يوم 7 يناير هو عيد الميلاد الأرثوذكسيّ الروسي، وعادة ما يقضيه فلاديمير بوتين في عزلته المعتادة بعد القداس. لكن هذا العام بحسب تقرير لصحيفة "تايمز" البريطانية، بينما يدخله وهو في أعلى مستوياته على ما يبدو، فإنّ موقفه السياسيّ مليء بالمشاكل المستعصية التي تجتمع في مسألة واحدة شائكة: "الوقت".الانتخابات الرماديةتقول الصحيفة إنّ بوتين يستعد لإعادة انتخابه في شهر مارس المقبل، وما قد يشغل أيّ سياسيّ ديمقراطيّ يبدو مجرد إزعاج تافه بالنسبة له. ففي العام الماضي، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث الصحفيّ باسمه، إنّ روسيا "نظريًا" لا تحتاج إلى انتخابات، لأنه "من الواضح أنّ بوتين سيُعاد انتخابه". وهو أمر واضح بالفعل، لأنّ الكرملين استبعد شخصيات معارضة حقيقية من الاقتراع ويسيطر على وسائل الإعلام ويستخدمها كسلاح، وسوف يتلاعب في الانتخابات في نهاية المطاف لتحقيق الفوز الساحق الذي يريده، بحسب التقرير.ومع ذلك، في "روسيا بوتين"، لا تكون نتيجة الانتخابات المحددة سلفًا هي المهمة، فيبدو أنّ الخطة تهدف إلى الإعلان عن فوزه بما يقرب من 80% من الأصوات، ولكنّ مقدار الجهد الذي يحتاجه النظام لجعله ذي مصداقية إلى حدّ ما على الأقل. والهدف من هذه العملية هو في نهاية المطاف إضفاء الشرعية على بوتين ونظامه.ولتحقيق هذه الغاية، تخلى خبراء التكنولوجيا السياسية لدى بوتين عن أفكارهم حول انتخابات تركز على الحرب مع أوكرانيا، ويخططون لانتخابات "رمادية" بسيطة بدلًا من ذلك. فقد تم زيادة الحدّ الأدنى للأجور بنسبة 18.5%، وتم تأجيل موجات جديدة من التعبئة للجبهة، وأعلن بوتين "عام الأسرة"، مع المزيد من المزايا المشابهة.خيبة أمل الأغنياء والفقراءومع ذلك، مع استمرار الحرب، يواجه بوتين معارضة متزايدة من المجتمع: أمهات المحاربين القدامى الجرحى الذين تم حشدهم وسقطوا والذين لم يحصلوا على الامتيازات التي وُعدوا بها، إذ يشعر الآباء بالقلق من احتمال إرسال أبنائهم إلى الجبهة، كما أنّ اعتقال السياسيّين المعارضين الأفراد شيء، ونشر التهديدات والعنف ضدّ الحركات الجماهيرية شيء آخر تمامًا.ليست الجماهير وحدها هي التي تحتاج إلى الاسترضاء أو الترهيب. منذ وفاة زعيم فاغنر بريغوجين في حادث تحطم طائرة غير غامض في أغسطس، كانت النخبة في أفضل سلوكياتها. لكن ذلك لا يعني أنها راضية.وتقول الصحيفة إنّ زعماء المعارضة العلنية، سواء كانوا ليبراليّين مثل أليكسي نافالني، أو "وطنيّين متعصّبين" مثل إيغور "ستريلكوف" جيركين، موجودون في السجن أو في المنفى. ومع ذلك، مثلما سئمت الجماهير من الحرب، فإنّ النخبة أيضًا، على حدّ تعبير أحد المعلقين في موسكو، "تشعر بالقلق من أنهم سيدفعون ثمن حرب بوتين.. سواء من خلال فقدان أنماط حياتهم المريحة" أو "الخوف من أن يهوي بالسفينة الغارقة". وقت اللعب لمتصيّدي بوتينويقول التقرير، سوف يشهد العام المقبل توجه ما يقرب من نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع، والعديد من الانتخابات المقرر إجراؤها والتي يزيد عددها عن 60 انتخابات أقل قابلية للتنبؤ بها من انتخابات بوتين، ولكنها تظل مهمة بالنسبة لروسيا. إنّ الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر هي الأكثر أهمية، على الرغم من أنه من المهم عدم المبالغة في تقدير الدرجة التي يمكن أن يعني معها فوز دونالد ترامب بالضرورة تغييرًا جذريًا في السياسة تجاه موسكو والحرب.