منذ 43 يومًا والجيش الإسرائيلي بكل قوته وعتاده يخوض حربًا مدمّرة على قطاع غزة أطاحت بالمكونات الحضاريّة والبشريّة لصورة المدينة، وغيرت ملامحها، وأضحت غير صالحة للعيش، هذه الحرب جاءت ردًّا على هجوم حركة "حماس" على إسرائيل، رحى الحرب الضروس خلفت خسائر بشرية واقتصادية فادحة لكلا الطرفَين.وفي اليوم الثالث للحرب استدعت إسرائيل عددًا قياسيًّا من جنود الاحتياط بلغ عددهم 360 ألف جندي، وحشدت أكثر من 200 ألف من قوام هذه القوات نحو غزة، لكن خلف هذا الحشد تقف معضلة اقتصادية، وهي أن التكلفة المباشرة تبلغ لأيام الاحتياط للمجندين حوالي 1.3مليار دولار أميركي شهرياً، تضاف إليها تكلفة فقدان أيام العمل لهؤلاء الجنود، والتي تقدر بحوالي 427 مليون دولار. هذا الحال دفع بجهاز الأمن الإسرائيلي إلى تقليص عدد قوات الاحتياط التي تم استدعاؤها مع اندلاع الحرب الحالية ضد "حماس"، وتسريح قسم من قوامها إلى منازلهم، وفي هذا الصدد صرحت هيئة البث الرسميّة، أن هذا الإجراء المستعجل بسبب التكلفة الاقتصاديّة المرتفعة والأضرار التي لحقت باقتصاد إسرائيل من جراء تغيبهم عن منازلهم وعن أماكن عملهم. دراسة قام بها جهاز الأمن الإسرائيلي أفادت بأنه يمكن اتباع المرونة فيما يخص خدمة جنود الاحتياط، بحيث يسمح لهم بالعودة لمزاولة أعمالهم لفترات طويلة، لكن هذا الإجراء مرهون بالحاجات الأمنية والواقع الميداني المتغير وحالة الطوارئ والحرب في إسرائيل.قوات أميركية ومرتزقة ستحل مكان جنود الاحتياط بغزةومن وجهة نظر الباحث السياسي والعسكري د. أشرف عكة حول التوجه الإسرائيلي بتقليص أعداد جنود الاحتياط الإسرائيليين المشاركين في الحملة البرية على غزة يقول لمنصة "المشهد" إن "العامل الاقتصادي هو الدافع الأكبر للتقليص، على اعتبار بأن كل المؤسسات الخدماتيّة والإنتاجية في إسرائيل تعطّلت بفعل هذه الأعداد المهولة من جنود الاحتياط الذين يعملون فيها، وتبين بشكل واضح أن غالبيتهم غير مؤهلين لخوض عمليات عسكريّة بريّة في غزة، وهم غير قادرين على الضلوع بالعملية بهذا الشكل كونها عمليّة حسّاسة وصعبة ومعقدة، فأغلبهم من الحرفيين والأطباء والمهندسين". وتابع قائلا: "يترافق مع السبب الاقتصادي مجموعة من العوامل الداخلية الضاغطة والتي تطالب بعودتهم لأماكن عملهم إلى المصانع والمؤسسات الاقتصادية، بالتزامن مع مغادرة العديد من الشركات الأجنبية خارج إسرائيل حيث تكبدت ملايين الخسائر ". ويتابع د. عكة حول هذا القرار الإسرائيلي بخصوص تسريح جنود الاحتياط قائلا: "هذا القرار له بعدَان الأول يتعلق بالاقتصاد وهو العامل الأساسي والحاسم، والبعد الثاني يتعلق بطبيعة المعركة الميدانية التي تحتاج إلى وحدات نخبة متمرسة، حيث إن بعض وحدات الاحتياط المحترفة التي دخلت مع القوات الإسرائيلية المتوغلة في العملية العسكرية بغزة، لم يشاركوا منذ العام 2006 في أي عملية عسكرية حتى الوحدة المؤهلة منهم على الإطلاق، مما تسبب بخسائر ساحقة لأنهم وقعوا في كمائن نتيجة ضعف خبرتهم العسكرية الميدانية بشكل مباشر، وبالتالي عملية سحبهم تخفف من وطأة ما يجري بالتحديد على أهالي هؤلاء الجنود من الاحتياط والجبهة الداخلة الإسرائيلية". ويشير د.