يستمر الموقف الأميركي حول الهجمات الإسرائيلية في لبنان والعملية البرية بين المد والجزر، إذ تارة ما تبدي الإدارة الأميركية رفضها لما يحصل من تصعيد في المنطقة، وتارة أخرى تقدم دعما ماديا ومعنويا عبر التصريحات المتوالية من قبل كبار الساسة الأميركيين. وعلى الرغم من الجهود الأميركية حول وقف إطلاق النار والمستمرة منذ أشهر، إلّا أن هذه الجهود لم تفض إلى أي هدنة، بل على العكس، الهجمات الإسرائيلية تتوسع في المنطقة يوما بعد بوم. الأمر الذي يثير تكهنات وتساؤلات حول حقيقة الموقف الأميركي من التصعيد الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، خصوصا حول العملية البرية في جنوب لبنان.كما أصبحت المنطقة على شفا الهاوية بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل بأكثر من 250 صاروخا، وتعهد تل أبيب بالرد عليه.الموقف الأميركي عبر تاريخ الصراع العربي مع إسرائيل، كانت واشنطن تاريخياً داعمة لحليفتها في كل الحروب التي خاضتها. وتضمن هذا الدعم الاجتياح البري للبنان في عام 1982، والذي كان هدفه المعلن تدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وحرب 2006، والتي كان هدفها المعلن الدفاع عن النفس ضد هجمات "حزب الله". واليوم في ظل إصرار إسرائيل على التوغل بريا في لبنان، ومع اختلاف الظروف، يبدو الموقف الأميركي مشابها. بالأمس، قالت صحيفة "واشنطن بوست" نقلا عن مسؤول أميركي إن "واشنطن وتل أبيب تفاهمتا على عدم تكرار ما حدث في غزة في لبنان"، وإن "خطط إسرائيل للعملية البرية المحدودة القريبة في لبنان متوافقة مع الولايات المتحدة". وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد العبادي في حديث إلى منصة "المشهد" إن "الموقف الأميركي يبدو حتى الآن مخادعا للغاية. في كل مرة بدت الولايات المتحدة الأميركية بأنها تريد تهدئة أو وقف لإطلاق النار في غزة، أو أنها تريد منع إسرائيل من الاجتياح البري للبنان كان يأتي الواقع مخالفا ومغايرا". ويضيف العبادي "أصبح الأمر واضحا للغاية، عندما تقول واشنطن أي شيء، يمكن فهم عكسه، أي يمكن وضع التحليلات والتصورات بناء على العكس هذا التصريح، وبالطبع الإدارة الديمقراطية الحالية لا تريد حالة التصعيد الكبيرة، التي قد تفتح حربا مفتوحة في المنطقة وهي تمر بمرحلة انتقالية، والتي قد تضر بفرص الديمقراطيين للوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة". ويشير العبادي إلى أن "الإدارة الديمقراطية لا تملك خيارات حقيقية لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على تنفيذ أي وقف لإطلاق النار، لأن في النهاية نتانياهو يستطيع أن يخوض حربا ضد الديمقراطيين حاليا، من خلال اللوبي الصهيوني وتحريك الكائنات التابعة لإسرائيل في الولايات المتحدة بما يؤثر على فرص كامالا هاريس في الفوز". "توغل محدود"بدوره يشرح المحلل السياسي أحمد رفيق عوض لـ"المشهد" أن "الموقف الأميركي يتلخص في الموافقة على التوغل المحدود في لبنان، وذلك لأن واشنطن لا تريد حربا شاملة تؤثر عليها سياسيا واقتصاديا في هذه المرحلة الحساسة. لكن هي موافقة وشريكة على تدخل بري محدود". وتابع رفيق عوض أن أميركا ستعطي الوقت اللازم لإسرائيل لإنهاء مهمتها في لبنان لتحقيق ما تستطيع من ذلك:القضاء على البنية التحتية لـ"حزب الله" في جنوب لبنان.محاصرة مقاتلي الحزب والبيئة الحاضنة. إبعاد قوات الرضوان إلى ما بعد الليطاني، وتطبيق القرار الأممي 1701 بالقوة وليس بالتفاوض.