قالت أربعة مصادر مطلعة لرويترز إن ممثلي ادعاء أوروبيين فحصوا هذا الأسبوع في بيروت وثائق تحويلات مصرفية تتعلق بتحقيق بشأن ما إذا كان رياض سلامة حاكم مصرف لبنان وشقيقه قد اختلسا أموالا عامة.وقال مسؤولون قضائيون أوروبيون إن ممثلي ادعاء من ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورج يشتبهون بأن سلامة وشقيقه رجا اختلسا أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي بين عامي 2002 و2015.واستمع المحققون الثلاثاء إلى شاهدين جديدين لمدة 8 ساعات هما: رئيس مجلس إدارة بنك الموارد الوزير السابق مروان خير الدين والنائب السابق لحاكم المصرف المركزي أحمد جشي، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.وتجمع خير الدين، الذي تولى منصب وزير دولة عام 2011، برياض سلامة علاقة جيدة.وشغل جشي منصب نائب حاكم مصرف لبنان بين العامين 2003 و2008.الاتهاماتووفقا لمسؤولين أوروبيين ووثائق قضائية فرنسية اطلعت عليها رويترز، يشتبه ممثلو الادعاء الأوروبيون، الذين لم يوجهوا أي اتهامات رسمية حتى الآن، في أن الرجلين استخدما بعض الأموال لشراء أصول عقارية في فرنسا وفي أنحاء أوروبا.وأوضح المصدر القضائي، المطلع على محتوى الجلسات، لفرانس برس أن الأسئلة الموجهة إلى نواب سلامة تتركز على قرارات اتخذها المجلس المركزي لمصرف لبنان، فيما "تركز الأسئلة الموجهة إلى مدراء وأصحاب المصارف حول حسابات فيها عائدة لرجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان، وتحويلات إلى حسابات الشقيقين في الخارج".وأشار إلى أن "الوفود ركزت أسئلتها على دور شركة فوري اسوشياتس"، المسجلة في الجزر العذراء ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها رجا سلامة.وتركز التحقيقات الأوروبية على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة "فوري"، التي يُعتقد أنها لعبت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من المصرف المركزي عبر تلقي عمولة اكتتاب، جرى تحويلها إلى حسابات رجا سلامة في الخارج.وبحسب المسؤولين الأوروبيين والوثائق القضائية الفرنسية، تم تجميد أصول وحسابات بقيمة 130مليون دولار في جميع أنحاء أوروبا فيما يتعلق بالقضية في مارس الماضي، إثر تحقيق استهدف سلامة و4 من المقربين منه، بينهم شقيقه، بتهم غسل أموال و"اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021".ويقول محامو الأخوين سلامة إنهما طعنا على مصادرة أصول في فرنسا. وتنظر محكمة فرنسية في القضية.وقالت المصادر المطلعة إن الوثائق التي فحصها ممثلو الادعاء الأوروبيون الذين يزورون بيروت تضمنت سجلات مصرفية تضم تحويلات مالية قام بها رجا سلامة عبر بنوك لبنانية.وذكر مسؤولون أوروبيون أن هذه ستكون المرة الأولى التي يطلع فيها ممثلو ادعاء على تفاصيل التحويل التي يمكن أن تساعد في تتبع حركة الأموال. وأضافوا أن ممثلي الادعاء اللبنانيين الذين يجرون تحقيقا موازيا لم يكشفوا عن تلك النتائج حتى الآن.ولم يرد غسان عويدات مدعي عام التمييز في لبنان على طلب للتعليق لوريترز على نوع الوثائق التي اطلع عليها ممثلو الادعاء الأوروبيون.انهيار ماليونفى سلامة وشقيقه تحويل أو غسل أموال عامة قائلين إن الأموال التي تبلغ قيمتها 300 مليون دولار كانت حصيلة نشاط تجاري مشروع.وذكرا أن التحقيقات تأتي في إطار حملة منسقة لاتهام رياض سلامة، الذي يشغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ 3 عقود، بالتسبب في الانهيار المالي الذي بدأ عام 2019 وأصاب مصارف البلاد بالشلل ودفع أغلب اللبنانيين إلى هوة الفقر.وتفجرت الأزمة بعد أن تراكمت ديون ضخمة على لبنان على مدى 3 عقود بعد الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990.وقال محام فرنسي عن رياض سلامة إن القضية مسيسة وإن موكله يفصل فصلا تاما بين أمواله وأصول البنك المركزي.وذكر المحامي الفرنسي بيير أوليفييه سور لرويترز "في ملف القضية الذي أطلعت عليه، لا يوجد مخطط للتدفقات المالية قد يورط رياض سلامة بشكل مباشر من خلال الخلط بين أصوله وحساباته وأصول البنك المركزي".