دعت الحكومة العراقية، الأمم المتحدة، لإنهاء مهمتها في العراق بحلول عام 2025، ووجه رئيس الوزارء العراقيّ محمد شياع السوداني، رسالة إلى مجلس الأمن الدوليّ تحدث من خلالها عن النجاحات التي حققتها الحكومات العراقية المتلاحقة.وأكد السوداني خلال كلمته، أنه بعد 20 عامًا من التحوّل الديمقراطيّ والتغلّب على التحديات المختلفة، لم تعد هناك حاجة لوجود بعثة الأمم المتحدة (يونامي) في العراق. قائلًا: "ندعو إلى إنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة بشكل دائم في 31 ديسيمبر 2025"، مطالبًا أنّ تركيز اليونامي حتى ذلك الحين، على الملفات المرتبطة بالإصلاح الاقتصاديّ والتغير المناخي وقضايا التنمية.مصير "يونامي" في العراقوبعد خطاب السوداني، بدأت التكهنات حول مصير البعثة الدولية التي تعمل في العراق منذ أكثر من 20 عامًا، وتدور التكهنات حول مغادرة رئيسة البعثة جينين بلاسخارت العراق بشكل نهائي، بعد اجتماع مجلس الأمن الدوليّ في 16 مايو الحالي.ونشرت مواقع عراقية محلية، أنه سيتم إغلاق مهام البعثة الدولية، وسيشمل الإغلاق أقسام الانتخابات والشأن السياسيّ وحقوق الإنسان. في حين تحدثت مواقع أخرى أنّ القرار جاء بعد أقل من 48 ساعة من لقاء بلاسخارت مع رئيس السلطة القضائية فائق زيدان.ولاقت الرسالة الرسمية العراقية ردود أفعال مختلفة، وتخوّف بعض المحللين السياسيّين من إلغاء دور البعثة، ووجد بعضهم الآخر أنّ يونامي منحازة لشخصيات حزبية، وأنّ رئيسة البعثة بلاسخارت كان لها دور في تغيير عمل البعثة، من خلال محاباتها لقوى الإطار التنسيقيّ داخل الحكومة العراقية. العراق يخرج من عباءة الوصاية وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي لمنصة "المشهد"، إنّ العراق يثمّن دور فريق يونامي في العقدين الماضيين، حيث قدم تضحيات جسامًا في عمله، والعراق لا ينسى هذه الجهود التي ستبقى حيّة في الوجدان العراقي، لكن "آن الأوان لأن يتخلص العراق من الوصاية الدولية".وأضاف العوادي: "العراق اليوم يتعافى تدريجيًا من الأزمات، ويدير شؤونه السياسية بالتوازن مع المصالح الوطنية، كما يمدّ جسور التعاون والصداقة والشراكة مع مختلف دول العالم، من خلال الموسسات الحكومية العراقية الرسمية، بل أصبح العراق يأخذ أدوارًا خاصة به، لتسكين الخلافات الإقليمية، ويلعب دور الوسيط القادر على تجسير الخلافات".وأكمل العوادي: "كما استطاعت الحكومة العراقية حل التقاطعات الحدودية مع تركيا وإيران وفقًا لاتفاقات رسمية، والعلاقات العراقية العربية تتطور باستمرار، منها العلاقة مع الكويت أو ما بقي من ملفاتها السابقة".على المستوى الداخليّ أوضح العوادي، أنّ الحكومة تتحرك بسرعة لحل الملفات المهمة، منها ملف العلاقة مع إقليم كردستان وملف كركوك، إجمالًا فانّ العراق يركز على إنهاء الجانب السياسيّ من بعثة اليونامي، ذلك الجانب الذي أصبحت تقوم به الحكومة على أكمل وجه وأفضل صورة.وكشف العوادي أنّ العراق طلب إغلاق مهمة يونامي في مارس 2023، وأرسلت الأمم المتحدة لجنة استراتيجية لدراسة الطلب في نوفمبر 2023، ورفعت توصياتها بالاتفاق مع الطلب العراقيّ باغلاق البعثة بصورة تدريجية خلال مدة 24 شهرًا. وأكد العوادي أنّ هناك ملفات مهمة سوف يستمر العراق يطلب الدعم الفنّي بشأنها من الأمم المتحدة، مثل ملف الانتخابات، لكن سيكون ذلك ضمن مهمة خاصة بالانتخابات تنتهي مع نهاية كل انتخابات، كما ستستمر بعض الوكالات الأممية المتخصصة في عملها، والعراق لا يعارض استمرار عمل هذه المنظمات.ورأى العوادي أنه حان الوقت لكي يخرج العراق من غرفة الرعاية الدولية، بعد مرور عقدين على التغيير منذ عام 2003، مضيفًا: "إذا بقينا على اعتقادنا أننا لسنا في مرحلة البلوغ أو النضج السياسي، بالتالي سنشعر دائمًا أنه لا بد من وجود مساعدة أبوية قادرة على إدارة الحوار بين العراقيّين أنفسهم، أو مع جيرانهم بالنيابة عنهم، أو تقديم المساعدة لهم".