في الأسابيع العشرة التي تلت إطلاق إسرائيل حملتها البرية ضدّ "حماس" في قطاع غزة، اكتشفت قواتها مسار سلسلة من الأنفاق تحت الأرض، وهي جزء من شبكة واسعة بنتها الحركة الفلسطينية على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة "فورين بوليسي". وتُشكل الشبكة، التي يستخدمها مقاتلو "حماس" للتخفي واحتجاز الأسرى، والتخطيط للعمليات، وتخزين الأسلحة ونصب الكمائن للجنود الإسرائيليّين، جزءًا مهمًا من البنية التحتية العسكرية للحركة، إذ ثبت أنها أكبر نقطة ضعف لإسرائيل في الحرب داخل القطاع. وبحسب التقرير، فإنّ تدمير شبكة أنفاق "حماس" ضروريّ لإضعاف قدراتها العسكرية ومنع هجمات مماثلة لتلك التي نفذتها في 7 أكتوبر على إسرائيل. لكن، لا تزال العملية الإسرائيلية في غزة لتدمير الأنفاق، بطيئة ومرهقة إلى حدّ كبير. ومع بداية العام الجديد، يلوح في الأفق سؤال كبير بالنسبة للمخطّطين العسكريّين والمحلّلين الذين يسعون إلى استخلاص الدروس من العملية العسكرية البرية في غزة: ما مدى اقتراب إسرائيل من تدمير شبكة الأنفاق؟ وكم من الوقت سيستغرق الأمر؟حروب الأنفاق أكثر تعقيدًالقد كانت حروب الأنفاق دائمًا واحدة من أكثر أشكال القتال فتكًا وتعقيدًا، بحسب ما تقول "فورين بوليسي"، مشيرة إلى أنه خلال الحرب العالمية الأولى، مات آلاف عدة من القوات البريطانية وهم يحاولون تدمير المواقع الألمانية تحت الأرض، وبعد سنوات، كافحت الولايات المتحدة لهزيمة أعدائها في فيتنام وأفغانستان والعراق. وعادة ما تنشر الجيوش التي تواجه هذه التهديدات أقوى أسلحتها، بما في ذلك طائرات"B-52"، وقاذفات اللهب، والأسلحة الحرارية، والقنابل الخارقة للتحصينات، وغيرها من الصواريخ الجوية الموجهة بدقة. غير أنه في كثير من الأحيان، فشلت هذه التدابير في القضاء على العدو الذي يعمل من الكهوف والأنفاق، وغيرها من الهياكل الجوفية الاصطناعية أو التي من صنع الإنسان. ويعيد اكتشاف الأنفاق العابرة للحدود التي حفرتها "حماس" بين قطاع غزة وإسرائيل في عام 2014 إلى الأذهان، المخاطر الأمنية الكبيرة التي تشكلها هذه الأنفاق، وخصوصًا عندما تكون قريبة من السكان المدنيّين. وكانت العملية العسكرية الإسرائيلية ضدّ "حماس" قبل 10 أعوام، هي الحرب الأولى في القرن الحادي والعشرين، التي أصبحت فيها الأنفاق النقطة المحورية للعمليات العسكرية، حيث تركت إسرائيل تدرك أنه يمكن استخدام الأنفاق لاختطاف جنود ومدنيّين، والتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، وتنفيذ هجمات وحشية. لكن، التركيز الإسرائيليّ على الأنفاق، إذا كان هناك تركيز منسق في ذلك الوقت، كان مخصصًا إلى حدّ كبير للأنفاق العابرة للحدود، وبدرجة أقل على الحشد العسكريّ المتزايد لـ"حماس" تحت الأرض داخل قطاع غزة، وفقًا لما جاء في التقرير. وبعد حرب عام 2014، تحولت إسرائيل إلى نهج أكثر استراتيجية، وكثفت جهودها من أجل ذلك، إذ أنشأت وحدات النخبة المتخصّصة في حرب الأنفاق، وبنت هياكل الأنفاق الخاصة بها لتدريب الجنود، وحسنت اكتشاف الأنفاق بوحدات متنقلة، وأجرت أبحاثًا، وتوصلت إلى حلول تكتيكية فريدة لتعزيز الاستعداد، وعززت التعاون مع الشركاء والحلفاء.