تشهد المنطقة حراكا سياسيا عربيا بهدف "إعادة سوريا إلى الحضن العربي"، تبلور على شكل زيارات واجتماعات بين الجانب السوري ودول عربية عدة، لتنسيق الجهود لإعادة العلاقات مع دمشق بعد عقد من عزلها عربيا ودوليا.لكن يبدو أن الجهود العربية لإعادة سوريا إلى محيطها العربي لا تزال تصطدم بمعارضة قطرية شديدة ورفض لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية من خلال مواقف وتصريحات رسمية، كان أبرزها كلام رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قبل اجتماع جدة بيوم واحد، حينما وصف الحديث عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية "بالتكهّنات"، مشددا على أن أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة بالنسبة إلى الدوحة على الأقل. في العمق، لا يمكن فصل الحراك العربي عن الاتفاق الإيراني - السعودي الذي تم بوساطة صينية، إذ تعتبر الخطوات السعودية تجاه دمشق واحدة من تبعات هذا الاتفاق، الذي يفسّر محاولات الدول في المنطقة وفي طليعتها الإمارات تصفير المشاكل بعد أعوام من الصراعات والحروب، في الوقت ذاته يرى العديد من المحللين أن المعارضة القطرية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية عائق جدي أمام الجهود المبذولة الساعية لاستقرار المنطقة وحقن الدماء. دمج سوريا مع محيطها العربي لعبت قطر دورا أساسيا في تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية عام 2011، وعلى الرغم من اعتراض 3 دول (اليمن وسوريا ولبنان) على القرار مقابل 18 دولة مؤيدة، وامتناع العراق عن التصويت، إلا أن عضوية دمشق عُلقت وفق منطق الإجماع والأغلبية، وهو ما يمكن أن يتكرر اليوم في الاتجاه العكسي، أي التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة، عبر اتّخاذ القرار على أساس الأغلبية أيضا. وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور طارق فهمي، في حديث إلى منصة "المشهد"، إن "هناك إجماعا عربيا اليوم على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكن هناك إعاقة لهذه العودة من قبل قطر، التي لا ترى أن هناك أي طرح جديد من قبل دمشق لقبولها في الجامعة". وأمام هذا الرفض يعتبر فهمي "أننا أمام مسارين، الأول أن تنجح السعودية في الضغط على قطر لتتراجع عن مواقفها الرافضة وتقبل مشاركة سوريا في حضور الاجتماع المقبل للجامعة، الثاني وهو تكرار لما حدث في الجزائر، أي عدم مشاركة سوريا في القمة بسبب عدم التوافق بين الأعضاء". وأضاف فهمي "ستكون هناك ضغوطات من الأطراف العربية المختلفة، تحديدا من سلطنة عُمان التي تمتلك القدرة على التأثير في هذا الملف، وهو ما يفسر زيارة الرئيس السوري بشار الأسد قبل أسابيع للسلطنة، وأيضا البحرين تستطيع أن تؤثر بعد أن أعادت علاقاتها مع قطر هذا الشهر". رفض تركي وتنفيذ قطري في المقابل، ربط عضو مجلس الشعب السوري عهد السكري في تصريح إلى منصة "المشهد" الموقف القطري بالموقف التركي قائلا: "موقف الدوحة غير مفاجئ، إذ يعلم الجميع أنها تتنفس من الرئة التركية في مواقفها السياسية المعلنة وغير المعلنة، والرفض القطري اليوم هو بالواقع رفض تركي". منذ عام 2011، أظهرت قطر نفسها كراعية للجماعات الإسلامية في المنطقة، التي دعمتها فيما بعد للإطاحة بالرئيس السوري بحجة انتهاك حقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية، لكن في المقابل، قال سفير سوريا في موسكو نائب وزير الخارجية سابقا بشار الجعفري في وقت سابق، إن أحد أسباب عداء الدوحة لدمشق، هو رفض دمشق مد خط أنابيب الغاز القطري إلى أوروبا عبر تركيا لإفشال خط الأنابيب الروسي. في خطوات مقابلة للحراك العربي تجاه سوريا، استضافت الدوحة بالتزامن مع الزيارات المتبادلة بين دمشق وعواصم عربية أخرى شخصيات سياسية وعسكرية من المعارضة السورية، ما أثار التكهنات من قبل الكثير حول مساعي قطر لترتيبات جديدة في صفوف المعارضة السورية.