صعّدت تركيا من وتيرة هجماتها الجوية على كل من شمال وشرق سوريا وشمال إقليم كردستان العراق، مبررة ذلك بالردّ على مقتل 12 جندياً تركياً نتيجة الهجمات التي شنّها "حزب العمال الكردستاني" المصنّف إرهابياً من قبل أنقرة وحلفائها الغربيين على القوات التركية يومي 22 و23 ديسمبر الماضي في شمال كردستان العراق حيث يتمركز التنظيم.وأعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر، عن "تحييد" قوّاته لـ59 شخصاً في سوريا وشمال العراق ردا على مقتل جنود الأتراك، وذلك قبل يوم من تأكيد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على أن بلاده ستعزّز قواعدها العسكرية التي أقامتها حديثاً في شمال العراق خلال الأشهر المقبلة. ورقة السويد "تخرّس" أميركا وروسيا؟كشفت وزارة الدفاع التركية عن تنفيذ غارات جوية على 71 هدفاً في كل من سوريا والعراق، في الوقت الذي أعلنت فيه وسائل إعلام محلّية سورية تعرّض العديد من منشآت البنية التحتية في منطقة شمال وشرق سوريا، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بما في ذلك المنشآت النفطية لهجمات متتالية. وسّعت تركيا من دائرة استهدافاتها، التي كانت تقتصر سابقاً على عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال إقليم كردستان العراق، وقياديي قوات سوريا الديمقراطية الجناح العسكري لمجلس سوريا الديمقراطي المكوّن للإدارة الذاتية المعلنة من طرف واحد في شمال وشرق سوريا والمدعومة من قبل التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في سوريا. فبعد أن كانت المسيّرات التركية تغتال عناصر من "قسد" والتشكيلات العسكرية المتحالفة معها، والتي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني، باتت هجمات أنقرة اليوم تستهدف بشكل رئيسي البنية التحتية للإدارة الذاتية ككل والمنشآت النفطية من حقول النفط ومصافي التكرير، بالإضافة إلى محطات الطاقة وتوزيع الكهرباء والمؤسسات والمقرات الإدارية والمالية. يشير هذا التحوّل في الأهداف إلى تغيير أنقرة لقواعد الاشتباك السابقة، التي تم الاتّفاق عليها مع كل من واشنطن وموسكو بعد العملية العسكرية الثالثة لتركيا داخل الأراضي السورية. وعلى الرغم من إسقاط واشنطن لمسيّرة تركية بالقرب من القاعدة العسكرية للتحالف الدولي في تل بيدر في 5 أكتوبر، في إشارة إلى الخط الأحمر الأميركي المتمثل بعدم تعريض قواتها للخطر، إلا أن الصمت الأميركي والروسي على الاستهدافات التركية الأخيرة الواسعة في شمال وشرق سوريا يشير إلى انتهاء صلاحية القواعد السابقة، وفقا لمراقبين.ويرى مدير المركزي الكردي للدراسات في مدينة بوخوم الألمانية، نواف خليل، في حديثه إلى منصّة "المشهد" أن "الصمت الأميركي والروسي على الاعتداءات التركية على شمال وشرق سوريا قد يكون مردّه اتفاقاً عُقد بين الرئيس التركي ونظيره الأميركي حول قبول أنقرة طلب واشنطن بتسريع عملية انضمام السويد إلى حلف الشمال الأطلسي مقابل صمت الأخيرة عن تجاوزات الجيش التركي بحق حلفاء أميركا في محاربة داعش في سوريا". وأضاف خليل "فيما الصمت الروسي مردّه بالإضافة إلى الحاجة الروسية المتزايدة لتركيا بعد الحرب الأوكرانية، أمل موسكو بأن تنجح أنقرة في مقاومة الضغوطات الأميركية لتأجيل انضمام السويد إلى الحلف قدر الإمكان". يوم الثلاثاء، وبعد 3 أيام من اتهامات إردوغان الإدارة الذاتية بخدمة الجهات الإمبريالية، في إشارة إلى الولايات المتّحدة، أرسلت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي اقتراحاً لعضوية