزويك" الأميركية، أنه مندهش من "أنفاق غزة"، معتبرًا أنها تتميّز بالمتانة، خصوصًا في ظلّ القصف المدمّر الذي انتهجته إسرائيل في القطاع، وكمية القنابل التي ألقتها عليه. وتحدّثت المجلة عن أنّ الأنفاق في غزة تُعتبر عنصرًا أساسيًا في استراتيجية "حماس"، كما أنها هدف رئيسيّ للجيش الإسرائيليّ في الصراع. وحدّد الجيش الإسرائيليّ جملة من أهداف حربه على غزة، وهي القضاء على قدرات "حماس" العسكرية، وتحرير الأسرى الإسرائيليّين من الأنفاق، والقضاء على قادة الحركة العسكريّين وعلى رأسهم يحيى السنوار. خيارات إسرائيل قال المحلل العسكريّ والاستراتيجيّ هشام خريسات، في حديثه لمنصة "المشهد"، إنّ إسرائيل وضعت خيارات واحتمالات عدة قد تستخدم بعضها إذا وجدت أنّ الأنفاق موجودة تحت خان يونس. وأكد أنّ الخبراء الإسرائيليّين يتحدّثون عن أنّ هنالك أنفاقًا تحت الأرض بعمق يصل إلى 80 مترًا، وهذا العمق لا تستطيع القذائف ولا الصواريخ الموجّهة الوصول إليه، إلّا أنّ ذلك ممكن بالقنابل التي تزن نحو 12 طنّا. ولفت خريسات إلى أنّ من الاستحالة لإسرائيل استخدام هذا النوع من القنابل، خصوصًا أنّ الولايات المتحدة هي المسؤولة عنها وهي التي تشغّل القنبلة الذرية. وأضاف: "لذلك وضعت إسرائيل احتمالات أخرى مثل استخدام غاز الأعصاب وحقن الأنفاق لمدة تصل إلى 12 ساعة من دون توقّف، وهذا ما يمكن أن تقوم به قوات دلتا 14 الأميركية، لأنّ لديها علماء متخصّصين في هذا المجال". وتابع قائلًا: "هؤلاء عملاء عسكريون يعملون مع هذه القوات، ولكنهم لن يقتلوا الأسرى ولن يقتلوا مسلحي "حماس"، بل سيتمّ تخديرهم بعد مدة الحقن الكامل، ومن ثم تدخل وحدات خاصة وتقوم بإنقاذ الإسرائيليّين".الاستعانة بماء البحرولفت خريسات إلى أنّ الخيار الآخر الذي تفكّر به القيادة العسكرية الإسرائيلية، هو إغراق أنفاق غزة بمياه البحر الأبيض المتوسط. وأضاف: "جلبت إسرائيل 100 مضخة لمياه البحر من ألمانيا، و100 أخرى من الولايات المتحدة. قامت باختبارها واكتشفت بأنها فاعلة ويمكن أن تُغرق غزة بمياه البحر". وأشار إلى أنها مضخّات أكبر بعشرات المرات من المضخات العادية، وبالتالي تعمل على إغراق الأنفاق بسرعة وتُجبر من بداخلها على الخروج من تحت الأرض، مؤكدًا أنّ "هذه المضخات ليست سرًا وإنما هي خيار مطروح". وأكد خريسات أنّ هذه الفكرة طُرحت على إسرائيل، خصوصًا في ظلّ امتلاكها عددًا هائلًا من العلماء، كما أنّ لديها جيشًا علميًا متقدمًا وهو مصنّف ضمن أقوى جيوس العالم. وأوضح أنّ لدى إسرائيل علماء كثُرًا وخبراء أكدوا أنّ إغراق الأنفاق أمر وارد، في حين أنّ قوانين الطبيعة هي من ستتكفّل بالموضوع بعد ذلك. وأوضح خريسات أنّ لدى إسرائيل القدرة والإمكانية والصبر لإغراق الأنفاق خلال شهر واحد، حيث يمكن أن تبتدع درسًا جديدًا في إدارة الحروب، إلا أنّ ثمن إغراقها سيكون باهظًا، خصوصًا أنّ الأسرى الإسرائليّين داخلها.وفي الوقت الذي تحدّثت فيه "حماس" مؤخرا أنها أعدّت لإسرائيل مفاجآت في الحرب، أكد خريسات أنّ "وزير الدفاع الإسرائيليّ ردّ بأنّ إسرائيل أعدّت أيضًا مفاجآت"، وهو ما يمكن أن يشير إلى "إمكانية إغراق الأنفاق". وتحدّث المحلل العسكريّ عن أنّ لدى إسرائيل أفكار أخرى، منها أنها قد تلجأ إلى السماح للفلسطينيّين بالخروج من معبر كرم أبو سالم وصولًا إلى سيناء، أو أن تقوم بتفجير السياج والسماح لهم بالدخول إلى الأراضي المصرية، إلا أنّ "ذلك سيعرّضها لحرب إقليمية خصوصًا بعد رفض مصر لهذا الخيار". وشدد خريسات على أنّ هناك خيارات لدى تل أبيب "لا يجوز إهمالها". شبكة عنكبوتية تحت الأرض الإعلام الغربيّ يفضّل تسمية أنفاق غزة بـ"مترو غزة"، وهي أنفاق حفرها الفلسطينيون من سكان القطاع بشكل سرّي تحت الأرض، تحت محور صلاح الدين على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة. وجرى حفرها بهدف كسر الحصار المفروض على غزة، وتهريب الوقود والغذاء والأسلحة والسلع الأخرى إلى داخل القطاع. بعد انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، وُضِع محور صلاح الدين تحت سيطرة السلطة الفلسطينية حتى عام 2007، عندما سيطرت "حماس" على السلطة، فيما أغلقت مصر وإسرائيل الحدود مع القطاع. وفي عام 2009، بدأت مصر في بناء حاجز تحت الأرض لسدّ الأنفاق القائمة وجعل حفر الأنفاق الجديدة أكثر صعوبة، كما خفّفت القاهرة عام 2011، القيود على حدودها مع قطاع غزة، ما سمح للفلسطينيّين بالعبور بحُرّية¹.تمثّل شبكة الأنفاق التي بنتها "حماس" في قطاع غزة، تحدّيًا كبيرًا أمام أيّ توغل عسكريّ إسرائيليّ في القطاع، حيث إنه ووفقًا للخبراء، يُعتقد أنّ "حماس" تدير أكبر شبكة أنفاق في العالم. ويقول الخبراء إنّ هذه الأنفاق زادت من تعقيد سيناريو القتال لدى قيام إسرائيل بشنّ توغلها البرّي في غزة.(المشهد)