عكة على ما يبدو تم استبدالهم بوحدات نخبة مرتزقة، وقوات النخبة الأميركية".ويرى د.عكة بأن هذا الإجراء لن يؤثر على سير الحملة العسكريّة البريّة على غزة، موضحا "في حقيقة الأمر هناك 6 ألوية إسرائيلية تخوض المعركة في غزة وتعد فائقة القوة، لكن الاندفاع الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر كان انفعاليًّا انتقاميًّا، وبالتالي دفعت إسرائيل بأعداد كبيرة من الجيوش لا تتناسب مع طبيعة الأرض والميدان والمعركة، وبالتالي فائض القوة هذا يؤثر على المواجهة العسكرية مع حركة "حماس" وهذه القوات، ومن الطبيعي أن يحدث ما يسمى بالنيران الصديقة لأن هناك أحداثًا كبيرة من محاور عدة". واعتبر هذا شكلًا من أشكال الغباء في التحضير والحشد نحو غزة، يبدو أنّ إسرائيل بدأت تدرك الآن بأنها ارتكبت غباءً وأخطاءً منذ اللحظة الأولى للقرار، وبالتالي سيتم إدخال وحدة المرتزقة والنّخبة بفعل الأخطاء العسكرية، وقلة الخبرة من الاحتياط الذين سيتم سحبهم وسيعودون لأماكن عملهم ".أعداد القوات في غزة كافية لخوض المعارك بدوره، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي شلومو غانور أن "الحرب طويلة قاسية، إسرائيل لا تزال تحقق الأهداف المحددة لها، وهي تدمير البنية الإرهابية العسكريّة والحكومية لـ"حماس" في غزة، تم الاستيلاء على معظم المربعات الأمنية، وتدمير البنى الحكومية لـ"حماس"، وعمليات التمشيط مستمرة، والعمليات العسكرية انحسرت في شمال غزة، وتتمدد الآن نحو الجنوب، وإسرائيل سوف تختار الزمان والأسلوب لتوسيع نطاق الحملة البريّة العسكرية ليس نحو جنوب غزة فقط، إنما لمناطق واسعة في الأماكن التي توجد فيها "حماس". وحول قرار جهاز الأمن إمكانية تقليص عدد قوات الاحتياط التي تم استدعاؤها مع اندلاع الحرب الحالية ضد "حماس"، وتسريح قسم من قوامها إلى منازلهم وأماكن عملهم يتابع غانور قائلا: "لا أعتقد أن موضوع تسريح جنود الاحتياط سيكون له أثر سلبي على سير العملية العسكرية والحملة البرية على غزة، لأن أعداد القوات في غزة كافية، ولا شك أن تجنيد 360 ألف من جنود الاحتياط يؤثر سلبيًّا على الوضع الاقتصادي الإسرائيلي، وإلى شلل في المرافق الاقتصادية المختلفة، لكن هذا التسريح يأتي لأسباب لوجستية إسرائيلية معينة، لمنحهم فترة من النقاهة والاستراحة بغية استعادتهم من جديد". ويستدرك قائلًا "بطبيعة الحال، لأنه لم يتم فتح جبهة ثانية مع لبنان فهذا معناه أن تجنيد القوّات العديدة الموجودة على الخط الحدودي اللبناني هي غير لازمة في هذه المرحلة، ويمكن إعفاؤهم من هذه المهمة، خصوصا وأن الاشتباك مع لبنان من دون تقدم، ويتركز على المدافع والصواريخ، وليس بحاجة إلى قوات وجنود، ولتخفيف حدة التوتر مع حرب مع لبنان التي لا يريدها أحد". (القدس - المشهد)