شهدت مدينة بغداد، مساء أمس الأربعاء، مقتل القيادي البارز في كتائب "حزب الله" العراقي، أبو باقر الساعدي، خلال ضربة جوية نفذتها طائرة أميركية مسيرة، استهدفت سيارته في منطقة المشتل والبلديات شرقي العاصمة. وأعلنت القيادة المركزية الأميركية، مقتل الساعدي، حيث نشرت عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، بيانا أكدت فيه مسؤوليتها عن مقتله، واتهمته بالتخطيط المباشر للهجمات على القوات الأميركية في المنطقة. وجاء في البيان أنه: "في تمام الساعة 9:30 دقيقة مساء بتوقيت بغداد، شنت قوات القيادة الأميركية ضربة أحادية الجانب في العراق، ردا على الهجمات التي استهدفت أفراد الخدمة الأميركية، ما أسفر عن مقتل قائد كتائب حزب الله العراقي". وأكدت القيادة المركزية الأميركية في بيانها، أنها ستواصل الإجراءات اللازمة لحماية أفرادها، ولن تتردى في تحميل المسؤولية عن كل من يهدد سلامة قواتها. وفي المقابل، أعلنت كتائب "حزب الله" العراقي مقتل أبو باقر الساعدي، القيادي البارز في الحزب، كما نعته هيئة الحشد الشعبي في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية. ويعد الساعدي إحدى أهم قيادات كتائب الحزب، حيث شغل منصب مسؤول وحدة الصواريخ فيها، وتتهمه الولايات المتحدة بالتخطيط والتنفيذ لمعظم الهجمات ضد القواعد الأميركية في العراق. ويرى محللون أن استمرار الهجمات المتبادلة بين أميركا والميليشيات الإيرانية في العراق تحرج رئيس الحكومة محمد شياع السوداني. أميركا تحرج السوداني وقال الباحث في الشأن السياسي سيف السعدي، لمنصة "المشهد" إن القوات الأميركية تتعامل برد الفعل السريع، خصوصا عندما يصاب أو يقتل أحد جنودها، هذا ما نشهده اليوم، حيث تستمر القوات الأميركية بالهجوم على مواقع وشخصيات تابعة لفصائل الحشد الشعبي في العراق. ويصف السعدي موقف الحكومة العراقية بالمحرج، خصوصا أن اقتصاد العراق مرتبط بالبنك الفيدرالي العراقي، مشيرا إلى أن أي تنديد تطلقه الحكومة سيؤثر على اقتصاد العراق، الذي يمكن أن نقول إنه في حالة سيئة، يزداد سوءا، خصوصا على طبقة العمال. وفي السياق ذاته، يرى السعدي أن "الفصائل المسلحة تضغط على الحكومة العراقية، من أجل تشريع قانون يجيز للبرلمان إنهاء مهمة التحالف الدولي، لكن هل انتهت مبررات وجود التحالف الدولي في العراق؟ هذا السؤال يمكن الإجابة عنه بلا، لأنه إذا رجعنا إلى الوراء، مهمته ارتكزت على تطبيق قرارات مجلس الأمن عام 2014، خاصة القرار رقم 2178، الذي يطالب بتجفيف منابع جبهة النصرة في سوريا، وتنظيمي القاعدة وداعش في العراق". وأضاف: "تنظيم داعش ما زال موجودا في تلال حمرين، وفي صحراء محافظة الأنبار، على اعتبار أنه يستغل هذه المساحات الواسعة، أيضا تربطنا مع سوريا 600 كيلومتر مربع، هذه الحدود ما زالت غير مسيطر عليها من قبل القوات العراقية، كل هذه العوامل تجعل التحالف الدولي يجد مبررا للبقاء في العراق". وأشار الساعدي إلى أن خروجا للقوات الأميركية هو بمثابة ابتزاز للحكومة العراقية، قائلا: "إن خرجت القوات الأميركية هنالك بلا شك جماعات رديكالية أخرى، أو جيل سادس على غرار داعش، ممكن أن يأخذ الضوء الأخضر، للدخول واحتلال المناطق الغربية من العراق. هذا ما حدث سابقا في العام 2014، عندما طالبت حكومة المالكي أميركا بالتدخل، وافقت الأخيرة، لكن بشروط، وألزمت الحكومة العراقية بإعطاء القوات الأميركية صفة البعثات الدبلوماسية، بالتالي كان بمثابة ابتزاز، إما أن تمنحني هذه الامتيازات أو لا أقدم لك المعونة". أعلنت بغداد الخميس أن المحادثات مع الولايات المتحدة الأميركية تستأنف الأحد، بهدف مناقشة مستقبل مهمة التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وذلك غداة ضربة أميركية في بغداد أسفرت عن مقتل قيادي في كتائب حزب الله، الفصيل المرتبط بإيران. وقال يحيى رسول المتحدث باسم القائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية في بيان إن "اللجنة الثنائية العسكرية الفنية العليا بين العراق والولايات المتحدة تستأنف أعمالها الأحد المقبل الموافق 11 فبراير 2024"، وذلك بهدف "مناقشة وجدولة إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق".أميركا استهدفت حيا سكنيا من جانبه يرى المحلل في الشأن السياسي عائد الهلالي، أن الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة الأميركية، تتمة للضربات السابقة، لكنها هذه المرة استهدفت قيادات في الخط الأول من الحشد الشعبي، كان لهم دور في مكافحة الإرهاب خلال السنوات الماضية. وقال الهلالي في حديثه مع منصة "المشهد" إن "ما يثير الاستغراب والتخوف في ذات الوقت، أن الضربة حدثت في منطقة سكنية مكتظة بالعائلات، وعن ذلك يقول الهلالي: هذا تطور لافت وخطير، لأن الضربات السابقة حدثت في أماكن بعيدة، هذا مؤشر على أنه التصعيد يزداد مابين القوات الأميركية والفصائل العراقية". وعن ردود الفعل الحزبية والحكومية، أضاف: "الجميع يندد ويرفض الهجمات على مواقع عراقية ذات سيادة، خاصة إذا كانت مدينة، لاستهداف الأخير سيقلص من إمكانية الحوار بين القوات الأميركية والحكومة العراقية، وسيلقي بظلاله على خطوات الحل في المستقبل". وأشار الهلالي إلى أن مجلس الأمن خلال جلساته الأخيرة، أكد على سيادة العراق وحفظ أراضيه، وعدم المساس بها، كما طالب بعدم التصعيد، "فاستجابت الفصائل العراقية، وأعلنت تعليق العمليات ضد المواقع الأميركية، لكن بادرت أميركا مرة أخرى بالهجوم، ما زاد الوضع تعقيدا". وتتبادل القوات الأميركية والفصائل العراقية المسلحة الهجمات، حيث تعرضت القواعد العسكرية الأميركية في العراق إلى أكثر من 150 هجوما من قبل الفصائل العراقية المسلحة، التي طالبت الحكومة العراقية بإنهاء مهمة التحالف الدولي، وإخراج القوات العسكرية الأميركية من العراق، ذلك على خلفية وقوف واشنطن إلى جانب إسرائيل في حربها ضد "حماس" في غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.جلسة قريبة لمجلس النواب وكشف الهلالي أن شخصيات عراقية سياسية وحزبية ستطالب بعقد اجتماع طارئ لمجلس النواب العراقي، لتوحيد الخطاب الداخلي، ودعوة جميع الأطراف داخل البرلمان إلى توحيد الصف، ثم المطالبة بإخراج القوات الأميركية من العراق. وقال: "في حال عدم الاستجابة، هنالك رغبة على الأقل، من قبل القوة المؤثرة في المشهد السياسي العراقي، نقصد الإطار التنسيقي لاستخدام نفوذه، لاستصدار قرار من مجلس النواب، لإخراج القوات الأميركية والتحالف الدولي". ويرى الهلالي أن الحكومة أمام خيارين: إما استخدام علاقتها الدولية وشراكتها واتفاقاتها التي بنتها منذ فترة مع ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا ودول الجوار، إضافة إلى دول الخليج العربي، التي لها تأثير كبير على صناعة القرار الأميركي، في تخفيف حدة التوتر، ما بين الفصائل العراقية والقوات الأميركية، وربما نهاية الحرب في غزة ستساعد في تهدئة المشهد العراقي الداخلي. استخدام المنصات الدولية، كمجلس الأمن والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، للضغط بشكل كبير على الولايات المتحدة، لعدم تكرار هذه الحادثة، لأنها إن تكررت لربما سيصبح العراق ساحة مفتوحة للصراع. السوداني يريد التهدئة بدوره، يرى رئيس مركز المورد للدراسات الإعلامية نجم القصاب، أن الحكومة العراقية محرجة أمام هذه الضربات، خصوصا أنها أودت بحياة فصائل قيادية من الحشد الشعبي، رغم أن كتائب "حزب الله" كانت قد أوقفت وعلقت العمليات ضد المواقع الأميركية، طلبا من حكومة السوداني، الذي استطاع أن يقرب وجهات النظر، بعد جلسات وحوارات طويلة. وعن سياسة السوداني قال القصاب في حديثه مع منصة "المشهد" سعى من خلال الحوار إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق، لكن بشكل هادئ، كي لا يؤثر على اقتصاد العراق، ويحافظ على علاقة الصداقة مع واشنطن، لكن الضربة الأميركية الأخيرة صعبت موقفه أمام التيارات السياسية داخل الحكومة والبرلمان. ويؤكد القصاب أن رد الحكومة سيكون بالتهدئة، خصوصا أن أميركا اغتالت زعيمين لهما شعبية داخل كتائب حزب الله العراقي، ما يعني أن الفصائل ستعود لاستهداف المواقع الأميركية مرة أخرى، بعد أن كانت قد استجابت لمطالبات مجلس الأمن ومطالب السوداني، وأوقفت عملياتها، وفي حال قتلت هذه الاستهدافات والردود المستقبلية جنودا أميركيين، أعتقد ستكون هناك ضربات أميركية جديدة.(المشهد)