ومن غير المرجح أن يبذل الروس أيّ جهد جادّ بشكل مباشر للتأثير على هذه الأصوات: فخلافًا لبعض المزاعم المبالغ فيها، كانت جهودهم السابقة تميل إلى أن تكون غير ذات صلة في أحسن الأحوال، وتؤدي إلى نتائج عكسية في أسوأ الأحوال. وبدلًا من ذلك، سوف يسعى الكرملين للاستفادة أقصى ما يمكن من الانقسام والضغينة التي قد تثيرها الانتخابات، ومدى انشغال الساسة بالحملات الانتخابية.ففضلًا عن الانتخابات الأميركية، فإنّ انتخابات البرلمان الأوروبيّ في يونيو، والانتخابات البريطانية المحتملة، من شأنها أن تمنح متصيّدي بوتين، ودعاته، ومؤيديه، الفرصة لإثارة الانقسامات وإثارة المعارضة. فالهدف في نهاية المطاف ليس التأثير في هذه الأحداث بقدر ما يتمثل في شل التحالف الغربي، وترك البلدان عالقة بعمق في الخصومات الداخلية والجمود السياسي، إلى الحدّ الذي يجعلها عاجزة عن الحفاظ على تحالف الدعم لأوكرانيا.استمالة الأغلبية العالميةومن ناحية أخرى، يعمل بوتين بالفعل على مضاعفة جهوده للحفاظ على الدعم وتوسيعه، مما بدأ المعلقون الروس يطلقون عليه وصف "الأغلبية العالمية": أو الجنوب العالمي. وتعتمد روسيا بشكل متزايد على الصين، ليس فقط في ما يتعلق بسوق الغاز لديها، بل أيضًا بالمعدات "ذات الاستخدام المزدوج" ذات الدور العسكري، من طائرات المراقبة من دون طيار إلى الشاحنات. وتعمل الهند أيضًا على تعزيز علاقاتها مع روسيا، ولكن هذا يرجع إلى حدّ كبير إلى وضعها الأقوى، وخصوصًا في ما يتصل بالتفاوض على صفقات النفط الرخيصة.وربما يضخم بوتين علاقاته في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ولكن كما اعترف أحد المسؤولين الروس: "أصبح من الواضح على نحو متزايد، أنّ الدول التي يسعدها بوخز الغرب في عينه، لا تعتقد بالضرورة أننا أفضل". وفي ظل استقطاب الرأي العام بسبب حرب غزة، هناك قدر كبير من المشاعر المعادية للغرب يمكن الاستفادة منها. ولكن مع انحسار ذلك، سوف يجد بوتين أنّ محاولاته لحشد لغة "مناهضة الاستعمار" سوف تبدو غير مألوفة، ولن تسفر جهوده لبناء شراكات تجارية ودبلوماسية جديدة عن الكثير.الاقتصاد على قشر البيضفي ظاهر الأمر، يتجه الاقتصاد الروسيّ إلى هذا العام، إلى حالة جيدة إلى حدّ مدهش، حيث ارتفع ناتجه المحلّي الإجماليّ بنحو 3% في العام الماضي. ولا عجب أنّ وزارة المالية متفائلة بشأن قدرتها على دفع ميزانية قياسية تبلغ 36.6 تريليون روبل (320 مليار جنيه استرليني)، يخصص ثلثها للمجهود الحربي. وقد باءت الجهود الغربية للحدّ من أسعار صادراتها من النفط الخام بالفشل، ما ساعد على دعم الروبل المتذبذب.