يترقب السودانيون بحذر شديد الجهود الإقليمية والدولية، لإنهاء الحرب الدائرة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بزعامة حمدان دقلو "حميدتي"، والتي دخلت شهرها العاشر، مخلفة وراءها أكثر من 13 ألف قتيل ونحو 26 ألف جريح، وسط أزمة إنسانية بلا حدود بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) مؤخرا.وخلال الأسابيع الأخيرة، شهدت تطورات كبيرة في الحرب بالسودان المستمرة منذ 9 أشهر، فقد حققت قوات الدعم السريع تقدما كبيرا وسيطرت على مساحات كبيرة في ولايات الجزيرة وكردفان ودارفور.كما زار حميدتي عددا من الدول الإفريقية والتقى بزعمائها، وهو ما أثار غضب الحكومة السودانية والبرهان.واعتبر المحللون أن تحركات حميدتي دائما ما كانت تسبق البرهان بخطوة في الداخل والخارج، وهو ما ساعد في حصار البرهان إقليميا."تعنت البرهان" من جانبه، تقول مديرة تحرير جريدة الأهرام المصرية والمتخصصة في الشؤون الإفريقية أسماء الحسيني، إن الحرب السودانية التي يكتوي بنيرانها كل السودانيين الآن، أصبح لها أبعاد قبلية وحزبية وجهوية، وكل يوم تتورط أهداف جديدة سواء داخلية أم إقليمية أم دولية في تلك الحرب، وبالتالي تزداد الأمور تعقيداً، ومن ثم فلا سبيل سوى الجلوس على مائدة تفاوض تجمع مختلف أطراف الصراع للخروج من المأزق الحالي.ووصفت الحسيني في حديثها مع منصة "المشهد" موقف الجيش السوداني بقيادة البرهان تجاه الأزمة القائمة "بالسلبي"، مؤكدة أن "هناك تعنتا واضحا من قبل الجيش في عدم التوصل إلى تفاهمات جادة، تعمل على الدفع نحو حل الأزمة، ومن ثم فإن مواقف الجيش تعمل على تأزيم الموقف"، وحمّلت الحسيني البرهان مسؤولية "إخفاق المفاوضات".كما ترى أن "هذه الانتصارات الميدانية ساهمت وبشكل فاعل على تفوق حميدتي على البرهان وجعله في موقف قوي، إضافة إلى نبذ الشعب السوداني الإسلاميين الذين يقاتلون بجانب الجيش ويقفون معه رغبة منهم في العودة مرة أخرى للواجهة في السودان، ومن ثم يعملون على عرقلة أية جهود".وأوضحت الحسيني أن حميدتي يسبق البرهان في العديد من الأمور سواء أكان داخلياً وهو ما برز في الاتفاق الذي وقّعه مع القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" وجلوسه مع أعضاء هذه القوى وعقده مشاورات معهم بخصوص مستقبل البلاد، أم من خلال جولاته المكوكية الخارجية ولقاءاته بعدد من قادة الدول الإفريقية المعنية بالأزمة السودانية.واستدعى السودان سفراءه من دول إفريقية مثل كينيا بسبب استقبالها قائد قوات الدعم السريع.كما علّقت الخرطوم مشاركتها في قمة "الإيغاد" بسبب "تجاهل المنظمة لقرار السودان الذي نقل إليها رسميا بوقف انخراطه وتجميد تعامله معها في أي موضوعات تخصه"، وهو ما لم يحدث في قمة المنظمة الاستثنائية التي عقدت بأوغندا الخميس.وشارك في قمة "الإيغاد" كل من رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان "دقلو"، فيما الحرب السودانية مستمرة منذ أكثر من 9 أشهر بين الجيش والدعم السريع.وترى الحسيني أن البرهان "يعمل على تدمير العلاقات الدبلوماسية للسودان، وزعزعة ما تبقى من ثقة للمجتمع الدولي في السلطة القائمة، وهذا خطأ يتحمله البرهان وحده"، لافتةً إلى أن مجموعة "إيغاد" تضم دولاً إفريقية مهمة، "لا يمكن للسودان أن يعيش في مناصبتها العداء، إضافة إلى أنها تجد كامل التأييد من الأغلبية العظمى لدول الاتحاد الإفريقي".وأوضحت أنه في الوقت الذي يقطع البرهان علاقاته مع هذه الدول الإفريقية "أن نرى دقلو يسعى بشكل قوي لكسب الأطراف الإقليمية وعدم معاداة أي طرف، من أجل حشد الدعم اللازم له"."انعكاسات خطيرة"وحول عدم حضور الجيش والحكومة السودانية قمة إيغاد التي عقدت الشهر الجاري، أوضح المحلل السياسي السوداني عمر عبد العزيز، أنه كان من الضروري أن يذهب وفد الجيش السوداني إلى قمة (إيغاد) ولو بتمثيل أقل، ويعلن عن تحفظاته أمام القمة، وتوضيح موقفه من داخل الاجتماع أفضل من عدم التعامل مع منظمة مهمة، مؤكداً أن هذه الإجراءات تزيد من الشك لدى المجتمع الدولي والشعب السوداني، تجاه جدية الجيش في الوصول لتفاهم لإيقاف الحرب وتحقيق السلام، وهو أمر محبط للغاية ويزيد من معاناة المواطنين.وأضاف عبد العزيز في حديثه مع منصة "المشهد" أن"ما فعله الجيش يدعم موقف دعاة الحرب الذين يحشدون لاستمرارها ويعملون على توسيعها", وأوضح أن الغياب وعدم التواجد يؤدي إلى إفشال المبادرات كما حصل قبل ذلك في مفاوضات جدة. وتابع: "عدم وجود الجيش السوداني في المنابر الدولية يكون له انعكاسات خطيرة ومن ثم جميع الجهات تحمل الجيش المسؤولية في إخفاق المفاوضات". وتوقع عبد العزيز بأنه ستكون هناك ضغوطات كبيرة لحث الجميع للجلوس على مائدة التفاوض، وذلك لأن المصالح الدولية في هذه المنطقة باتت مهددة بفعل الحرب في السودان، ورغم انشغال المجتمع الدولي بالنزاعات والصراعات الأخرى الموجودة داخل المنطقة، لكن سيكون هناك ضغوط دولية بكل تأكيد على طرفي الصراع لإحراز تقدم نحو الحل.وأكد عبد العزيز أن حل المعضلة السودانية يحتاج إلى ضغوط إقليمية ودولية لأطراف الأزمة، وطالب بضرورة وجود جدية لدى الدول الفاعلة عالمياً لاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واللذان يستطيعان أن يمارسا ضغوطاً حقيقية على طرفي الحرب وداعميها الخارجيين، مشيراً إلى غياب الجدية الدولية في التعاطي الحازم مع أطراف الحرب، وينعكس ذلك بالتقاعس عن الاستجابة للأزمة الإنسانية للسودانيين النازحين بالداخل، ويشكل ذلك خذلاناً غير مسبوق في تاريخ الأزمات الإنسانية.أوضح أن الحديث عن أن الحل سوداني - سوداني فقط فهو قول غير صحيح وبعيد كل البعد عن الحقيقة، وذلك نسبة للامتدادات الخارجية للصراع.(المشهد)