بعد 13 عاما من الثورة على الرئيس السابق معمر القذافي، لا يزال الانقسام والركود يخيمان على المشهد السياسي في ليبيا، وعدم وجود أي أفق للخروج من الأزمة قريبا.ظهر هذا الانقسام بشكل كبير في الدعوات لمقاطعة احتفالات الثورة هذا العام، فقد دعا مواطنون لمقاطعة الاحتفالات، حيث طالبت في شرق ليبيا والمكلفة من البرلمان بإلغاء الاحتفال في شرق ليبيا.في المقابل، أقامت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، احتفالات كبيرة بمناسبة هذه الذكرى.وأثارت هذه الدعوات تساؤلات حول موقف الليبيين من الثورة بعد 13 عاما على اندلاعها، وما أسباب استمرار الأزمة السياسية حتى الآن، وهل هناك مخرج قريبا؟غياب الإصلاحيقول المحلل السياسي محمد الأسمر، إنه "بعد 13 عاما لم يتم التوجه بشكل فعلي وحقيقي لإتمام مقتضيات ومتطلبات الإصلاح، وفي مقدمة ذلك الاستقرار السياسي وتأسيس المؤسسات بشكلها التام".وأرجع الأسمر في حديثه مع منصة "المشهد" غياب عملية الإصلاح واستمرار الأزمة إلى انقسام قوى فبراير على نفسها وحصول تضارب في المشهد العام، وسيطرة الميليشيات على أجزاء معينة من الأراضي الليبية والموارد الاقتصادية للبلاد بالإضافة إلى القتال بين الميليشيات في طرابلس والمناطق الغربية. من جانبه، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة البريطانية ببنغازي أحمد المهداوي، أن "ثورة 17 فبراير كانت من أجل التغيير والتجديد، لكن الذي حدث أنها انحرفت عن مسارها الحقيقي ليتم استغلالها من قبل مجموعات مؤدلجة لخدمة أهدافها السياسية والاقتصادية الضيقة ضاربة بعرض الحائط ما يريده الشعب".وأضاف المهداوي في حديثه مع منصة "المشهد" أنه "من الأخطاء التي حدثت في الثورة أن المجتمع الدولي أسقط الدولة الليبية ولم يسقط نظام حكم القذافي ليترك البلاد في حلقة مفرغة من الفراغ المؤسساتي ويدخلها في حالة الفوضى السياسية التي تعاني منها ليبيا حتى الآن".ويرى مدير معهد الصادق للأبحاث أنس القماطي، أن "المهزلة الكبرى للإصلاح في ليبيا لا تستمر بسبب نقص الحلول، بل بسبب تبن مقيت للوضع الراهن من قبل الذين يستفيدون من اتفاق الأمم المتحدة السياسي الليبي". وقال القماطي في حديثه مع منصة "المشهد": "هذه الوثيقة التي وضعتها الأمم المتحدة بعد سقوط القذافي، التي كانت يفترض أن تكون خارطة طريق نحو الديمقراطية، تحولت إلى سلاح للجمود المتبادل، يستخدمه الفصائل المتنافسة التي تفضل هيمنتها المستمرة على أي فكرة من أفكار التجديد الوطني".هل كره الليبيون الثورة؟وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وانتشار الميليشيات في البلاد وغياب الأمن، تصاعدت الأصوات التي تندد بثورة 17 فبراير.ويرى الأسمر أن الليبيين لم يكونوا جميعا مع الثورة منذ بدايتها، مشيرا إلى أن رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل قال في 2011 إن الذين تجاوبوا مع فبراير لا يمثلون 20 % من الشعب الليبي.وقال: "اليوم شيئا فشيئا اتضحت الكوارث التي نجمت عن فبراير، وعندما أعلن سيف الإسلام رغبته في الترشح أظهرت استطلاعات الرأي تقدمه عن باقي المرشحين".في المقابل، قال القماطي: "روح ثورة فبراير ليست محل اتهام من قبل الشعب الليبي؛ إنما هي العرض المروع للنخب السياسية، التي لم تعين بالاقتراع، بل بتدخلات أجنبية، هي التي أثارت غضبهم". وأضاف: "الكتلة المنتشرة شرقاً وغرباً، قد اختطفت وعد الثورة، مستبدلة أحلام الديمقراطية بكابوس الانقسام المستمر. الكارثة الحقيقية لا تكمن في طموحات الشعب الليبي، التي لا تزال نبيلة كما كانت دائماً، بل في خيانة هذه الطموحات من قبل أولئك الذين حولوا الحكم إلى مسرح للعبث".