السويد في حلف الناتو للتصويت عليه في البرلمان. صوت حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه إردوغان، وحليفه اليميني المتطرف حزب الحركة القومية، والمعارضة الرئيسية، حزب الشعب الجمهوري الكمالي، بالقبول، كما أظهر حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" الموالي للكرد عدم معارضته من خلال عدم المشاركة في التصويت، كما فعل في التصويت على مشاركة فنلندا. التصويت جاء بعد أن شنّت 7 طائرات حربية تركية و33 طائرة مسيرة ضربات جوية في المنطقة في 23 ديسمبر، مما أسفر عن مقتل 8 أشخاص، وترك عشرات الآلاف من المواطنين بدون كهرباء وسط احتجاجات آلاف الأشخاص على الهجمات التركية في جنازات شهدتها مدينة القامشلي السورية الحدودية مع تركيا والقرى التابعة لها. ووفق مصادر إعلامية ونشطاء من المنطقة، فقد أدّى خروج المعمل الوحيد لإنتاج الأوكسجين في المنطقة بسبب القصف التركي عن الخدمة إلى مواجهة العديد من المرضى خطر الموت، بالإضافة إلى مرضى الكلى، الذين فقدوا الخدمات الطبّية للمشفى الوحيد لغسيل الكلى في المدينة بسبب تعرّضه للقصف. ويبيّن خليل أنه "إلى جانب المشفى ومعمل إنتاج الأوكسجين تم قصف صالة للأفراح يملكها مواطن سرياني في المنطقة ومطبعة كتب والعديد من المنشآت المدنية، وتصويرها كإنجازات واستهدافات لمراكز عسكرية". القصف طال شمال كردستان العراق وفي العراق، حيث تمتلك تركيا قواعد ومراكز عسكرية تعتبرها حكومة بغداد انتهاكاً لسيادتها، استهدفت الطائرات الحربية التركية مناطق جبلية في أقصى شمال إقليم كردستان العراق حيث تعتقد أنقرة بأن عناصر حزب العمال الكردستاني يتمركزون فيها. لكن، وعلى الرغم من مطالبات بغداد بسحب أنقرة لقوّاتها العسكرية من الأراضي العراقية، إلا أن الرئيس التركي أكد نيّته على تعزيز وجوده العسكري في أراضي الجارة الجنوبية. في 27 يوليو من العام الماضي، تقدّم العراق بشكوى ضد تركيا أمام مجلس الأمن الدولي، وأطلقت فصائل عراقية صواريخ على القنصلية التركية في الموصل، وذلك ردّاً على القصف المدفعي التركي في 20 يوليو الذي تسبب بمقتل 9 عراقيين وجرح 33 آخرين في منتجع سياحي بقرية برخ في إقليم كردستان العراق. في السنوات الأخيرة، وسّعت تركيا النطاق الجغرافي لضرباتها الجوية بالمسيّرات، لتمتد إلى عمق مئات الكيلومترات داخل الأراضي العراقية في سنجار والموصل بعد أن كانت مقتصرة على الحدود وجبال قنديل. تستند تركيا في تبرير وجودها في شمال العراق إلى موافقة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لقواتها بالتوغل إلى مسافة 5 كيلومترات في البلاد لمحاربة حزب العمال الكردستاني بداية التسعينات، في خطوة تحظى بقبول سلطات الإقليم التي تحافظ على علاقات ودّية مع أنقرة. ويعتبر معسكر بعشيقة الواقع على عمق 80 كيلومترا داخل العراق، أكبر المراكز العسكرية التركية في البلاد، بالإضافة إلى نحو 80 مركزاً ونقطة عسكرية تمتلكها أنقرة على الأراضي العراقية. ووفقا لسلطات كردستان العراق، فقد تسبب الصراع بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة في تهجير سكان 800 قرية عراقية منذ 2015، أي منذ انهيار وقف لإطلاق النار بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. بحسب تقرير صادر عن معهد واشنطن، فقد زادت الهجمات على منشآت عسكرية تركية في العراق بعد منتصف عام 2022 بمعدل 5 مرات تقريباً. وفي فبراير الماضي، أعلن حزب العمال الكردستاني وقفاً لإطلاق النار من طرف واحد وذلك للتأكد من عدم تقييد جهود إغاثة