لم يكن عام 2023 عاديا على الأردن شأنه شأن الكثير من دول الإقليم وحتى العالم، وهو الذي تعامل مع ملفات عدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.وعلى الرغم من التحديات التي واجهت المملكة، فإن الدبلوماسية التي تحلّت بها مكّنتها من الحفاظ على استقرار البلاد في ظل ملفّات حساسة تعاملت معها الحكومة سياسيا واقتصاديا. يعدّ الملفّ الاقتصادي الأهم في الأردن داخليا، إلا أن الملف السياسي هو ما يأخذ صدى أكبر، خصوصا العلاقات الخارجية حيث يواجه الأردن تحديات فيها بما في ذلك العلاقة مع إسرائيل والقضية الفلسطينية والأزمة في سوريا. في عام 2023، واجه الأردن تحديات اقتصادية، منها أزمة الدين العام الذي كان يشكّل تحديا كبيرا ولا يزال، وأزمات الطاقة وغلاء المعيشة والبطالة، إلا أنه في الوقت ذاته تمكن من إحراز تقدم مهم في ملفات أخرى متساوية في الأهمية. اقتصاد مستقر وسط الأزمات ووفقاً لمنتدى الاستراتيجيات الأردني، فإن الأردن عانى من أزمات ضمن 3 محاور رئيسية وهي الدين العام، وتكلفة غلاء المعيشة، وفرص العمل والتوظيف. وطالب المنتدى بضرورة تنفيذ ما جاء في رؤية التحديث الاقتصادي ضمن المحركات الثمانية والمبادرات المختلفة. إلا أن الأردن وخلال عام كامل، أحرز نجاحات أيضا بعد دخول قانون البيئة الاستثمارية الجديد حيّز التنفيذ في 14 يناير الماضي.ويُعد هذا القانون من أهم القوانين الاقتصادية في الأردن حاليا. ومن هنا، قال نائب رئيس الوزراء الأردني للشؤون الاقتصادية الدكتور جواد العناني، في تصريحات لمنصة "المشهد" إن "قانون البيئة الاستثمارية الجديد دخل حيّز التنفيذ في بداية عام 2023، بعد 90 يوما من صدوره في الجريدة الرسمية منتصف أكتوبر 2022". واعتبر العناني أن القانون "يُحسّن من البيئة الاستثمارية ويرفع من منزلة الأردن في سُلّم الرقم القياسي للبيئة الاستثمارية". ولفت إلى أن القانون "يعمل على حساب ردود أفعال المستثمرين بالاستثمار في الأردن، كما أنه برنامج انطباعات وليس دراسة علمية". وشدد على أن القانون جاء "لرفع الاستثمار حيث تم إنشاء وزارة الاستثمار بعد أن كانت هيئة، والهدف منه ليس التحول من هيئة إلى وزارة فقط بل تحسين الاستثمار". وينص القانون على مساواة المستثمر الأردني بالمستثمر الأجنبي، وحماية الاستثمارات وحرية تحويل الأموال وضمانات وحوافز تشجيعية مرتبطة بالقيمة المضافة للاستثمار، بالإضافة إلى رقمنة وأتمتة الإجراءات والخدمات لتخطي المعوقات الإدارية والإجرائية، وتشجيع الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية والريادية والابتكار والبحث والتطوير وغيرها. واعتبر العناني في حديثه لـ"المشهد" أن هناك قوانين عدة حالت دون تيسير الأمور بسرعة لغايات تشجيع المستثمرين الذين كان يتوجب عليهم الانتظار لفترة طويلة من أجل إكمال أعمالهم. وأوضح أن القانون "يطوّر البيئة الاستثمارية ويسهّل المعاملات ويعمل على استيعابها"، لافتا إلى أن "أفضل قوانين العالم إن تم تطبيقها عبر أشخاص غير مؤهلين سيتم إضاعة البيئة الاستثمارية". تفاوض مع صندوق النقد وفي العام الحالي، تمكن الأردن من إنجاز المراجعتين السادسة والسابعة لبرنامجه مع صندوق النقد الدولي بنجاح. واستطاعت الحكومة أن تدخل في مفاوضات لإبرام اتفاق جديد مع الصندوق للسنوات الأربع المقبلة. ومن هنا، قال العناني إنه من المهم للأردن أن يعطي انطباعا إيجابيا عنه، مؤكدا أنه "كان على المملكة التفاوض مع الصندوق والاتفاق معه على مجموعة من الإجراءات في ظل أن التقارير تذهب إلى الدائنين المهمين في العالم مثل صندوق التنمية العربي السعودي وصندوق التنمية الكويتي والصناديق السيادية في بعض الدول التي تريد أن تستثمر في الأردن".