في غزة هذا الأسبوع، تبدو الأجواء أكثر قتامة من أيّ وقت مضى خلال هذه الحرب الطويلة. يوم الثلاثاء الماضي، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية، والدبابات، والمدفعية، والطائرات المسيّرة، والسفن الحربية موجة من الضربات، منهيةً بذلك فترة الهدوء الهشّ التي استمرت قرابة الشهرين وجلبت قليلًا من الراحة للقطاع المدمر. جلب وقف إطلاق النار الأمل أيضًا، ولكن بحسب الفلسطينيين في غزة، جعل ذلك عودة العنف أكثر قسوةً، وفقًا لصحيفة "غارديان" البريطانية.في بيان مصوّر يوم الأربعاء، دعا وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى "طرد حماس"، محذرًا بأنّ "البديل هو الدمار الكامل والخراب". بعد ذلك بيومين، ومع استمرار الضربات الجوية واستيلاء الجيش الإسرائيلي على ممر إستراتيجي رئيسي يقسم غزة، أطلق كاتس إنذارًا جديدًا، مطالبًا "حماس" بالإفراج عن 59 أسيرًا لا تزال تحتجزهم، وإلا "ستخسر المزيد والمزيد من الأراضي التي ستُضم إلى إسرائيل". وأكد أنّ الجيش الإسرائيلي سيستخدم "كل وسائل الضغط العسكري والمدني، بما في ذلك تنفيذ خطة الهجرة الطوعية التي اقترحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لسكان غزة". تحول جذريهذه التصريحات لها دلالات كبيرة. فقد كان من المقرر أن تبدأ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في يناير، قبل ثلاثة أسابيع، بهدف إنهاء الحرب بشكل نهائي. لكنّ السبب الرئيسي وراء تخلي إسرائيل عن هذا الاتفاق واستبداله بهدنة موقتة تتراوح بين 30 و60 يومًا، هو أنّ كبار صناع القرار الإسرائيليين باتوا يشعرون بأنهم باتوا مدعومين بشكل كبير من الرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض. تبنّت الحكومة الإسرائيلية خطاب ترامب حول "الأعداء الداخليين"، حيث هاجم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الأسبوع الماضي ما وصفه بـ"الدولة العميقة اليسارية" التي تزعم أنها تعارض إرادة الشعب الإسرائيلي. وتحدث ترامب بصراحة عن رغبته في إفراغ غزة من سكانها، وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو طرح كان في السابق غير معلن لكنه أصبح الآن موضوعًا للنقاش العام في إسرائيل. وتقول الصحيفة إنّ كاتس يدو أنه يكرر تهديدات ترامب حرفيًا.مراحل الحرببدأت المرحلة الأولى من الحرب في 7 أكتوبر 2023، عندما هاجم مسلحون من "حماس" مستوطنات جنوب إسرائيل، ما أسفر عن مقتل 1,200 شخص، معظمهم من المدنيين، وأسر أكثر من 250 أسيرًا. وردت إسرائيل بهجوم عسكري واسع النطاق استمر أربعة أشهر، أدى إلى مقتل نحو 40,000 فلسطيني. في المرحلة الثانية، استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية بشكل متقطع، ما أدى إلى كارثة إنسانية طويلة الأمد. وعلى الرغم من الاحتجاجات الدولية، لم يكن للغضب العالمي تأثير يُذكر. عاش الفلسطينيون في غزة تحت القصف، والجوع، والتشرد، متنقلين بين مخيمات اللاجئين والركام في محاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة. جاء وقف إطلاق النار في منتصف يناير كبصيص أمل، لكنه قد يُنظر إليه الآن على أنه مجرد هدوء يسبق عاصفة جديدة أكثر شراسة، خصوصًا مع التهديدات المتصاعدة من كاتس وترامب ونتنياهو. الخطط العسكرية المقبلةووفقًا لخبراء عسكريين إسرائيليين، أبلغ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، الجنرال إيال زامير، نتانياهو، أنّ الطريقة الوحيدة لتحقيق الأهداف المعلنة وهي تدمير "حماس" واستعادة الأسرى هي عبر استخدام قوة عسكرية ضخمة وغير مقيدة، تشمل وجودًا بريًا كثيفًا. وهذا هو النهج الذي يرغب فيه نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة. في السابق، كان اقتراح فرض إدارة عسكرية إسرائيلية مباشرة على غزة، حيث يتحكم الجيش في المساعدات الإنسانية والسكان، أمرًا مرفوضًا. أما الآن، فقد أصبح احتمالًا واقعيًا يجري النظر فيه بجدية. وتتلخص الخطة في الاستيلاء على أجزاء كبيرة من غزة وإعادة ترتيبها بطريقة "أكثر ملاءمة" لإسرائيل، بحسب أحد المحللين الإسرائيليين المؤيدين لهذا السيناريو. وهناك توجه داخل الأوساط اليمينية في إسرائيل، يرى أنّ الفرصة سانحة الآن لتفريغ غزة جزئيًا من سكانها. إحدى الوسائل لتحقيق ذلك هي جعل الحياة هناك غير محتملة، ثم توفير "مخارج قانونية" تسمح للفلسطينيين بالمغادرة – رغم أنّ مثل هذه الخطوة ستكون غير شرعية بموجب القانون الدولي. تصعيد غير مسبوقوقد وقعت الموجة الأخيرة من الضربات الجوية الإسرائيلية فجر الثلاثاء خلال 10 دقائق فقط بعد الساعة الثانية صباحًا، واستهدفت قيادات متوسطة وعليا في الجناحين السياسي والعسكري لـ"حماس"، بينما كانوا في منازلهم مع عائلاتهم. وهذا يفسر جزئيًا العدد الكبير من الضحايا المدنيين، خصوصًا النساء والأطفال، حيث سقط أكثر من 400 قتيل. قال المسؤولون الإسرائيليون إنهم استهدفوا 80 "هدفًا إرهابيًا"، لكنّ نتانياهو وصف الضربات بأنها "مجرد بداية". وعلى الرغم من أنه أدلى بالعديد من التصريحات غير الدقيقة خلال الحرب، إلا أنه من المرجح أنّ هذا التصريح كان صادقًا تمامًا.(ترجمات)