نأى زعماء دول أوروبية عدة بأنفسهم عن تلويح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإرسال قوات إلى أوكرانيا، في مؤشر جديد على تباين مواقف حلفاء كييف مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث.وللمفارقة، تجلّى أحدث فصول المواقف المتضاربة وعدم الوحدة بين الحلفاء فيما تمخض عنه مؤتمر استضافته باريس الاثنين وكان يفترض أن يخرج برسالة لتأكيد الدعم والمساندة لكييف.فتلويح ماكرون بإرسال قوات إلى أوكرانيا خيم على مؤتمر باريس الذي ضم نحو 20 من الزعماء الأوروبيين وكشف عن موقف فردي سرعان ما توالت ردود الفعل الأوروبية والأميركية غير المتوافقة معه.ويبدو أن حديث الرئيس الفرنسي عن ضرورة عدم السماح لروسيا بالانتصار في الحرب، لم يُثر حماسة زعماء أوروبيين عدة ممن حضروا قمة باريس وغيرهم، بالدرجة التي تجعلهم يؤيّدون موقفه. فرنسا تدفع نحو إرسال قوات لكييفوجاء الرفض البات من قبل دول أوروبية عدة ذات الثّقل في التكتّل، بينما أشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إلى تقارير عن أن بعض الدول الغربية ربما تفكر في الدفع بقوات إلى ساحة المعركة.وتجنّب ماكرون تسمية أي دولة تؤيد رؤيته، قائلا إنه يريد الحفاظ على "الغموض الاستراتيجي".وقالت الصحيفة إن "حلف شمال الأطلسي (ناتو) يسعى إلى تجنب الانجرار إلى حرب أوسع مع روسيا المسلحة نوويا.ولا شيء يمنع أعضاء الناتو من الانضمام إلى مثل هذا المشروع بشكل فردي أو في مجموعات، لكن المنظمة نفسها لن تشارك إلا إذا وافق جميع الأعضاء الـ 31".وأشارت الصحيفة إلى أن الناتو كحلف، لا يمد أوكرانيا سوى بالمساعدات والدعم غير الفتاك مثل الإمدادات الطبية والمعدات، "لكن بعض الأعضاء يرسلون الأسلحة والذخيرة من تلقاء أنفسهم، بشكل ثنائي أو في مجموعات".وأضافت أن اتخاذ قرار بإرسال قوات وإبقائها منتشرة على المدى الطويل "سيتطلب نوعا من قدرات النقل والخدمات اللوجستية التي لا يُمكن أن تحشدها إلا دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وربما إيطاليا وبولندا وإسبانيا".وأشارت الصحيفة إلى أن مؤتمر باريس عُقد بعدما وقعت فرنسا وألمانيا وبريطانيا اتفاقيات أمنية ثنائية مدتها 10 سنوات، في ظل سعي حكومة كييف للحصول على المزيد من الإمدادات العسكرية والذخائر.ويخشى الأوروبيون من خفض الولايات المتحدة دعمها في ظل حزمة المساعدات المعلقة في الكونغرس، كما تساورهم مخاوف من احتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وما قد يترتب على ذلك من تغيير مسار السياسة الأميركية حيال القارة الأوروبية، بحسب الصحيفة.نقص في العتاد العسكريوفي ظل هذه المواقف المتباينة والمخاوف ووضع على الأرض يميل لصالح روسيا، خصوصا بعد السيطرة على مدينة أفدييفكا الاستراتيجية في شرق أوكرانيا مؤخرا، يحاول الأوروبيون تلبية مطالب كييف التي تشكو من نقص الذخائر. وعبّرت دول أوروبية عدة ومن بينها فرنسا، عن تأييدها لمبادرة أطلقتها جمهورية التشيك لشراء قذائف الذخيرة لأوكرانيا خارج إطار الاتحاد الأوروبي، حسبما نقلت "واشنطن بوست" عن مشاركين في مؤتمر باريس بشأن أوكرانيا.وقال ماكرون إن تحالفا جديدا سيدشن لتسليم صواريخ متوسطة وبعيدة المدى لكييف.في الوقت نفسه، نقلت محطة "فوكس نيوز" الإخبارية الأميركية عن رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو قوله إن العديد من دول الناتو والاتحاد الأوروبي، تُفكر في إرسال قوات إلى أوكرانيا على أساس ثنائي، محذّرا من خطورة الإقدام على مثل هذه الخطوة لما قد يترتب عليها من تصعيد للتوترات.وقال: "يمكنني أن أؤكد أن هناك دولا مستعدة لإرسال قواتها إلى أوكرانيا، وهناك دول تعارض بشدة، ومن بينها سلوفاكيا، وهناك دول تقول إن هذا الطرح يحتاج إلى تفكير".وبين الانقسام الأوروبي الأميركي وتقدم القوات الروسية ميدانيا تجد أوكرانيا نفسها في ورطة، حيث تعاني من نقص حاد في الذخائر، في وقت تأخرت فيه المساعدات العسكرية الأميركية لأشهر بسبب خلافات حزبية في الكونغرس.وأعلنت 15 دولة على الأقل أنها بصدد الاتفاق على شراء مئات الآلاف من طلقات الذخيرة لإرسالها إلى أوكرانيا، وفقا للمحطة.موسكو تحذّر على الجانب الآخر، أصدر الكرملين تحذيرا شديد اللهجة لحلفاء كييف في الغرب بشأن تصعيد محتمل للحرب في أوكرانيا بعد إعلان الرئيس الفرنسي بشأن نشر قوات في أوكرانيا.ونقلت وكالة أنباء "تاس" الرسمية للأنباء عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قوله الثلاثاء، إن نشر القوات البرية لن يجعل المواجهة الفعلية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) أمرا مرجحا فحسب، بل سيجعلها حتمية.وأضاف بيسكوف أنه يتعين على الغرب أن يُدرك أن العواقب لن تكون بالتأكيد في مصلحة مواطنيه.وقال: "بحث إمكانية إرسال أي وحدات من دول الناتو إلى أوكرانيا، هو بالطبع مسألة مهمة للغاية وعنصر جديد".ويرى محللون أن الوضع الراهن يجسّد حجم الأزمة التي تمر بها أوكرانيا حاليا، ما بين أزمة نقص الذخائر، بعد كل المساعدات التي حصلت عليها من حلفائها الأميركيين والأوروبيين على مدار العامين الماضيين والتي كان يفترض أن تقض مضاجع روسيا، وما بين غموض الموقف المستقبلي الأميركي حيال تلك القضية في ظل ترجيحات بعودة ترامب إلى البيت الأبيض. وحذّر المحللون من تسرب روح اليأس إلى نفوس العسكريين الأوكرانيين، لا سيما في ظل ما أعلنته الرئاسة الأوكرانية عن استعداد روسيا لشن هجوم كبير في الصيف المقبل.(د ب أ)