أخذ التغيّر المناخي في الأعوام الأخيرة أبعادًا غير مسبوقة، من حيث درجات الاهتمام به علميًا وسياسيًا وإعلاميًا واجتماعيًا، لما يشكّله من تهديدات وآثار على الطبيعة، وعلى اقتصاديات الدول وخصوصًا النامية، ومنها الجزائر التي تشهد العديد من المبادرات الحكومية والمجتعمية، كذلك للحدّ من هذه الظاهرة، من بينها مبادرة "مشروع الجزائر الخضراء"، التي انتشرت مؤخرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أطلقها فؤاد معلّى، شاب جزائري يتمنى من خلالها غرس ثقافة التشجير لدى الجزائريّين، كما يطمح لغرس ملايين الأشجار.من الفكرة إلى التجسيدفي حديث لمنصة "المشهد"، قال فؤاد معلّى من محافظة باتنة، إنّ فكرة الجزائر الخضراء بدأت بمبادرة "أمام كل بيت شجرة"، هذه الفكرة انطلقت من مبادرة فردية ثم أصبحت تشكل اليوم مشروعًا جماعيًا وطنيًا ، وذلك بغرس الأشجار رفقة الأصدقاء، دعمًا لمشروع الجزائر "السدّ الأخضر" الذي يهدف إلى المساهمة في إنشاء منطقة خضراء منخفضة الكربون ومقاوِمة للمناخ. وتابع فؤاد، "لقد وجدنا استجابة كبيرة من سكان محافظة باتنة الذين كانوا يساعدوننا بالسقي، بعدها انطلق مشروع تشجير الغابات بأشجار مُثمرة ومُعمّرة والحمد لله كانت هناك نتائج كبيرة بنسبة 80 و 90%، كما تمّ بعدها ترويج المبادرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتوعية الشباب بأهمية التشجير وثقافة الحفاظ على المناخ بفتح صفحة الجزائر الخضراء، وما شجّعنا هو المتابعة الكبيرة من المواطنين في 58 محافظة من البلاد، وواصل محدّثنا، نحن مستمرون في هذا العمل للوصول إلى غايتنا والمتمثلة في جزائر خضراء".مبادرة للحدّ من التغير المناخيوعن الاستراتيجية التي يرسمها المشروع وأسباب إطلاق المبادرة، يعدد فؤاد في تصريح لـ"المشهد" الدوافع لذلك، في النقاط التالية:بعد الخسائر في الثروة الغابيّة التي عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة، أجرت جهات متخصّصة ومهتمّة في الشأن البيئي، دراسة تقنية وجدت أنّ أنواعًا من الأشجار تساهم في زيادة انتشار الحرائق، في مقدمها الصنوبر الحلبي، ففكّرنا باستبدالها بأشجار معمّرة مثل الزيتون والخروب والفلين والكاليبتوس، والتين واللوز، التي تساهم أيضًا في دعم الاقتصاد الجزائري، باعتبارها توفر مداخيل للعائلات والشباب في مساحات متوافرة بمناطق جبلية، وجوانب طرقات، وبعض الأراضي المهملة.حرص القائمون على هذا العمل التطوعيّ على اختيار أنواع محددة من الأشجار التي تمّ غرسها على مستوى حوافّ الطرقات الوطنية و الولائية و البلدية، وكذا المناطق الحضرية و التي تتميز بجمالها على غرار أشجار الجكاروندا و الميليا و البيزا و التوت، فيما تمّ غرس الأشجار المثمرة المعمّرة على مستوى الغابات، البلوط و الخروب و الفستق الأطلسي، والتين الشوكي. العمل جارٍ حاليّا على إنشاء مشتلة خاصة بتموين هذا المشروع، السلطات المحلّية في محافظة باتنة – 400 كلم شرقي العاصمة الجزائر - في انتظار تدعيمها بمختلف المحافظات الأخرى، مثلًا محافظة البليدة التي تشتهر بهذا النوع من النشاط، وفقًا للشاب معلّى، مشيرًا إلى أنّ هذا المشروع أسفر أيضًا عن استحداث غابة نموذجية بمناطق عدة، والتي تمّ تشجيرها بأنواع الأشجار المقاومة للجفاف و المعمّرة.