الوصول إلى تسوية سياسية نتيجة الضغط الإسرائيلي على "حزب الله". هذا وتواجه الولايات المتحدة انتقادات كبيرة بسبب دعمها العسكري لإسرائيل، والتي تتزامن مع ارتفاع عدد القتلى بشكل يومي سواء في لبنان أو في غزة. من جهته، يبين الباحث والمحلل السياسي محمد نادر العمري، أن "التوغل الإسرائيلي في لبنان تم بموافقة أميركية، ودليل ذلك المساعدات التي قُدمت لإسرائيل قبل أيام من التوغل وكان قدرها 8.7 مليارات دولار". ويضيف العمري "لا توجد رغبة أميركية جادة وحقيقة حول وقف إطلاق النار في الوقت الحالي، بل على العكس هناك مصلحة إسرائيلية – أميركية مشتركة في ذلك، إذ إن ما يتم اليوم من تغيير قواعد الاشتباك ومعالم الشرق الأوسط يأتي ضمن المشروع الأميركي الذي أعلن منذ عام 2006 من قبل وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس بإيجاد نظام شرق أوسطي جديد".وتوصل تقدير موقف صادر عن معهد "يروشاليم" للإستراتيجية والأمن إلى أن "أحد أسس المفهوم الأمني الإسرائيلي الذي تم اعتماده منذ عقود هو الحفاظ على الدعم الأميركي العابر للأحزاب حتى خلال الفترات التي كانت فيها الإدارات في البيت الأبيض "أقل تعاطفا" مع إسرائيل، التي بدورها أدركت طوال هذه السنوات كيفية التلاعب بالأطراف المختلفة، للإبقاء على الإجماع الأميركي الداعم لها عسكريا ودبلوماسيا".الانتخابات الأميركية فرصة لإسرائيل تعيش الولايات المتحدة اليوم شهورا انتخابية حاسمة، تقرر من الذي سيكون سيد البيت الأبيض لـ4 سنوات مقبلة، في ظل منافسة شرسة وغير مسبوقة بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، والجمهوري دونالد ترامب. ونظرا لقدرة إسرائيل بالتأثير على مسار دعم مرشح دون غيره، يخشى كلا المرشحين من إغضاب تل أبيب في ظل هذه الظروف الحاسمة. يلفت رفيق عوض أن "الانتخابات الأميركية جاءت لصالح تل أبيب، من ناحية أن الطرفين يحاولان إعطاء إسرائيل ما تريد، ولا يضغطان عليها، حيث إن اللوبيات الصهيونية واليهودية في أميركا تضغط من أجلها، وبالتالي هي تدرك أن هذه اللحظة حاسمة بالنسبة لها، من أجل القضاء على تهديد الشمال (حزب الله) والجنوب (غزة)". يملك اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وبالتحديد المنظمات العاملة تحت مظلته مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك) تأثيرا كبيرا على مسار السياسية الخارجية للولايات المتحدة، خصوصا في القضايا المتعلقة بالمصالح الإسرائيلية، بالإضافة إلى قدرته على التأثير على الدعم الأميركي لإسرائيل، والدفاع عنها في المنابر الدولية. نتيجة لذلك، يرى العبادي أن "الانتخابات الأميركية جاءت لصالح إسرائيل في الحرب، بل أن الكثير من القرارات المتعلقة بالتصعيد والاغتيالات، لم تكن قد تحدث أو يملك نتانياهو والقيادة العسكرية في إسرائيل الجرأة لاتخاذها لو أن الولايات المتحدة لا تمر بهذه الظروف الدقيقة". ويضيف العبادي أن "نتانياهو يراهن على أن لا أحد يستطيع الوقوف في وجهه سواء أكان ديمقراطيا أو جمهوريا، في وقت لا أحد من المرشحين يفكر اليوم أبعد من الفوز بالانتخابات الرئاسية، وكيف يمكن توظيف هذه الظرفية الدقيقة والحساسة على في اتجاه المكاسب الانتخابية". ولا يمكن التنبؤ اليوم بطريقة تعاطي كل من المرشحين للرئاسة مع تل أبيب، في وقت أن جميع التصريحات التي تصدر منهما تأتي في سياق الدعاية الانتخابية. (المشهد )