من جديد يعود الحديث إلى الواجهة حول أكبر أزمة تؤرق عموم المصريين (سد النهضة)، والتي باتت وعلى ما يبدو مستعصية على الحل، مع استمرار انسداد أفق وجود مخرج لها بعد تجميد المفاوضات التي كانت تجرى لحلحلتها منذ ما يقارب العام بين أطرافها الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا، بسبب استمرار مواقف الأخيرة الرافضة للأخذ بأيّ من الحلول الفنية والقانونية الوسط الداعمة لتأمين مصالح دول المصب.الحديث هذه المرة عن تلك الأزمة بات يتعلق بمخاوف المصريين من إجراءات الأمن والسلامة المطبقة في سد النهضة الإثيوبي، لا سيما بعد تكرار النشاط الزلزالي على الأراضي الإثيوبية بطريقة غير مسبوقة خلال الآونة الأخيرة، والذي كان آخره أمس الاثنين بقوة 4.6 درجة وعمق 10.2 كم في الأخدود الإثيوبي على بعد 150 كم شرق أديس أبابا، و600 كم من سد النهضة، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول مدى تأثير هذه الزلازل على السد الذي اكتملت عملية بنائه بالكامل.وكانت الدول الثلاث المعنية بالأزمة (مصر والسودان وإثيوبيا)، قد اتفقت في 2011 على تشكيل لجنة دولية لتقييم مشروع السد، ضمت في عضويتها خبراء من تلك الدول إضافة إلى وجود 4 خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية والأعمال الهيدرولوجية والبيئية والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود، من ألمانيا وفرنسا وجنوب أفريقيا.وفي عام 2013 انتهت اللجنة الدولية في تقريرها الشامل إلى أنّ إنشاء سد النهضة يحتاج إلى مزيد من الدراسات من قبل أديس أبابا لمنع الآثار السلبية، كما أبدت اللجنة حينها تحفظات عديدة تتعلق بسلامة السد، وتأثير قلة تدفق المياه على دولتي المصب (مصر والسودان).انجراف كبير في تربتهاوطالبت مصر في وقت سابق الجانب الإثيوبي بضرورة تقديم دراسات فنية تفصيلية بشأن سد النهضة ومعاملات الأمان المتعلقة بالإنشاءات والتشغيل، وحذرت وزارة الموارد المائية والري في مصر على لسان وزيرها الدكتور هاني سويلم أديس أبابا، من مخاطر الاستمرار في بناء السد دون تقديم دراسات فنية تفصيلية حول آثاره البيئية والاقتصادية على دول المَصب، لكن الأخيرة لم تستجب للطلب المصري حتى كتابة سطور هذا التقرير.ويؤكد الخبير الجيولوجي الدكتور محمد الجزار في حديثه لمنصة "المشهد" أنّ الأراضي الإثيوبية بطبيعتها نشطة زلزالياً ومهيئة لوقوع الكثير من الزلازل، وتعدُّ من أكثر الدول التي تعاني انجرافاً في التربة، مشيراً إلى أنّ إثيوبيا تتعرض بشكل سنويّ لمئات الهزّات الأرضية لكنها تكون متوسطة وضعيفة، لكنها في الوقت ذاته تعمل على تحريك صفائح القشرة الأرضية، ومن ثم تسبب خطورة، ولم يستبعد في الوقت نفسه احتمالات حدوث زلازل كبيرة.وطالب الجزار إثيوبيا بضرورة أن تكون لديها دراسات بتوقعات وعلامات استرشادية تبين لهم مواعيد حدوث هذه الزلازل قبل وقوعها، وأسبابها حتى تكون مستعدة بشكل كامل لها.ولفت الجزار إلى وجود عوار كثير في عملية بناء سد النهضة، ولعل من أبرزها هو عدم وجود دراسة فنية محددة لعملية إنشاء السد وكمية المياه المخزنة بداخله، كاشفاً أنّ التصميم الأصلي لسد النهضة كان يهدف إلى تخزين 11.1 مليار متر مكعب من المياه، إلا أن إثيوبيا قامت بتغيير التصميم ليصل إلى 74 مليار متر مكعب بحسب ما أعلنت، كما أن معامل الأمان في السد منخفضة للغاية ولا تتعدى 1.5 درجة بمقياس ريختر.ومن جهته أشار أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، إلى أن السدود الكبيرة من الممكن أن تساعد على حدوث زلازل، وبالتالي فإن احتمالات وقوع هزات أرضية كبيرة ومدمرة في إثيوبيا قريبة من سد النهضة واردة بلا شك، وذلك لأن حجم مياه سد النهضة عندما يكتمل ملؤه والمخطط بنحو 74 مليار متر مكعب، سيؤدي إلى ضغوط كبيرة تحت سطح الأرض.ولفت شراقي في حديثه مع منصة "المشهد" إلى أن هذا الرقم كبير للغاية ومن ثم سيعمل على حدوث عدم توازن في الأرض ويمكن أن يؤدي إلى أحداث زلزالية كبيرة، مؤكداً وجود دراسات أثبتت وجود مخاطر لسد النهضة.منطقة ضعيفةوبين شراقي أن طبيعة المنطقة المقام عليها سد النهضة غير مناسبة من الناحية الجيولوجية لإقامة سد بهذه الضخامة، كاشفاً أنّ المسموح به في تلك المنطقة هو سد لا يتجاوز حجم المياه التي يحجزها بأقصي تقدير من 5 إلى 10 مليارات متر مكعب، بحيث إذا تأثر بوقوع الزلازل بتلك المنطقة النشطة، نكون حينها أمام فيضان مدمر، ولكن مع سد النهضة سنكون أمام طوفان يأخذ في طريقه مدناً بأكملها.وعلى الرغم من تعدد النشاطات الزلزالي داخل الأراضي الإثيوبية مؤخراً، والتي وصلت هذا العام إلى نحو 35 زلزالًا أقوى من 4 درجات ريختر، أشدّها كان 5.2 درجات في أكتوبر الماضي، إلا أن الخبير الجيولوجي الدكتور محمد الجزار أشار إلى عدم حدوث أيّ أضرار مباشرة حتى الآن في سد النهضة.وأوضح الجزار أن تأثير النشاط الزلزاليّ مرتبط بعدة أمور من أهمها قوته، فإذا تجاوزت 6 ريختر وما فوق فهنا تكمن الخطورة الحقيقية، إضافة إلى أن التأثير يتوقف أيضاً على عمق نشاط الزلزال والمسافة بينه وبين السد.وفي خضم تعدد الأنشطة الزلزالية داخل الأراضي الإثيوبية وتأثيرها على سد النهضة، طالب خبير المياه الدكتور عباس شراقي مصر، بتكثيف التحرك على المستوى الدولي لتعريف العالم كله بالتحديات المحدقة والمخاطر الكبيرة التي قد تحدثها الزلازل التي باتت متعددة ونشطة على سد النهضة الإثيوبي، وذلك من أجل حث المجتمع الدولي على التحرك بشكل عاجل من أجل إيجاد حلول واضحة لأزمة سد النهضة، ومطالبة الجانب الإثيوبي بالعدول عن تعنته إزاء حلحلة هذه الأزمة.وتعاني مصر عجزاً مائياً يصل إلى قرابة 50% من احتياجاتها، وتعتمد بصورة أساسية على مياه نهر النيل، إذ تبلغ حصتها 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، في حين تبلغ استخدامات القاهرة الفعلية الحالية من المياه نحو 80 مليار متر مكعب سنوياً، وتعيد مصر استخدام 26 مليار متر مكعب من المياه سنوياً. (المشهد )