في ظلّ إستمرار الغازات الدفيئة في النمو في الغلاف الجوي، وتولّد احترارًا غير منتظم على سطح الأرض، ترتفع درجة الحرارة بشكل مختلف في أجزاء مختلفة من العالم، وهكذا فإنّ دول الجنوب أكثر تضررًا من بلدان الشمال، إنّ مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ معروفة، وهي إما طبيعية بسبب البراكين وحرائق الغابات، أو بشرية، ومن هذا المنطلق دورنا نحن كمجتمع مدنيّ جزائري، المساهمة عبر هذا المشروع في مساعدة السلطات لمكافحة هذه الظاهرة المتنامية.مؤشرات وأرقاموتعمل الجزائر منذ أعوام أيضًا على تعزيز ترسانتها القانونية، وتكييف تشريعاتها المتعلّقة بالتغيّرات المناخية مع الظرف الحالي، وهذا بالتحضير لإعتماد قانون إطار حول التغيرات المناخيّة في الترسانة القانونية المتعلّقة بالبيئة ضمن الخطوات التالية: أدرجت الحكومة الجزائرية في المهامّ الأساسية لوزارة البيئة والطاقات المتجددة، إنجاز الاستراتيجيات ومخططات العمل، خصوصًا تلك المتعلقة بالمسائل الشاملة للبيئة، منها التغيّرات المناخية و حماية التنوّع البيولوجي، وطبقة الأوزون وكذا التحضير و التنسيق لمسار المفاوضات حول التغيرات المناخية، وإعطائها صلاحيات تنفيذها بالاتصال مع القطاعات المعنية.كما استحدثت الحكومة محافظة الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقوية، على مستوى الوزارة الأولى، بغية ضمان تناسق بين القطاعات لتطوير الطاقات المتجددة في الجزائر، ما يعكس جهودها و التزامها في مكافحة التغيّرات المناخية.إعادة بعث مشروع السدّ الاخضر من أجل توسيعه إلى مساحة 4.7 ملايين هكتار في السنوات القليلة القادمة.قوانين داعمة وفي السياق نفسه، صادقت الجزائر في 2020 على المخطط الجزائريّ للمناخ للفترة 2020-2030، الذي يُعتبر واجهتها الدولية في المجال، والرامي إلى تخفيض نسبة انبعاث الغازات بنسبة 22 بالمئة كالتزام مشروط (في حال استفادتها من تمويل دوليّ وتحويل تكنولوجي) و7% كالتزام طوعيّ.يعدّ هذا المخطط أداة عملية لتطبيق السياسة الوطنية لمكافحة الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية، حيث يتضمن 155 عملية و نشاطًا بهدف التكيّف مع آثار التغيّرات المناخية و تقليصها بالنسبة للعشرية القادمة، خصوصًا من خلال تقليص انبعاثات الاحتباس الحراري، وادماج البعد المتعلق بالمناخ في مختلف السياسات العمومية التنموية.وفي اطار مكافحة ظاهرة التغيّر المناخي، تم وضع استراتيجية خاصة انبثقت عنها "اللجنة الجزائرية للمناخ"، المكونة من 18 قطاعًا وزاريًا، تمّ تكليفها بمتابعة استراتيجيات مكافحة التغيّرات المناخية وتأثيراتها على التنمية."مخطط بعث الاقتصاد الأخضر" الذي يتضمن، من بين أهدافه، إعادة التدوير ودعم الصناعات التحويلية وتشجيع الاستثمار في مجال النفايات، من أجل ضمان التحكّم في التأثير البيئيّ وتقنيات المعالجة، ووضع إعفاء ضريبيّ للشركات الصناعية التي تلتزم بخفض انبعاث الغازات المضرة بالبيئة والنفايات الكيميائية.مبادرة "شجرة عن كل مواطن" لغرس ما لا يقلّ عن 43 مليون شجرة، فضلًا عن برنامج تحويل جزء مهمّ من حظيرة السيارات الوطنية لغاز البترول المميّع، و استحداث هياكل وطنية لتجسيد مشاريع استراتيجية لإنتاج الطاقة النظيفة كالهيدروجين الأخضر.(المشهد)