وتشهد ليبيا فوضى عارمة منذ سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011، وتتنافس على السلطة حكومتان، الأولى تسيطر على غرب البلد ومقرّها طرابلس ويرأسها الدبيبة، وشُكّلت إثر حوار سياسي مطلع 2021، وأخرى تسيطر على شرق البلاد ويرأسها أسامة حمّاد وهي مكلّفة من مجلس النواب ومدعومة من المشير خليفة حفتر.وخلال الفترة الأخيرة، حدث تقارب بين مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، والمجلس الأعلى للدولة، وتم الاتفاق على مخرجات لجنة "6+6" بشأن قوانين الانتخابات.ولكن مع خسارة خالد المشري رئاسة المجلس الأعلى للدولة في 6 أغسطس الجاري، وصعود محمد تكالة، المعارض القوي لفكرة التقارب مع مجلس النواب، والتعديلات الدستورية الـ13 ومخرجات لجنة "6+6"، تساءل المراقبون عن مستقبل العملية السياسية وإجراء الانتخابات، وتزايدت هذه المخاوف بعد الاشتباكات الأخيرة.احتمالية إجراء انتخاباتويقول القماطي إن المسار الحالي لا يوحي بأي هروب وشيك من المستنقع. مضيفا "كلا النهجين، سواء كان من الأمم المتحدة أو المبادرات التي يُفترض أن تكون ليبية، ليسا إلا رقصات معقدة حول المشكلة، مصممة ليس لتسريع الطريق إلى الانتخابات بل لترسيخ الوضع الراهن تحت ستار الوحدة". وتابع مدير معهد الصادق "هذه الاستراتيجية، بعيداً عن كسر الجمود، تعد فقط بتعميق الانقسام أكثر، مؤكدة أن أي حديث عن الانتخابات يظل مجرد حديث، بدلاً من أن يكون خطوة ملموسة نحو الديمقراطية التي وُعد بها الليبيون".وتحمّل حكومة أسامة حماد في الشرق المبعوث الأممي عبد الله باتيلي مسؤولية تزايد الانقسام في البلاد وتضاءلت فرصة إجراء الانتخابات هذا العام. كما طالب بعض مديري البلديات في ليبيا الأمم المتحدة بتغيير باتيلي.وأكد القماطي "أن إلقاء اللوم على باتيلي لوحده عن مأزق ليبيا هو فقدان للبصيرة"، وأشار إلى أنه مجرد أحدث ممثل في سلسلة طويلة من مبعوثي الأمم المتحدة الذين لعبوا أدوارهم في نفس الدراما المتكرر.ركود وانسداد ويرى المهداوي أن المشهد السياسي الليبي يشهد حالة من الركود السياسي والانسداد لسوء إدارة البعثة الأممية للأزمة، ولا يعتقد أن هناك أي بوادر أمل لانتعاش الحوار السياسي في ليبيا.وقال: "ولا يمكن لهذه البعثة إنهاء العشرية السوداء لأنها أغفلت المشكلة الرئيسية في الأزمة الليبية ألا وهي المشكلة الأمنية والسلاح المنتشر والمليشيات المتصارعة على النفوذ والسلطة".ورغم توقف المعارك الكبرى منذ وقف إطلاق النار عام 2020، لا تزال فصائل مختلفة تسيطر على مختلف الهيئات الحكومية والأمنية.ويتكرر نشوب صراعات وجيزة في طرابلس منذ عام 2020 واندلاع صراعات بين الجماعات المتنافسة لأسباب ترتبط أحيانا بالصراع السياسي الأكبر في البلاد للسيطرة على مقاليد الحكم.وخلال الساعات الماضية، قتل 10 من عناصر جهاز دعم الاستقرار، إحدى الميليشيات القوية في غرب ليبيا، وهو ما يثير المخاوف من عودة العنف مرة أخرى.واستبعد الأسمر فكرة إجراء انتخابات في المستقبل القريب أو في 2024 على الأقل، مشيرا إلى أن حتى الآن لم يتوافق على قوانين الانتخابات، بالإضافة إلى انتشار الميليشيات.وقال: "الموجودون في السلطتين التشريعية أو التنفيذية لا يرغبون في إجراء انتخابات للبقاء فترة أطول في مواقعهم".وأكد المهداوي أن الأمل للخروج من النفق المظلم الذي تعيشه البلاد في حال إنهاء حالة الانقسام وتوحيد المؤسسات والانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة. (المشهد)