وقال شخص مقرب من رجا سلامة إنه نفى أي اختلاس للمال العام.حاكم المصرف المركزي غسان سلامة ينفي الاتهامات (رويترز)وصرح حاكم مصرف لبنان (72 عاما) من قبل بأنه كون ثروته من الأموال التي كان يتقاضاها في بنك ميريل لينش قبل أن يصبح محافظا للبنك المركزي في عام 1993.وذكرت المصادر المطلعة أن السجلات المصرفية التي قدمتها السلطات اللبنانية يفحصها فريق من ممثلي ادعاء أوروبيين وصلوا إلى بيروت الأسبوع الماضي وسيبقون هناك حتى يوم الجمعة على الأقل.وأضافوا أن ممثلي الادعاء بدأوا يوم الاثنين أول جلسة تحقيق من نحو 12 جلسة مع شهود في بيروت من بينهم موظفون حاليون وسابقون في البنك المركزي ومصرفيون كبار ومسؤولون ماليون آخرون.وذكروا أن الجلسات يقودها قضاة لبنانيون ينقلون أسئلة ممثلي الادعاء الأوروبيين.وتمكن ممثلو ادعاء لبنانيون من الاطلاع على الوثائق المصرفية في مايو. وقال مصدران قضائيان لبنانيان ومسؤول أوروبي إنه لم يكن من الممكن الكشف عن البيانات في ذلك الوقت لأن رياض سلامة قدم طلبا برد القاضي الذي يجري التحقيق.تعثُر التحقيق اللبنانيوقالت السلطات اللبنانية إنها فتحت تحقيقها الخاص بعد تلقيها طلب مساعدة قضائية من سويسرا.وشكك منتقدون فيما إذا كان القضاء اللبناني، الذي يعتمد تعيين قضاته إلى حد كبير على الدعم السياسي، سيحقق بجدية في شأن شخصية تحظى بمكانة سلامة بالنظر إلى الدعم السياسي الكبير الذي يتمتع به.ولا ينكر القضاء اللبناني الصعوبات. وقال أكبر قاض لبناني في تصريحات عامة في نوفمبر إن التدخل السياسي في العمل القضائي أدى إلى وضع فوضوي يتطلب "ثورة في المقاربات" لحله.وواجه جان طنوس، القاضي المعين لتولي التحقيق المبدئي، عقبات من بينها، بحسب تقارير، تدخل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي لمنعه من الحصول على بيانات من البنوك. ونفى ميقاتي هذه التقارير.وأفادت رويترز بأن غسان عويدات منع طنوس من حضور اجتماع في باريس العام الماضي مع المدعين الأوروبيين الذين يحققون في أمر سلامة.وأمر عويدات في يونيو 2022 قاضي تحقيقات باتهام سلامة رسميا بارتكاب جرائم من بينها غسل الأموال والإثراء غير المشروع والتزوير والتهرب الضريبي. لكن القاضي رفض وسعى إلى تنحيته عن القضية قبل أن يُستبعد منها بسبب طلب سلامة رده.ولم يشهد التحقيق أي تقدم منذ ذلك الحين.وأسفر تحقيق منفصل أجرته النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان غادة عون عن اتهام سلامة في مارس بالإثراء غير المشروع في قضية تتعلق بشراء شقق في باريس وتأجيرها كان بعضها عن طريق البنك المركزي.ونفى سلامة الاتهامات وقال إن المحاكمة لها دوافع سياسية.وأحيلت القضية إلى قاضي تحقيق لكن سلامة لم يحضر أي جلسات.سلامة يواصل الضغطورغم الشكاوى والاستدعاءات والتحقيقات ومنع السفر الصادر في حقه في لبنان، لا يزال سلامة في منصبه الذي يشغله منذ عام 1993، ما جعله أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم. ومن المفترض أن تنتهي ولايته في مايو 2023.واستمر سلامة في ممارسة ضغوط مكثفة خلال التحقيقات مستغلا دعم شخصيات بارزة مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.وكان سلامة بمثابة حجر الزاوية في نظام مالي خدم مصالح القوى الرئيسية في لبنان بعد الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. ويقول العديد من المراقبين إن هذه الجماعات تخشى أن يكون لسقوطه تداعيات عليها.وتنتهي آخر فترة لتوليه المنصب، ومدتها 6 سنوات، في يوليو .لكن بينما دعا الرئيس السابق ميشال عون إلى تغيير سلامة، لم تقترح أقوى الجماعات اللبنانية أي بديل له حتى الآن.وربما تعرقل الأزمة السياسية التي تركت لبنان بلا رئيس وحكومة كاملة الصلاحيات أي محاولة لتغييره.ورغم قول سلامة إنه سيغادر المنصب في يوليو ، يقول بعض المحللين إنه يمكن تمديد فترته مرة أخرى. (وكالات)