يُجهد أمين غالب لمساومة البائع على الأسعار، في بقالة في مدينة تعز بجنوب اليمن، لكنه سرعان ما يخرج منها صفر اليدين، في مشهد يتكرر مع الكثير من اليمنيين خلال شهر رمضان.ويمضي اليمنيون شهر الصوم، بمزيد من التقشف، على وقع أزمة اقتصادية مرتبطة بنزاع متواصل منذ أعوام، فاقمها التصعيد العسكري في منطقة البحر الأحمر، ويقول غالب معيدًا بضعة أوراق نقدية إلى جيبه: "لا أقدر على شراء أي شيء، الأسعار تضاعفت". وبالنسبة لغالب، الموظف الحكومي الذي يبلغ راتبه الشهري 50 ألف ريال يمني نحو 35 دولارًا، ستكون الإفطارات خلال رمضان هذا العام مختلفة عن سابقاتها، ويقول غالب، وهو أب لـ5 أطفال: "كيف يمكنني أن أسدد إيجار المنزل أو فاتورة الكهرباء أو الغاز أو الماء أو الأكل أو الفطور أو العشاء أو الغداء أو كساء الأولاد أو علاجات؟ ماذا نفعل بالـ50 ألف؟ ويعاني اليمن، إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.ومنذ نوفمبر الماضي، يستهدف "الحوثيون" سفنًا في البحر الأحمر وبحر العرب تضامنًا مع قطاع غزة الذي يشهد حربًا منذ 7 أكتوبر بين "حماس" وإسرائيل. وانعكست تداعيات التصعيد العسكري على يوميّات نحو 33 مليون يمني، يعتمد ثلثاهم أصلاً على المساعدات. وتؤثر هجمات "الحوثيين" على حركة الملاحة في المنطقة الاستراتيجية التي يمرّ عبرها 12% من التجارة العالمية، وتسببت بمضاعفة كلفة النقل، نتيجة تحويل شركات الشحن مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب إفريقيا، ما يطيل الرحلة بين آسيا وأوروبا لأسبوع أقلّه. ارتفاع الأسعار ويوضح كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة نافانتي الاستشارية الأميركية محمد الباشا، أن ارتفاع أسعار نقل البضائع المستوردة جراء التوترات في البحر الأحمر، يساهم في التضخم المتسارع أصلًا في اليمن بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن النزاع وارتفاع الطلب خلال شهر رمضان. ويؤكد الباشا أن أسعار المواد الأساسية ارتفعت في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة مثل تعز، وفي سوق المدينة التي يحاصرها "الحوثيون" منذ سنوات، يعبّر البائعون عن استيائهم من حركة خفيفة وهو أمر غير مألوف خلال هذا الشهر. ويقول التاجر يوسف عبد الجليل: "نحن نتأثر عندما المواطن لا يأتي ليشتري، فيحصل ركود شديد للبضائع وبعضها يتعفّن. أنا لا أبالغ في ذلك"، بينما يخشى البعض أن تتسبب مواصلة "الحوثيين" هجماتهم على السفن بنقص في المواد الغذائية على المدى الطويل في بلد يستورد 90% من حاجاته الغذائية. ويقول الخبير الاقتصادي عبد الواسع الفاتكي وهو من سكان تعز: "يمكن أن تتوقف الموانئ اليمنية عن استقبال البضائع نتيجة ارتفاع منسوب المخاطر الأمنية". صيد محفوف بالمخاطر وفي مدينة الحُديدة الساحلية في غرب اليمن، الخاضعة لسيطرة "الحوثيين"، تبدو حركة البيع خفيفة أيضاً في السوق. ويؤكد التاجر عبد الرحمن سلام أنه ليس هناك قدرة شرائية، مضيفًا: "إذا تفاقمت الأزمة، سترتفع الأسعار أكثر". ويؤكد الصيادون في المنطقة أنهم باتوا عرضة للخطر كلما أبحروا سعياً لتأمين لقمة عيشهم، ويروي موسى كليب 50 عاماً، وهو أب لطفلين، أنه يصطاد منذ أن كان عمره 12 سنة، مشيرًا إلى أن الصيد مصدر رزق له ولأولاده، حيث يوفّر له الصيد مدخولًا يوميًا يتراوح بين 4 و40 دولارًا، لكنّ منذ بداية التصعيد العسكري، يعود في كثير من الأحيان خالي الوفاض، لأنّ طلعاته باتت محدودة بسبب المخاطر الأمنية. وتعرّضت محافظة الحديدة المطّلة على البحر الأحمر للعديد من الضربات التي تشنّها الولايات المتحدة وبريطانيا منذ يناير على مواقع "للحوثيين" ردًا على هجماتهم على السفن. وبهدف حماية" الملاحة، شكّلت واشنطن في ديسمبر الماضي، تحالفًا بحريًا دوليًا، وتنتشر في المنطقة مدمّرات الدول المشاركة فيه، لاعتراض صواريخ ومسيّرات يطلقها "الحوثيون" باتجاه السفن. (أ ف ب)