وأضاف "إذا تحدّث صندوق النقد الدولي عن أن الأردن عندما يحصل على قرض لا يستطيع سداده، سيصبح تقييم المملكة في وضع متدنٍي ويؤدي ذلك إلى تقليل فرص قدرته على الاقتراض لإقامة الاستثمارات والمشاريع أو أنه يجعلها أكثر كلفة بكثير لأن المخاطرة عالية". وشدد على أن الأردن اتخذ الكثير من الإجراءات التي تضمن للدائنين الحصول على أموالهم فيما بعد باستشارة دولية من صندوق النقد الدولي الذي يدرس الموازنات ويرى الإنفاق إن كان صحيحا وإن كان هناك قدرة على جمع الضرائب وتخفيف حجم الديون في ظل ظروف سياسية جيدة. ولفت إلى أن التصنيف الائتماني للأردن جيد حاليا، إلا أنه ليس في الترتيب الممتاز، وذلك يعود إلى المخاطر الجيوسياسية المحيطة. دبلوماسية الحرب أما في الملف السياسي، وتحديدا بعد 7 أكتوبر، ظهر الأردن بموقف حاد من الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، خصوصا في ظل القصف المدمّر الذي يهدف إلى قتل أكثر عدد من الفلسطينيين، وفق محللين سياسيين. وقال الخبير في العلاقات الدولية الدكتور بدر الماضي، إن الدور الأردني الرسمي فيما يخص حرب غزة ارتبط بالدور الأساسي في البعد الإنساني لهذه الأزمة، والتي تعتبر "أزمة العصر الحديث". الأردن منذ البداية الأولى لهذه الحرب لعب دوراً أساسياً فيما سُمّي بالدبلوماسية التصاعدية التي مارستها عمّان بحرفية عالية، وفق تصريحات الماضي لمنصة "المشهد". وأضاف أن الأردن "حسم خياراته منذ البداية وهو يعلم أن هناك علاقة مميزة مع الولايات المتحدة وعلاقة موجودة رسمياً إلا أنها سيئة مع إسرائيل". وكان الأردن يُدرك أن الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل جزءاً من أجندتها السياسية الداخلية والخارجية، ولكن عمّان أصرت على أن تأخذ هذا الدور الوطني الأخلاقي اتجاه قطاع غزة لما يعتبره الأردن بأنه لا مجال إلا أن يكون الأردن إلى جانب الشعب الفلسطيني وقطاع غزة، بحسب الماضي.وأضاف أن الأردن شارك في جميع القمم التي اقتُرحت من أجل هذا الموضوع وعلى مستوى القيادة. وقال إن "العاهل الأردني ساهم في كل اللقاءات السياسية التي جرت من أجل هذا الملف، الذي انتهى بتصعيد من قبل وزير الخارجية أيمن الصفدي بدرجة عالية وأعلن أن اتفاقية السلام مع إسرائيل هي مجرّد ورق على رف يعلوه الغبار إن استمرت إسرائيل في تهديدها لمصالح المملكة". وأضاف الماضي لـ"المشهد": "الكثيرون يتساءلون عن المآلات التي يمكن أن تؤول لها العلاقة الأردنية الأميركية والإسرائيلية بعد انتهاء الحرب، ولكن المملكة استطاعت أن ترسم مشهدا دوليا جديدا من خلال علاقتها مع أوروبا والمؤسسات الدولية ومن خلال الثقة التي دائما ما يمنحها إياها المجتمع الدولي". الموقف السياسي الأردني اتجاه غزة، وفق الماضي يجب النظر إليه بالنسق التاريخي، حيث إن الملك قبل 7 أكتوبر كان قد حذّر وبشدة في كلمته التي وجهها من الولايات المتحدة أن الوضع قابل للانفجار في قطاع غزة. واعتبر أن التقييم الملكي حينها كان صائباً "ينم عن بعد نظر في إدارة هذا الملف والمعرفة فيه". وأكد الماضي أن "الأردن دائماً ما كان يحذّر بأن كل المشاكل الدائرة في الشرق الأوسط وحتى في العالم ستكون بوابتها ونهايتها هو حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً". الأزمة