إسرائيل تمتلك قدرات عسكرية متقدمةونتيجة لذلك، دخل الجيش الإسرائيليّ إلى الحرب الحالية، وهو يمتلك القدرات العسكرية الأكثر تقدمًا في اكتشاف الأنفاق ورسم خرائطها وتحييدها وتدميرها، بحسب "فورين بوليسي"، والتي تقول: "ومع ذلك، فإنّ هذا لم يمنع (حماس) من إنشاء الأنفاق، ولم يقلل من التحدي المتمثل في القتال في بيئة تحت الأرض. حتى الوحدات الأكثر تخصصًا في جيش الدفاع الإسرائيليّ تكبدت خسائر بسبب مداخل الأنفاق المفخخة".وكشفت وحدات الجيش الإسرائيليّ خلال العملية العسكرية في غزة، عن جيل جديد من أنفاق "حماس"، حيث تم تعزيز الهياكل البدائية للشبكة، وأصبحت أعمق وأكثر صلابة، لتشبه أنفاق التسلل الكبيرة في كوريا الشمالية. وبحسب "التقرير"، فإنّ اعتماد "حماس" المتزايد على الأنفاق وجهود البناء المتقنة التي تبذلها، قد أتى بثماره، إذ لم يسبق في تاريخ حرب الأنفاق أن تمكن أيّ مدافع من قضاء أشهر في مثل هذه الأماكن الضيقة، ويرجع ذلك إلى "عملية الحفر نفسها، والطرق المبتكرة التي استخدمتها (حماس)، للبقاء تحت الأرض لفترة طويلة". وبالنسبة للجنود الإسرائيليّين، فإنّ التقدم في هذه التضاريس الخطرة يتطلب اتّباع نهج واضح، إذ سعت الحملة الجوية للجيش والعملية البرية المبكرة إلى السيطرة على السطح، وتقليل المخاطر التي تشكلها حرب المدن على المقاتلين والمدنيّين. كما دمرت المباني للحدّ من هجمات القناصة والكمائن، وتم إخلاء شمال غزة إلى حدّ كبير للحدّ من الخسائر في صفوف المدنيّين، وشرعت القوات في تطهير الأرض بالجرافات المدرعة لكشف فتحات الأنفاق. والفتحات، المعروفة باسم حفر الأنفاق، هي في الأساس ثقوب مميتة في الأرض، ويمكن أن تختلف في الحجم والشكل، وعادة ما تكون مموّهة ومفخّخة. وهي تؤدي إلى ممرات الأنفاق، وهو الجزء من الهيكل الجوفيّ المستخدم للوصول إلى شبكة الأنفاق الأوسع.وأثناء عملية الاجتياح، اكتشف الجنود الإسرائيليون مئات من حفر الأنفاق، ما جعل التقدم بطيئًا ومعقّدًا. ومكّنت هذه الحفر مقاتلي "حماس" من الخروج من الأرض ومهاجمة الجيش الإسرائيليّ والاختفاء في غضون ثوان، حسبما يذكر التقرير. وكانت الخطوة التالية بالنسبة للجيش الإسرائيلي، هي رسم خريطة لشبكة الأنفاق ومعرفة المزيد عنها، إذ بقي الجنود على السطح حتى يتمكنوا من دخول الأنفاق بأمان، لجمع المعلومات الاستخبارية والبحث عن الأسرى المحتجزين لدى "حماس" منذ 7 أكتوبر. ويستخدم الجيش الإسرائيليّ في البداية روبوتات وطائرات مسيّرة مزودة بكاميرات فيديو إلى الأنفاق، وكلابًا يمكنها اكتشاف وجود متفجرات أو أشخاص، وهو الإجراء الذي ساعد في الكشف عن حجم الشبكة ونطاقها، وسمح بدخول الجنود إلى الأنفاق، قبل الانتقال إلى مرحلة التدمير. ووفق "فورين بوليسي"، فإنّ تخطي الجيش الإسرائيليّ أيًّا من هذه الخطوات، كان من شأنه أن يكون قاتلًا للجنود، والأسرى، والمدنيّين الفلسطينيّين أيضًا.وبحسب التقرير، يُعدّ الوقت هو الأثمن خلال عملية اكتشاف وتدمير الأنفاق، حيث تعمل القوات في بيئة عسكرية معقّدة تجمع بين حرب المدن وحرب الأنفاق وعمليات البحث والإنقاذ، ويتطلب تحديد موقع الأنفاق، والعمل حول الأفخاخ المتفجرة، وتجنب الهجمات المفاجئة، أسلوبًا بطيئًا ومنهجيًا، وذلك لتفادي الخسائر الكبيرة وتأخر نهاية الحرب، ما يجعل النصر أقلّ يقينًا.