في تحول واضح عن موقف سابق بضرورة إجراء الانتخابات أولا، طالب المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي أمس الثلاثاء، بتشكيل "حكومة موحدة متفق عليها في ليبيا".ولا يعترف مجلس النواب الليبي الذي يتخذ من شرق ليبيا مقرا له، بحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس منذ عام 2021، بعد محاولة باءت بالفشل لإجراء انتخابات عامة.وكان باتيلي قد أكد مؤخرا أنّ الأحداث المأسوية التي شهدتها العاصمة طرابلس في وقت سابق من الأسبوع، والتي أودت بحياة عدد من المواطنين الليبيين الأبرياء، تُظهر مرة أخرى حاجة ليبيا الماسة إلى إقامة مؤسسات سياسية وأمنية شرعية وموحدة، وخاضعة للمساءلة. وتحدّث عن التزامه بدعم الليبيين في مساعيهم للتوصل إلى اتفاق يمهد الطريق لإجراء انتخابات شاملة وسلمية.وكانت أبرز القضايا اللافتة في إحاطة باتيلي إقراره بأهمية تشكيل حكومة موحدة، وأنها "ضرورة لقيادة البلاد إلى الانتخابات".واعتبر مراقبون أنّ تصريحات باتيلي تمثل تراجعا عن مواقفه السابقة الرافضة لسعي مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة جديدة، قبل تعديل القوانين الانتخابية.تناقض في المواقفوقال المتحدث السابق باسم المجلس الرئاسي الليبي محمد السلاك، إنّ تناقضا وراء الآخر يقع فيه المبعوث الأممي إلى ليبيا في الآونة الأخيرة. وأضاف في تصريحات لمنصة المشهد: "بعد أن خرج بخطاب متشنّج يوليو الماضي يتهم فيه كل من يسعى لتشكيل حكومة جديدة، بالرغبة في اقتسام الكعكة، ها هو يقرّ بحاجة البلاد إلى حكومة موحّدة تقود ليبيا إلى الانتخابات". وأكد السلاك أنّ باتيلي "يعيش حالة من التناقضات كما أظهرت مواقفه التي تتبدل فجأة من اليمين إلى اليسار". وشدد على أنه "يبدو هذا التحول متصلا بمواقف القوى الكبرى". إلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي محمد الأسمر في تصريح لمنصة "المشهد"، إنّ الموقف الذي عبّر عنه باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن، لا يعدّ تحوّلا بقدر ما هو سياق جديد في توجه البعثة. وأكد أنّ المبعوث الأممي أعلن عن ذلك في يوليو الماضي عقب جلسة مجلس النواب ما قبل الماضية، وتحدث المجلس فيها عن تشكيل حكومة جديدة.وأضاف الأسمر: "نعلم أنّ مخرجات 6+6 أوجبت تشكيل هذه الحكومة للإشراف على الانتخابات". وأوضح أنّ اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح برئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري في 21 و22 أكتوبر الماضي في المغرب، انتهى باتخاذ قرار بتشكيل حكومة جديدة. ولفت إلى أنّ اعتراض باتيلي في يوليو الماضي، لم يكن على تشكيل حكومة جديدة، وإنما على "أنه من المبكّر الحديث عن فتح باب الترشح لتشكيل ورئاسة حكومة جديدة، قبل أن يتم إنتاج القوانين الانتخابية". وأكد الأسمر، أنّ باتيلي منذ ذلك الحين، هو موافق على تشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات، مع اشتراط أن يكون مجلس النواب ومجلس الدولة قد توافقا حول القاعدة الدستورية. وأضاف "كان الشرط أن يصدر مجلس النواب ومجلس الدولة القوانين الناظمة للانتخابات المقبلة، ثم إحاله هذه القوانين للمفوضية العامة للانتخابات لإصدار لائحة تنفيذية". بعد ذلك يتم الذهاب لتشكيل حكومة ليبية جديدة، وفق الأسمر الذي اعتبر أنّ باتيلي يريد ضمان أن تبدأ الحكومة بالعمل فورا في مهمتها الأساسية بالإشراف على الانتخابات. وأشار إلى أنّ هذا الاعتراض لقي قبولا من مجلس النواب وتوافقا بعد لقاء عقيلة صالح وباتيلي، مبيّنا أنّ "الاستحقاق أصبح مشروطا بإنجاز هذه القوانين". انعكاس على المشهد وقال السلاك إنّ هذا التخبط في أداء البعثة الأممية، يأتي على وقع الانقسامات الجارية وعدم وجود أساس للتفاهم بشأن الاستحقاقات المنظمة للانتخابات والترتيبات المؤدية لها. وأوضح أنّ كل ذلك قد يقود إلى مزيد من التأزيم والتعثر فى التوصل إلى تفاهمات مشتركة بشأن القوانين الانتخابية والأطر الدستورية، لإجراء الانتخابات بشقّيها الرئاسية والبرلمانية. وأضاف: "نحن منفتحون على سيناريوهات عدة أبرزها بقاء الوضع كما هو عليه، واستمرار السجالات والمناكفات بين الأطراف المختلفة، في ظل عجز البعثة الأممية عن قيادة العملية السياسية، وبالتالي إرجاء الانتخابات إلى أجل غير مسمى". فيما اعتبر الأسمر أنّ "التحول في رأي باتيلي، لن يكون انعكاسا كبيرا له أبعاد عملية على وجه تغيير المؤسسات القائمة". وقال: "نعلم جيدا أنّ وجه الخلاف الأول هو عدم تمسك حكومة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، بالإجراءات التي كان يجب أن تكون نافذة من مجلس النواب. وأضاف الأسمر: "تم منحه الثقة من مجلس النواب الذي قام بعدئذ بسحبها في 21 سبتمبر 2021". و"في 22 يونيو 2022، أبى الدبيبة تسليم الحكومة إلا إلى سلطة منتخبة"، بحسب المحلل السياسي، الذي أكد أنّ الديبية لن يسلم الحكومة على الرغم من الوعود الدولية الحالية. وقال: "نعلم جيدا أنه منذ 26 ديسمبر الماضي، صرّح الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، أنه لا حاجة الآن إلى تشكيل حكومة جديدة". وأكد الأسمر أنّ المسؤول الأميركي قال نصّا: "لسنا بحاجة إلى وزراء انتقاليين جدد، ولا إلى حكومة جديدة حتى تعديل الحكومة القائمة". وأوضح أنه بات واضحا أنه إلى حدّ الآن لا وجود لتوافق على القوانين بشكلها النهائي، خصوصا وأنّ "6+6 ما زالت تعمل وكلما أنتجت قانونا توافقيا كلما نجد اعتراضات من قبل باتيلي وعقيلة صالح والمشري".(المشهد)