تهدف إيران من خلال إعادة تشكيل قوّاتها العسكرية إقليمياً وتوسيع قدرتها على العمل في المحيط الهندي وبحر العرب إلى رفع تهديداتها للتجارة العالمية عبر تعطيل الملاحة في كل من مضيقي هرمز وباب المندب.الخطوات الإيرانية لا تهدف إلى الدخول في حرب كبرى مع الولايات المتحدة وحلفائها، بل تسعى طهران إلى تنفيذ مجموعة من الهجمات الصغيرة عبر وكلائها الإقليميين، وبعض عمليات الاستيلاء عبر قوّاتها البحرية، ملوّحة بورقة تعطيل الشحن البحري بين الشرق والغرب، وذلك من خلال تحجيم حركة الناقلات والشحن أو زيادة كلفة التأمين على تحركات السفن. فتعطيل أي من الممرات البحرية، ولو بشكل مؤقت، ستؤدي حتماً إلى زيادات كبيرة في إجمالي تكاليف الطاقة، خصوصا مع الأخذ بعين الاعتبار اعتماد سوق الطاقة الدولي على وسائل النقل البحري التقليدية بنسبة كبيرة. يبلغ عرض مضيق هرمز عند أضيق نقطة 21 ميلاً، ولكن عرض الممر الملاحي في كلا الاتجاهين يبلغ ميلين فقط، وتفصل بينهما منطقة عازلة طولها ميلان، المضيق عميق وواسع بما يكفي للتعامل مع أكبر ناقلات النفط الخام في العالم، حيث تحمل الناقلات حوالي ثلثي شحنات النفط التي يزيد وزنها عن 150 ألف طن. وقبل أيام أعلن الحرس الثوري الإيراني الاستيلاء على سفينة "مرتبطة" بإسرائيل في الخليج، وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" أن السفينة المحتجزة هي "إم إس سي أريس" وسيتم قطرها إلى المياه الإيرانية، مؤكدةً أن السفينة ترفع علم البرتغال وتديرها شركة زودياك المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي.حرب الناقلاتعلى مر العقود، اُستخدم مضيق هرمز في حروب مختلفة، كانت إيران شريكة فيها، لعل أبرزها الحرب الإيرانية – العراقية 1980 - 1988.وفي خضم الحرب، سعى كل من العراق وإيران خلال حربهما إلى عرقلة صادرات نفط البلد الآخر فيما عُرف في ذلك الوقت بحرب الناقلات. وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها إيران إلى التلويح بورقة مضيق هرمز إذ حدث ذلك سابقا: في 2012، هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز ردا على عقوبات أميركية وأوروبية استهدفت إيراداتها النفطية في محاولة لوقف برنامج طهران النووي. في 2015، صادرت سفن إيرانية سفينة حاويات في المضيق وأطلقت طلقات صوب ناقلة ترفع علم سنغافورة قالت طهران إنها دمرت منصة نفطية إيرانية. في 2018، لمح الرئيس الإيراني حينها حسن روحاني إلى أن بلاده قد تعطل مرور النفط عبر مضيق هرمز ردا على دعوات أميركية لخفض صادرات إيران من الخام إلى الصفر. في عام 2019، هدّدت إيران بإغلاق مضيق هرمز ردًا على العقوبات الأميركية التي فُرضت على طهران، ما أدى إلى تصعيد التوترات في المنطقة وتسبّب في ارتفاع أسعار النفط. في 2021، احتجزت إيران سفينة ترفع علم كوريا الجنوبية في مياه الخليج، واعتقلت أفراد طاقمه.الحروب المستقبليةفي هذا السياق، يقول الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجي والمتخصص في شؤون الأمن الإقليمي محمد فوزي إن "البحار والمضائق المائية ستكون خلال السنوات المقبلة، هي الساحة والمسرح الرئيسي للحروب والمواجهات، وذلك في ضوء جملة من الاعتبارات".أولها وفقا لفوزي "تصاعد حضور البحار والمضائق في الإستراتيجيات العسكرية للدول، وكذا تنامي التوجه نحو "عسكرة التفاعلات" في هذه الممرات البحرية، جنباً إلى جنب مع تنامي تكلفة التصعيد في الممرات البحرية ما يجعلها ورقة رابحة بالنسبة للعديد من الدول وكذا الفاعلين المسلحين من دون الدول، بالإضافة إلى تحول الممرات البحرية إلى ساحة للأنشطة غير المشروعة، الأمر الذي يزيد من معدلات الاضطراب وعدم الاستقرار".لماذا استهدفت إيران الناقلة في مضيق هرمز؟ بحسب الرواية الرسمية الإيرانية فإن الاستيلاء على السفينة تم بسبب "انتهاكها لقوانين بحرية" وأنها ترتبط بإسرائيل. وفي تصريح رسمي قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن "إيران تسعى جاهدة لخلق بيئة ملاحية آمنة في مضيق هرمز والخليج. وقد تم اقتياد السفينة إلى المياه الإقليمية الإيرانية نتيجة انتهاكها للقوانين البحرية وعدم الاستجابة لنداءات السلطات الإيرانية". يقول المحلل السياسي محمد سبايلة في حديث إلى منصة "المشهد" إن "مضيق هرمز هو الأهم في طرق التجارة الدولية ومرور النفط، وبالتالي أي مشكلة في المضيق يمكن أن تنعكس بشكل كبير على التجارة الدولية وسوق الطاقة الدولي، وعادة أي قلق أمني يرتبط في هذا المضيق يؤدي إلى استجابة دولية سريعة". ويضيف سبايلة "التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز هدفه إرسال رسالة دولية، وتعظيم فكرة الخطر، وذلك للحصول على المزيد من الأوراق التفاوضية لدى إيران، وخروجها من حالة الضغط التي تتعرض له". وبرأي سبايلة "إيران تستطيع أن تقوم بإغلاق مضيق هرمز، لكن لا تستطيع تحمّل كلفة إغلاقه، وذلك لأنها خرجت اليوم من الحروب بالوكالة إلى تبني الخطوات والهجمات التي تقوم فيها، وبالتالي هذا يضعها في صورة الدولة الراعية لكل هذه الممارسات، ومن ثم شرعنة فكرة استهدافها".ما هو مضيق هرمز؟ قناة تربط الخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب.بحسب شركة فورتيكسا للتحليلات النفطية فإن نحو 5 إنتاج العالم من النفط يمر عبر المضيق أي نحو 17.4 مليون برميل يوميا. يمر عبر المضيق معظم صادرات الخام من دول الخليج.يحد المضيق من الشمال والشرق إيران، ومن الجنوب سلطنة عُمان. يبلغ طول المضيق 280 كيلومترا، ويصل عرضه إلى 56 كيلومترا، لكن الممر الملاحي لا يتجاوز عرضه 3 كيلومترات في كلا الاتجاهين. تعتبر اليابان أكبر مستورد للنفط عبر مضيق هرمز. أيّ محاولة لإغلاق مضيق هرمز من قبل إيران، سيؤثر بشكل كبير على أسعار النفط والاقتصادات العالمية.من جهته، يشرح فوزي خصوصية مضيق هرمز وأهميته بالنسبة لإيران باعتباره مصدر قوة، قائلا: "90% من صادرات الشرق الأوسط من النفط تمر عبر مضيق هرمز، كما أنه وبحكم الجغرافيا يعد الممر العالمي الرئيسي لصادرات النفط والغاز، ومع التوقعات بتنامي الطلب العالمي على النفط سوف تزداد الأهمية الإستراتيجية للمضيق، كذلك فإن المضيق بات مسرحاً للوجود والتنافس الدولي، وبالتالي فإن إيران تنظر إلى السيطرة على المضيق باعتباره أداة ضغط يمكن توظيفها على أكثر من مستوى خصوصاً في ضوء التصعيد الجاري حالياً في المنطقة".سياسة إيرانية جديدة على عكس الأعوام الماضية، تبنّت إيران في الأيام الأخيرة هجمات ضد إسرائيل، الأمر الذي يعدّ سياسة إيرانية جديدة بعد عقود من حرب الوكالة بين تل أبيب وإيران. لكن وفقا للموقف الأميركي مما يحصل، فالولايات المتحدة لا تريد التحوّل إلى حرب مباشرة بين الجانبين، محاولةً جاهدة خفض التصعيد، وضبط ردود الفعل الإسرائيلية تجاه إيران. ويرى سبايلة أن "استهداف السفن في مضيق هرمز سيجعلها في حالة عزلة، ويضعها في صورة الدولة المارقة، أي راعية القرصنة، وهذا يجعلها تخسر الكثير، خصوصا أنها أبقت في الفترات الماضية على فتح خطوط دبلوماسية، وتحاول أن تتمتع بمرونة سياسية حتى تقدم شيئا مقابل شيء في المجتمع الدولي". ويشير إلى أن "قيام إيران بالقرصنة وتبنيها، وكذلك الهجوم بالمسيرات والصواريخ على إسرائيل، يضعها في زاوية ضيقة جدا، ويزيد من احتمالية الحشد الدولي ضدها من قبل المجتمع الدولي".فيما يرى فوزي أنه "يمكن لإيران في إطار استراتيجيتها للضغط عبر مضيق هرمز إلى تبني جملة من الأنماط التصعيدية، سواءً عبر الهجمات المباشرة التي ينفذها الحرس الثوري والذي يملك سلاحاً بحرياً يُضاهي عملياً البحرية النظامية، أو من خلال ما يمكن وصفه بـ "حرب الناقلات" على غرار استهداف الناقلات، أو السيطرة عليها، أو من خلال استراتيجية السيطرة على الجزر والتأسيس لوجود عسكري دائم في بعض الدول، كما يمكن لإيران أن تلجأ إلى التصعيد المباشر ضد الوجود العسكري الأميركي في دول الجوار، وذلك حال الوصول إلى سيناريو المواجهة المباشرة".(المشهد )