الاستراتيجية الوحيدة لتدمير شبكة أنفاق "حماس"لقد أصبح من الواضح بالفعل أنّ إسرائيل غير قادرة على اكتشاف أو رسم خريطة لشبكة أنفاق "حماس" بالكامل. ولكي تعلن إسرائيل النصر بشكل مقنع، فلا بدّ وأن تقوم بتدمير ما لا يقل عن ثلثي البنية التحتية المعروفة تحت الأرض التابعة لـ"حماس"، بحسب ما تذكر "فورين بوليسي".وأفادت التقارير بأنّ إسرائيل قررت ضخّ كميات كبيرة من مياه البحر إلى الأنفاق، من أجل الوصول إلى الشبكة المعقدة. وبهذا اتجهت إسرائيل إلى تقليد عسكري، فعلى المستوى الاستراتيجي، فإنّ غمرها بمياه البحر هو محاولة من قبل الجيش الإسرائيليّ للحصول على بعض الميزة العسكرية في التضاريس التي استغلتها "حماس" لعقود من الزمن. أما على المستوى العمليّاتي، يمكن أن تمثّل مياه البحر توسعا في الترسانة المضادة للأنفاق، والتي كانت تتكون حتى الآن بشكل شبه حصريّ من القنابل الخارقة للتحصينات، والتي تتميز بقدرة محدودة على اختراق الأرض، ولا يمكن استخدامها في التضاريس كافة، حسبما يذكر التقرير. ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الجيوش بإغراق أنفاق العدو خلال الحرب. لكنّ القيام بذلك بالطريقة التقليدية، عبر حفر الأنفاق، له تأثير محدود. ومن أجل النجاح في تدمير الهيكل وإنتاج ما يُعرف باسم "القتل الصعب"، يجب حقن المياه مباشرة من البحر إلى الأجزاء الأفقية من الأنفاق، بكميات كبيرة وضغط مرتفع، ما يعزز القوة المطبقة على الأسمنت. ووفقًا لتقرير "فورين بوليسي" فإنّ النهج الذي يتضمن العناصر الثلاثة، مياه بحجم كبير، وضغط عال، والحقن الأفقيّ المباشر، يمكن أن يؤدي إلى التدمير الكامل لبنية النفق. لكن هناك بعض المخاوف من أن يؤدي الضخّ الأفقيّ لمياه البحر، إلى تلويث مصادر المياه الجوفية. ومن المعروف أنّ طبقة المياه الجوفية الساحلية، هي المصدر الوحيد للمياه الذي يمكن للفلسطينيّين الوصول إليه في غزة، وهي الآن باتت ملوثة وغير صالحة للاستهلاك بسبب الإفراط في استخراجها. لذا يجب مقارنة إمكانية التسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها لطبقة المياه الجوفية بالضرر المحتمل الذي قد يلحق بالحياة المدنية فوق الأرض من خلال الطرق الأخرى لتدمير الأنفاق، بما في ذلك القصف الجوي. وتشير "فورين بوليسي" إلى أنه قد لا يتمّ الاستعانة بمياه البحر في جميع الأنفاق، خصوصًا أنّ بعض الأنفاق بعيدة جدًا عن الشاطئ، بينما تمّ فصل البعض الآخر عمدًا عن الشبكة الرئيسية. كما تعتقد إسرائيل أنّ بعض الأسرى محتجزون في الأنفاق، وهذا قد يمنعها عن استخدام هذه الطريقة تمامًا، رغم أنها من الناحية النظرية على الأقل، تحقق هدفها المتمثل في تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية للأنفاق. وبينما تتحرك إسرائيل لتدمير شبكة أنفاق غزة، تظل القوات الإسرائيليّ تتعرض لإطلاق نار، كما يتمّ اكتشاف أنفاق إضافية كل يوم، وهذا الأمر قد يؤدي إلى استغراق هذه المهمة بضعة أشهر أخرى، بحسب "فورين بوليسي" والتي تقول إنّ حرب الأنفاق تتطلب القدرة على التحمّل والوقت والمثابرة، وأنّ إنهاء الحرب قبل الأوان قد يعني الهزيمة، الأمر الذي يوجب على إسرائيل تحديد جدول زمنيّ أساسيّ بشأن العملية.(ترجمات)