قرارات سياسية من جهته، قال المحلل السياسيّ علي البيدر لمنصة "المشهد"، إنّ الحكومة العراقية قيّمت الوضع، ورأت أنّ العراق لم يعد بحاجة لبعثة الأمم المتحدة يونامي، خصوصًا أنّ البلاد تشهد مرحلة استقرار لا مثيل لها، و"نرى تحسنًا في الواقع الاقتصاديّ والسياسيّ والأمني، لكنّ التساؤل هل سيستمر هذا الاستقرار؟ هل تمتلك الدولة أدوات ديمومته؟ هل ستتأثر البلاد بالمنخفض الأمنيّ الذي تعيشه المنطقة؟ الكثير من الأسئلة التي لا بد أن تجيب عنها مؤسسات الدولة". وعن بيان رئيس مجلس الوزراء، قال البيدر: "تابعنا البيان الذي أصدره السوداني، بشأن إنهاء مهمة بعثة يونامي في العراق، نتمنى ألا يكون القرار سياسيًا، وندعم هذه الخطوة، وهي أن يبتعد العراق عن الوصاية، وأن يمضي قدُمًا في تحقيق استقلاليته".ملفات فساد وعن تدخل "يونامي" بشؤون العراق الداخلية، يشرح البيدر: "للأسف يونامي في المراحل الأخيرة بدأت تتدخل في ملفات داخلية معينة، وجودها كان مرتبطًا بتقييم الأداء السياسي، وتوثيق العنف في العراق، إضافة إلى الجوانب الإغاثية والإنسانية، لكن شهدنا تدخلات ربما سببت حالة من عدم الرضا لدى الحكومة العراقية.وعن تورط بعض المنظمات التابعة ليونامي بملفات فساد في العراق، يجيب البيدر: "بشكل عام نشعر بالارتياح عندما ينفذ أيّ مشروع عن طريق منظمة دولية، لكن يمكن أن يكون الفساد انتقل من المجتمع العراقيّ والمنظمات العراقية، إلى اليونامي، هذا الفساد يمكن أن يصل إلى مستويات عالية، لكنّ أداء يونامي ما زال قويًا إلى حدّ ما". وعن دور رئيسة البعثة الدولية جينين بلاسخارت يقول البيدر: "هناك بعض الملاحظات التي تتعلق بتحركات بلاسخارت التي أصبحت تشكل إزعاجًا، خصوصًا بعد أحداث تشرين وما أعقبها من تفاصيل، وربما تحركاتها مرسومة وفقًا لمنهاج دوليّ معدّ مسبّقًا". عن رغبة الحكومة العراقية بإخفاء الحقائق التي تعمل يونامي على كشفها يقول البيدر: هناك منظمات محلية ووسائل إعلام ومراكز دراسات، تنتقي معلوماتها من يونامي، لأنّ يونامي "تفلتر" المعلومات والمواقف وتُجري مقابلات. وإذا كان الهدف هو إلغاء هذا الدور، فإنّ هذه الوسائل ستأخذ معلوماتها من الشارع العراقيّ مباشرة، ما سيسبب إرباكًا أكبر للحكومة. لذلك لا أظن أنّ الحكومة العراقية تريد تقييد عمل يونامي في البحث عن الحقائق وتوثيقها. قرار متوقع ويرى المحلل السياسي محمد زنكنة، أنه كان من المتوقع أن تتصرف الحكومة العراقية مع البعثة الدولية يونامي بهذه الطريقة، لأنّ الإطار التنسيقيّ اتهم رئيسة البعثة جينين بلاسخارت والفريق الأمميّ المرافق لها، أنهم كانوا على دراية بنتائج الانتخابات الحكومية الأخيرة، وهناك أطراف ما زالت تتهم بلاسخارت أنها ميّالة للإطار التنسيقيّ أو خائفة منهم. وعن فساد البعثة الدولية يقول زنكنة، إنّ فساد الأمم المتحدة في العراق، موجود منذ إصدار القرار رقم 896 المعروف بقرار النفط مقابل الغذاء في العام 1995، منذ ذلك الحين كان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان متورطًا بعمليات فساد، إذًا الفساد في الأشخاص وليس في المنظمات، كان الأجدر أن تتم المطالبة بتغيير الأشخاص وليس عموم المنظمة. ويؤكد زنكنة أنّ العراق سيدفع ثمنًا باهظًا بعد هذا القرار، لأنّ البعثة الدولية ترعى مسائل عدة أهمها مسائلة الانتخابات، إضافة إلى المسائل المتعلقة بالمجتمع المدنيّ والمشاريع الإنمائية، وغيابها ربما يعرقل كل ما سبق، قد تتطور إلى عقوبات دولية، لذلك يمكن القول إنّ إبعاد الأمم المتحدة هو بمثابة انتحار سياسيّ للعراق.وتشكلت بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة عقب غزو العراق في 2003، ومقرها في المنطقة الخضراء في بغداد، للمساعدة في تطوير المؤسسات العراقية، ودعم الحوار السياسيّ والانتخابات، وتعزيز حقوق الإنسان. (المشهد)