وفي هذا الإطار، بيّنَ الكاتب والباحث السياسي السوري محمد نادر العمري في حديث إلى منصة "المشهد" أن "الدور القطري لا يزال داعما وممولا للتنظيمات المسلحة والمشاريع التي تستهدف الوضع الداخلي السوري من أجل استمرار الأزمة السورية، إذ تسعى الدوحة لتحقيق أهداف عدة، أبرزها استقطاب التنظيمات المسلحة ومحاولة الضغط على تركيا لعدم التطبيع مع سوريا، وتنفيذ أجندات الولايات المتحدة من خلال عرقلة أي مسار سياسي كون قطر لا تزال تنفذ أهداف واشنطن في المنطقة". وتابع أن "قطر تريد أن تتم إعادة الإعمار في سوريا وفق مصالحها ومواقفها، وبالتالي تسعى إلى إعادة هيكلة التنظيمات المسلحة بهدف استمرار الأزمة السورية وعدم حلها من بوابة التطبيع السوري التركي".خلال الأشهر الأخيرة، توالت تصريحات قطرية رسمية مؤكدة على رفض إشغال دمشق لمقعدها في الجامعة العربية، ما أدى إلى فشل قمة جدّة في الخروج بنتيجة، وهو ما دفع إلى تشكيل لجنة عربية بشأن سوريا في اجتماع عمّان، الذي اتفق وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والعراق ومصر والأردن، على عقده عقب عيد الفطر.في هذا السياق، أضاف العمري أن "سبب الموقف قطر المعادي لعودة سوريا، هو أنها أكثر دول الخليج قربا من الإدارات الأميركية الديمقراطية، خصوصا إدارة الرئيس جو بايدن في ظل توتر العلاقات ما بين الديمقراطيين ودول الخليج الأخرى، لذا تسعى قطر أن يكون لها موقف مختلف عن الدول العربية الأخرى التي دخلت في مسار جديد مع سوريا". كما أن الموقف القطري سيدعم الموقف التركي في تفاوضه مع سوريا لصالح أنقرة بحسب العمري، "لكن في حال تغيير الموقف الأميركي ونجاح الجهود الروسية بتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق لن تستطيع قطر أن تبقى خارج السرب الخليجي وستسعى لتغيير موقفها، مع الإشارة إلى أن الموضوع يحتاج إلى وقت".أهداف أميركية إلى ذلك، أكدت مصادر من المعارضة السورية على اتصال مع الإدارة الأميركية حسب قولها إن "هناك توجها أميركيا يسعى لتوظيف مسار تطبيع الدول العربية مع دمشق، وأن إدارة بايدن تتبنى مقاربة عدم عرقلة التطبيع مع سوريا بشرط أن يكون بالتنسيق مع واشنطن ويحقق أهدافها، وعلى رأسها تسوية الوضع القانوني للإدارة الذاتية عبر إقرار نظام حوكمة لا مركزي يهدف تقوية دمشق في مفاوضاتها مع تركيا، وبالتالي ستنخفض استجابتها للمطالب التركية المتعلقة بالتعاون في مكافحة الإرهاب".لكن سواء كانت ادعاءات المعارضة صحيحة أم لا، من الواضح أنه منذ قدوم بايدن إلى البيت الأبيض انقلبت الموازين كافة، ولم تعد الدول التي تقيم معها شراكات وتحالفات منذ القدم تثق بتصرفات واشنطن، تبع ذلك ظهور الصين بشكل واضح كقوة أكثر ثقة من الولايات المتحدة، خصوصا أن بكين لديها سياسة خارجية مختلفة كليا عن سياسة واشنطن، والتي تقوم على المصلحة الاقتصادية بشكل أساسي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو الانخراط في صراعات عسكرية. وفي هذا الصدد، يشير البرلماني السوري عهد السكري "إلى أن الأمور اليوم تسير خارج إرادة الولايات المتحدة، وموقفها لن يساعدها على الوقوف بوجه من يريد إعادة العلاقات مع دمشق". باختصار، يترجم هذا الحراك العربي تجاه سوريا بأنه نوايا حسنة وحقيقية لإنهاء الأزمة السورية، في ظل تأكيد جميع الأطراف على استحالة حل تراكمات لأكثر من 10 أعوام "بكبسة زر". (سوريا - المشهد)