في أول تحرك عربيّ عمليّ على الاتفاق الذي أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط الإقليمية والدولية، والموقّع مؤخرًا بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال (صوماليلاند)، أعلنت جامعة الدول العربية عن عقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية العرب غدًا الأربعاء، للتباحث حول مذكرة التفاهم التي وقّعتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال مطلع الشهر الجاري.وتقضي مذكرة التفاهم تلك التي تم التوقيع عليها بين إثيوبيا وأرض الصومال، بمنح إثيوبيا منفذًا على البحر الأحمر على طول 20 كم، في ميناء بربرة لمدة 50 عامًا، وفي المقابل تعترف إثيوبيا رسميًا بجمهورية أرض الصومال، كما تحصل الأخيرة على حصّة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة.ويسعى الصومال من خلال التحركات العربية، إلى حشد تأييد واسع لموقفه الرافض من الاتفاق، والذي يمنح أديس أبابا حق استخدام ميناء بربرة المطلّ على خليج عدن في مدخل البحر الأحمر، وإنشاء قاعدة عسكرية لها هناك، مقابل الاعتراف بـ"أرض الصومال" كدولة مستقلة.تأييد عربي لدولة الصومالوحول الاجتماع المرتقب لوزراء الخارجية العرب بشأن تلك الأزمة، أوضح المتحدث الرسميّ باسم الأمين العام للجامعة العربية المستشار جمال رشدي، في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد"، أنّ هذا الاجتماع "سيُعقد على خلفية مذكرة شارحة قدّمها الطرف الصوماليّ تم توزيعها على دالول الأعضاء بالجامعة، والتي حصلت على تأييد من أكثر من 13 دولة لعقد الاجتماع والذي سيتم عبر الفيديو، وذلك بسبب صعوبة حضور الوزراء لمقر الجامعة العربية في هذا التوقيت، لانشغالهم بالكثير من الارتباطات".أشار إلى أنّ هذا الاجتماع يأتي "لتدارس ومناقشة التداعيات الخطيرة لهذا الاتفاق"، وشدد رشدي على "موقف الجامعة العربية الرافض لتلك الخطوة جملة وتفصيلًا"، واعتبرها "عملًا عدوانيًا يهدد حسن الجوار والتعايش السلميّ والاستقرار في المنطقة، التي كانت تئنّ من وطأة نزاعات وتوترات مختلفة".وطالب المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية، بأهمية "الالتزام بقواعد حسن الجوار، من أجل تعزيز السلام والأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي"، مؤكدًا أنّ هذه الخطوة التي أقدمت عليها إثيوبيا "تمثّل انتهاكًا وتزيد من تأجيج الأوضاع بالمنطقة"، محذرًا من خطورة تداعياتها، ورفض وإدانة أيّ مذكرات تفاهم تخلّ أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية.استغلال الأوضاع الداخليةورفض جمال رشدي محاولة الاستفادة من "هشاشة الأوضاع الداخلية في الصومال، وتعثّر المفاوضات الجارية بين أبناء الشعب الصومالي، بشأن علاقة أقاليم الصومال بالحكومة الفيدرالية، في استقطاع جزء من أراضي الصومال بالمخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، وبما يهدد وحدة أراضي الدولة الصومالية ككل"، وحذر من "خطورة تأثير تلك الخطوة على نشر الأفكار المتطرفة والإرهاب، في وقت تقوم الدولة الصومالية بجهود ضخمة لمواجهته".وكان إقليم أرض الصومال يسمّى سابقًا باسم الصومال البريطاني، حيث احتلته بريطانيا عام 1884، ثم أعلنت استقلاله عام 1960، وهو أحد الأقاليم الصومالية التاريخية، وفي 1981 تشكلت حركة تحرير أرض الصومال، بدعم عسكريّ ولوجستيّ من إثيوبيا، ودخلت في مواجهات عسكرية ضدّ نظام الرئيس الصوماليّ آنذاك محمد سياد بري، ومع سقوط نظام برّي عام 1991، أعلنت الحركة الاستقلال في الإقليم في العام نفسه. وأصدرت الحركة دستورًا جديدًا للإقليم، تمت الموافقة عليه في استفتاء عام 2001، وفي 2003 رفضت دعوات المشاركة في محادثات سلام إعادة توحيد الصومال، لذا يشير رشدي إلى أنه على الرغم من أنّ هذه المنطقة أعلنت عن نفسها بأنها مستقلة، إلا أنها لم تحظَ باعتراف أيّ طرف داخل الأسرة الدولية حتي اليوم، وبالتالي فإنّ الاتفاق الإثيوبيّ مع صوماليلاند من أجل الحصول على منفذ بحريّ بطول 20 كيلو مترًا عبر طريق التهجير، يعدّ باطلًا، كما أنه يمثّل انتهاكًا واضحًا لسيادة ووحدة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية وكذلك للقانون الدولي.تداعيات خطيرةوحذّر رشدي من التداعيات التي وصفها بالخطيرة على حدّ قوله، من تلك الإجراءات الأحادية الجانب من قبل إثيوبيا، والتي قد تشكل تهديدًا للأمن القوميّ العربيّ والملاحة في منطقة البحر الأحمر، وأكد في الوقت ذاته أنّ شراكة أديس أبابا بإقليم انفصاليّ غير معترف به، قد يفتح الباب إلى مزيد من الصراعات في منطقة القرن الإفريقي، وتزيد من حدة التوترات بين دولها، وتشكل خطرًا على هذه المنطقة الملتهبة أساسًا، بسبب هجمات (الحوثيّين) على السفن والممرات الملاحية".ولفت رشدي إلى أنّ القارة الإفريقية تشهد في هذه المرحلة زيادةً في الصراعات والنزاعات التي تقتضى تكاتف الجهود من أجل احتوائها والتعامل مع تداعياتها بدلًا من تأجيجها، وشدد في ذات الوقت على أنّ هذه الخطوة قد تدفع حركة الشباب داخل الصومال، إلى القيام بخطوات تصعيدية ما قد يتسبب بتوترات في الداخل الصومالي.وتعدّ إثيوبيا دولة حبيسة لا تطل على أيّ واجهة بحرية، إذ تحدّها من الغرب كينيا وجنوب السودان، ومن الجنوب الصومال، ومن الشرق جيبوتي وإريتريا، ومن الشمال والشمال الغربيّ السودان.وفقدت إثيوبيا وهي ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، قدرتها على الوصول إلى البحر، عندما انفصلت إريتريا عنها، وأعلنت استقلالها عام 1993، ومنذ ذلك الحين اعتمدت إثيوبيا على جيبوتي في التجارة الدولية، حيث يمر أكثر من 95% من وارداتها وصادراتها عبر ممر أديس أبابا - جيبوتي.وأثار الاتفاق الذي تم توقيعه مطلع الشهر الجاري بين إثيوبيا و"صوماليلاند"، جدلًا كبيرًا داخل الأوساط الإفريقية المختلفة، باعتبار أنه يعمل على تقويض الاستقرار في الأراضي الصومالية، ويمثل انتهاكًا واضحًا لسيادة الدولة الصومالية، لذلك طلبت الصومال بعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية للوقوف على تداعيات هذا الاتفاق.(المشهد)