المنكوبين من الزلزال، قبل أن يعلن عن انتهاء المهلة المحددة بـ6 أشهر في يوليو الماضي. لكن الكاتب والباحث نواف خليل يؤكد على أن "الهجمات التركية على شمال كردستان العراق لم تتوقف، وخصوصا بعد الإعلان عن عملية قفل المخلب في عام 2021، إلا أن العدد الكبير للجنود الأتراك الذين قتلوا في العملية الأخيرة وردود الفعل الغاضبة داخل البلاد تسببت في تسليط الضوء على الصراع بين العمال الكردستاني والجيش التركي وهو صراع متواصل لم ينقطع". انتقدت العديد من الأصوات في تركيا سياسات زج الجيش في "معارك سياسية" حسبما وصفها أحد الضباط المتقاعدين من الجيش التركي في برنامج تلفزيوني أثار الكثير من الضجة لجهة إصرار أنقرة على مواصلة الحل الأمني في القضية التي يطالب زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في جزيرة أميرلي "عبد الله أوجلان" على حلها تحت قبّة البرلمان، وذلك في تصريحات سابقة قبل وضعه في زنزانة انفرادية منذ عام 2015 ومنع الزيارات واللقاءات عنه بشكل نهائي. وينفّذ مئات السجناء السياسيين الأكراد في تركيا إضراباً عن الطعام منذ 27 نوفمبر مطالبين بتحسين ظروفهم والحصول على حقوقهم المنصوص عليها في القوانين التركية.أنقرة وعقدة إقليم كردي ثان وتبدي أنقرة قلقاً بالغاً من احتمال ظهور دولة كردية مدعومة من واشنطن في سوريا، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى نتيجة مماثلة في تركيا أيضاً، حيث شنّت تركيا حتى الآن 3 عمليات توغل برية كبرى في المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا التي تسيطر عليها "قسد". في نهاية هذه العمليات باتت أنقرة تسيطر على مساحة قدرها 8835 كيلومتراً مربعاً تغطي أكثر من 1000 تجمع سكني، بما في ذلك مدن وبلدات مثل عفرين والباب وأعزاز وجرابلس وجنديرس وراجو وتل أبيض ورأس العين، غير آبهة بمطالب الحكومة السورية المتكررة بضرورة إنهاء "احتلالها غير الشرعي". وقد أدّى إنشاء تركيا لنظام عسكري من خلال ميليشيات موالية لها في هذه المناطق إلى نزوح مئات الآلاف من الأكراد خلال وبعد العمليات العسكرية التركية، ما سهّل من مخطط إردوغان في إنشاء "منطقة آمنة" بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود السورية التركية. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2019، أعلن إردوغان عن خطته لإعادة توطين 3 ملايين لاجئ سوري، معظمهم من العرب، الذين فروا من الحرب السورية، في هذه المناطق ضمن خطّة للتغيير الديموغرافي لهذه المنطقة المعروفة بأغلبيّتها الكردية. واعتبرت أنقرة الهجوم الذي استهدف وزارة الداخلية التركية في العاصمة في أكتوبر، والذي أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عنه، بمثابة فرصة لتعزيز هذه الخطة، لتصعّد من هجماتها لمناطق شمال شرق سوريا، وذلك بعد أن فشلت في الحصول على ضوء أخضر روسي أو أميركي للقيام بعملية برية. ويؤكد خليل على أن "الهجمات التركية الأخيرة جاءت على ما يبدو بدافع خوف أنقرة من "العقد الاجتماعي" الذي أعلنته الإدارة الذاتية لمبادئ العيش المشترك بين مكوّنات المنطقة من العرب والكرد والسريان والأرمن والتركمان، وهي تعرف أن الإدارة ماضية إلى إجراء انتخابات والقيام بتغيرات هيكلية في مؤسساتها فتحاول إعاقة هذه الجهود من خلال ضرب البنى التحتية للإدارة". ويكشف خليل أن "الخسائر المادية جراء الهجمات التركية في شهر أكتوبر الماضي تجاوزت المليار دولار وهو مبلغ كبير جداً مقارنة بإمكانات وموارد الإدارة الذاتية الضعيفة أصلاً".(المشهد)