السورية وفي الملف السوري، أدى الأردن دورا مهما في حلحلة الأزمة السورية، وكان له خطوة في عودة سوريا لجامعة الدول العربية. وبنى الأردن آمالا كبيرة جداً على عقلانية الحكومة السورية بعد الحرب التي استمرت في سوريا طيلة الأعوام الماضية. ومن هنا، أكد الماضي في حديثه لـ"المشهد" أن "الحكومة السورية يبدو أنها لا تريد أن تقترب من وجهة النظر الأردنية على الرغم من أنها مدعومة من وجهات نظر عربية أُخرى من أجل إعادة دمشق تدريجياً إلى الجامعة العربية والواقع العربي في ظل اعتراف حتى ولو كان ضمنيا من دمشق بعدم قدرتها على إدارة المشهد الجديد بنفس العقلية القديمة". وأضاف "البعد الشخصي حكم علاقة الحكومة السورية مع المبادرة العربية بعودة دمشق إلى الجامعة العربية"، مبينا أن الأردن اعتمد سياسة النأي بالنفس في الوقت الحالي عن محاولة الدفع باتجاه قبول الحكومة السورية كعنصر أساسي من عناصر التحرك العربي في المنطقة بسبب تردّده في إعادة تقييم المرحلة السابقة الكاملة وبسبب التردد السوري في إعادة تقييم ما جرى داخليا خلال الأعوام الماضية من عمر الحرب. وقال الماضي إنه "لا يجب أن ننسى أن ما يجري في سوريا هو بالتالي يخضع للمزاج الإيراني الراهن، وأن طهران لا ترى من عودة سوريا لجامعة الدول العربية قرارا صائبا وخطوة جيدة تؤدي لحل المشكلات في البلاد". تحديات أمنية على الحدود انتهى عام 2022 على خطر عصابات تهريب المخدّرات، وتواصل هذا التهديد لأمن الأردن خلال العام الحالي، ليتّخذ الأردن سلسلة من الخطوات بعد أن نفد صبره من قدرة الحكومة السورية في منع التهريب من جنوب سوريا نحو شمال المملكة. وقال الماضي إن "الأردن دخل في مرحلة جديدة وهي البعد الأمني في حرب المخدرات، وأعلن منذ البداية أن حرب المخدرات تعتبر حربا على الأمن الوطني الأردني وتهديدا على المجتمع". وأضاف "حاول الأردن دوما أن يبتعد وينأى عن اتهام الحكومة السورية مباشرة والاتهام المباشر للمليشيات الموجودة في الجنوب السوري المدعومة من إيران، ولكن في الفترة الأخيرة وبسبب الهجمات المتكررة من تجار المخدرات وتهريب كميات كبيرة جدا، بدأت عمّان تنظر لهذا الملف من منظور أمني سياسي ينطوي تحت رعاية إقليمية إيرانية وضمن أجهزة رسمية موجودة في الحكومة السورية". واعتبر أن "التهريب لم يعد مجرّد محاولات للكسب المادي، وإنما تعدّاه الأمر ليذهب لتورّط بعض الأجهزة داخل سوريا"، بحسب المتحدث.وقال الماضي: "يبدو أن إيران قرّرت من خلال مليشياتها وأذرعها، محاولة العبث بالأمن الوطني الأردني بعد تمكنها من العبث بالأمن القومي في العراق واليمن وسوريا". الأردن يعي تماما أن هذا الملف عنوانه الأساسي ليس المخدرات وإن كانت هذه المخدرات هي جزء من ذلك ولكن العنوان الأساسي هو "زعزعة أمن واستقرار الدولة الأردنية".في 18 ديسمبر، دخلت القوات المسلّحة الأردنية باشتباك دام نحو 14 ساعة ضد عصابات المخدّرات القادمة من الجنوب السوري، خصوصا بعد أن ارتأت هذه المجموعات محاولة تهريب مخدرات وأسلحة وصواريخ. إلا أن الأردن يعيش تحدّيا ليس بأقل مما يجري في الحدود الشمالية، وهو ما يخص ضفته الغربية التي شهدت تعزيزات عسكرية في وجه تحديات أمنية وجب التعامل معها بإجراءات وقائية. نهاية، فإن الأردن عاش نجاحات خلال عام 2023 لا تقل عن مروره بتحديات خطيرة، أدت إلى إحداث انعطافات في علاقاته ببعض الدول المحيطة به، فماذا يخبئ عام 2024 من أحداث للمملكة؟(المشهد)