تتمتع مارين لوبان وحزبها التجمّع الوطني (RN) بشرعية منذ فوزه بعدد غير مسبوق من المقاعد في البرلمان العام الماضي، والزخم في صناديق الاقتراع منذ دخول لوبان في التيار المؤسسي.وعلى الرغم من أنّ فترة ولاية الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون الثانية لا يزال أمامها ما يزيد قليلًا عن 3 سنوات، إلا أنّ هناك شعورًا متزايدًا بالإلحاح داخل حكومته بشأن الكثير من الأهداف التي لم تتحقق بعد. وبحسب تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإنّ هذه الأهداف تتركّز حول الوصول إلى التوظيف الكامل، وجعل فرنسا أكثر ملاءمة للأعمال التجارية، وتحسين الخدمات العامة المكلفة وغير الفاعلة في كثير من الأحيان. ويعترف السيناتور المخضرم المتحالف بشكل وثيق مع الرئيس، فرانسوا باتريا، بأنّ تسليم مفاتيح قصر الإليزيه إلى لوبان سيكون بمثابة "كابوس" لماكرون. ويقول: "إنه يعلم جيدًا أنها إذا خلفته، فسوف يدينه الجميع بالقول إنّ ماكرون لم يفعل شيئًا فحسب، بل أدى أيضًا إلى وصول مارين لوبان". لقد تجسدت التحديات التي تواجه ماكرون في الدراما التي اندلعت ديسمبر الحاليّ بشأن إصلاح نظام الهجرة الذي طال انتظاره. ومع تشدد الرأي العام ضدّ الهجرة، أمضت الحكومة الفرنسية أشهر عدة في صياغة خطة تستعير سياسات من اليسار واليمين، في محاولة لحل المشاكل مع النظام، وهو النهج الذي يطلق عليه ماكرون اسم "الموقت".أسلوب حكم مُنهكوعلى الرغم من مرور أشهر من قيام الحكومة بالضغط على حزب الجمهوريّين المحافظ لتأمين أصواتهم، إلا أنّ الاقتراح كاد أن ينهار في البرلمان تحت هجوم اليسار باعتباره شديد القسوة ومن اليمين باعتباره متساهلًا للغاية. زعمت لوبان أنها فازت في المعركة الإيديولوجية، في حين اتهم السياسيون اليساريون والمنظمات غير الحكومية والنقابات، ماكرون، بالرضوخ لسياساتهم المعادية للأجانب. ويقول المحلل في مؤسسة "إبسوس" لاستطلاعات الرأي ماتيو غالارد، إنّ ماكرون جعل تمرير القانون أولوية حتى يثبت أنه لا يعرقله البرلمان، على الرغم من أنه اختار عدم استخدام شرط التجاوز المعروف باسم 49.وفي 3 أبريل الماضي، وبشأن مشروع قانون الهجرة، لجأ ماكرون إلى هذا التكتيك من أجل تمرير إصلاح نظام التقاعد الذي لا يحظى بشعبية بعد أشهر من الاحتجاجات في الشوارع.ومع احتدام الاحتجاجات خارج الجمعية الوطنية، نجت حكومة ماكرون من تصويت حجب الثقة بفارق ضئيل، ويبدو أنّ بعض النواب فقدوا أعصابهم خوفًا من أن يدعو ماكرون إلى إجراء انتخابات مبكّرة. ويحذّر أستاذ السياسة بجامعة نيس فنسنت مارتيني، من أنّ الأمر قد لا يكون هو الحال دائمًا. ويقول: "لقد وصلنا إلى النقطة التي يمكن لأحزاب المعارضة أن تتّحد فيها لإسقاط الحكومة لأنها تعتقد أنّ لديها ما تكسبه". وأضاف أنّ أسلوب ماكرون في الحكم "منهك ولا يتوافق مع ما يريده البرلمان والبلاد". ويؤكد عضو البرلمان عن حزب النهضة الذي يتزعمه ماكرون، مارك فيراتشي أنّ "تحالف المعارضة الذي شهدناه بشأن الهجرة لن يتكرر قريبًا". مواجهة الشعبويّينومع مرور ثُلثي فترة رئاسته الآن، لا يزال ماكرون غير قادر على الوفاء بالتعهد الذي قطعه عندما تم انتخابه لأول مرة في مايو 2017، بعد فوزه على لوبان - بالحكم بطريقة تؤدي إلى تحييد جاذبية الشعبويّين مثلها. وقد سمحت احتجاجات السترات الصفراء التي اندلعت في عام 2018 بسبب خطة الحكومة لزيادة ضريبة الوقود بتصوير الرئيس الفرنسي، على أنه تكنوقراطيّ بعيد المنال، وهي انتقادات استمرت في توجيهها ضده. ومنذ ذلك الحين، ظل المناخ في فرنسا متوترًا، ولا يبدو أنّ ماكرون قادر على التعامل مع الوضع. وقد استغل اليمين المتطرف هذه الأحداث كدليل على أنّ الهجرة الخارجة عن السيطرة تهدد أمن المواطنين الفرنسيّين، حتى لو كان الارتباط ضعيفًا وسعت الحكومة إلى دحض الانتقادات بقوة، بما في ذلك من خلال القانون الجديد. ويبدو من المرجح إجراء تعديل حكوميّ لتعيين رئيس وزراء جديد بعد معركة الهجرة. وصعدت لوبان ونائبها جوردان بارديلا (28 عامًا) الذي يرأس حزب الجبهة الوطنية، إلى المركزين الثالث والرابع في استطلاعات الرأي التي أُجريت بين الشخصيات السياسية الأكثر شعبية في فرنسا. وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "لوموند"، أنه للمرة الأولى منذ عقد من الزمن، يرى عدد أكبر من الناس الآن حزب الجبهة الوطنية كحزب يمكنه الحكم وليس فقط أن يكون في المعارضة، وقد فتحوا تقدمًا بـ 12 نقطة استطلاعية ضدّ حزب ماكرون قبل الانتخابات البرلمانية في يونيو. وألمح ماكرون مؤخرا إلى أنه سيفعل شيئًا ما في يناير المقبل لتعزيز وحدة ما وصفها بأنها فرنسا المنقسمة والمتشككة. ولا يزال الرئيس يرى أنّ دفع فرنسا إلى التوظيف الكامل - أي ما يعادل معدل بطالة يبلغ 5% من نحو 7% الآن - هو مهمته الأساسية منذ أن تترجم المشاركة الأعلى في القوى العاملة إلى المزيد من الثروة والمزيد من الضرائب على خزائن الحكومة. ويقول عضو في الحكومة، إنّ هناك حاجة ملحة لإصلاح المستشفيات والمدارس والمحاكم الفرنسية، من أجل "محاربة الشعور بالتدهور" الذي يعانيه قطاع كبير من الجمهور الفرنسيّ ويتركهم عرضة لجاذبية الشعبويّين.(ترجمات)