ومع ذلك، فإنّ أزمة أسعار البيض، التي ارتفعت بأكثر من 40% العام الماضي، تساعد في توضيح المخاطر على المدى الطويل. ويعود نمو الناتج المحلّي الإجماليّ إلى حدّ كبير، إلى إنفاق الاحتياطيات على المجهود الحربي. ويعاني القطاع المدنيّ نقص التمويل الاستثماري، وبالتالي فإنّ المنشآت الصناعية القديمة - مثل تلك الموجودة في قطاع الأغذية - أصبحت أقل كفاءة. علاوة على ذلك، غالبًا ما تكون هذه القطاعات كثيفة العمالة، وقد خلقت متطلبات الحرب والصناعات الدفاعية أزمة في القوى العاملة.وأخيرًا، يعمل التضخم على تغيير أنماط الإنفاق والاستهلاك. مع ارتفاع أسعار لحوم البقر ولحم الخنزير في ميزانيات العديد من العائلات، يأكل الروس المزيد من الدجاج، وهذا يعني أيضًا عددًا أقلّ من البيض.تعتمد خطط بوتين لمواصلة طريقه حتى عام 2024 على حرق الاحتياطيات والتضحية بالإنتاج والاستهلاك المدنيّين من أجل المجهود الحربي. ومن المثير للاهتمام أنّ حسابات الميزانية تستند إلى المقامرة المتمثلة في إمكانية خفض الإنفاق الدفاعيّ في عام 2025. ومع احتمال أن تقضي كييف العام المقبل في الاستعداد لهجمات خطيرة في عام 2025، فإنّ هذا يبدو رهانًا مشكوكًا فيه.ميزة ضئيلة على نحو متزايدفي نهاية المطاف، سوف تتشكل كل قضية في طريق بوتين من خلال الحرب، ومرة أخرى فإنّ التحديات طويلة المدى تكمن وراء المزايا قصيرة المدى.خلال معظم العام المقبل، سيكون لدى روسيا مخزون أكبر من الذخيرة، لكن حتى هذه المخزونات ليست غير محدودة، فقد أدت موجة الهجمات القاتلة بطائرات من دون طيار، والصواريخ التي جاءت بنتائج عكسية خلال فترة العام الجديد إلى تدمير إنتاج شهرين في غضون أيام. علاوة على ذلك، بحلول نهاية هذا العام، سيكون الإنتاج الغربيّ والأوكرانيّ قد ارتفع أخيرًا ليتناسب مع ذلك.ربما تمتلك موسكو المبادرة الإستراتيجية، لكنّ الأوكرانيّين سيستمرون في شن هجمات محلية. وما لم يتمكن الروس من تحقيق بعض التقدم العسكريّ أو السياسيّ الحاسم في العام المقبل، وهذا يبدو غير مرجح فسوف يهدر تفوّقهم الموقت، ويواجهون أوكرانيا الأكثر قوة في العام المقبل.ليس بوتين بطبيعته مخططًا طويل المدى، ولا توجد استراتيجية تم تطويرها بعناية. وبدلًا من ذلك، فهو شخصية انتهازية مثالية، ينتهز أيّ فرصة تأتي في طريقه، والتي يأمل أن تجعله أقرب إلى هدفه.وهناك اقتراحات بإجراء مفاوضات عبر القنوات الخلفية مع واشنطن لترتيب وقف إطلاق النار وإصلاح الخطوط الأمامية الحالية. وما لم يكن الرئيس بايدن على استعداد لاتخاذ موقف متشدد غير مسبوق مع كييف، فإنّ هذا يبدو غير مرجح، على وجه التحديد، لأنّ الأوكرانيّين يعرفون أنّ الهدف من ذلك هو تجميد الصراع، ما يترك لموسكو السيطرة على 22% من بلادهم، ويتمكن بوتين من المطالبة باستعادة السيطرة على البلاد. وإذا عاد بوتين إلى هيئته، فإنه وخصوصًا بعد الانتخابات، سوف يلقي المزيد من الأرواح الروسية في الهجمات المتجددة.وهذا لن يغيّر الوضع بشكل جوهريّ على أرض الواقع، وبالتالي فإنّ هذا العام سوف يحكم على أوكرانيا وروسيا بموجة دموية طاحنة. وهذا أمر فظيع بالنسبة لأوكرانيا، التي لا تستطيع تحمّل الثمن البشري للحرب، إلا نادرًا، ولكنه كفيل أيضًا بتقويض أجندة بوتين السياسية، من إعادة ترسيخ شرعية نظامه في الداخل، إلى بناء مكانة جديدة في الخارج.(ترجمات)