يبدو أن العلاقات المصرية التركية تتهيأ للدخول في فصل جديد من تاريخ التعاون بين بلدين يمتلكان ثقلا ووزنا كبيرين في منطقة الشرق الأوسط، فصل فرضه التقدم الملموس مؤخراً في التقارب بين القاهرة وأنقرة على مختلف الأصعدة، خصوصا السياسية والاقتصادية، عقب الزيارة التاريخية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمصر في فبراير الماضي، بعد أكثر من 11 عاماً من القطيعة الدبلوماسية.وتتويجاً لحالة الزخم التي تسيطر على علاقات الدولتين مؤخراً، وصل أمس الأحد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى القاهرة في زيارة رسمية تستغرق يومين تلبية لدعوة موجهة له من نظيره المصري بدر عبد العاطي، مستهلاً إياها بجولة بمدينة العريش بشمال سيناء، تفقد خلالها المخازن اللوجستية الخاصة بالهلال الأحمر المصري، قبل أن يتوجه إلى معبر رفح الحدودي الواقع بين مصر وقطاع غزة.وفي خضم زيارة هاكان فيدان لمعبر رفح ثمَّن الدور الذي تقوم به مصر في استقبال المساعدات وإرسالها إلى قطاع غزة، مؤكداً أن مواقف مصر وتركيا متطابقة في ضرورة إنهاء الحرب على غزة، وإقرار السلام بالمنطقة عن طريق حل الدولتين.العلاقات التركية - المصريةوشهدت العلاقات بين القاهرة وأنقرة منعطفات حادة عقب ما سُمي بالربيع العربي، حتى وصلت إلى سحب السفراء، وتوقف أشكال التواصل الدبلوماسي الثنائي، وقطيعة بين قادة الدولتين منذ عام 2013، قبل أن تتحسن العلاقات تدريجيا مؤخرا إلى أن وصلت إلى تطبيع العلاقات.في هذا السياق، يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير رخا حسن، أن زيارة وزير الخارجية التركي لبلاده تؤكد على عودة الأمور إلى طبيعتها بين مصر وتركيا مرة أخرى، والتي لم تأت من فراغ ولم تكن محض صدفة، بل جاءت نتيجة رغبة مشتركة وحثيثة بين الدولتين في تعزيز التعاون بينهما، مبيناً أن كلاً منهما يعرف قيمة الآخر وأهميته بالنسبة له، ومن ثم كانت هناك جهود دبلوماسية وسياسية على أعلى مستوى بين البلدين تم بذلها خلال الأعوام الماضية، من أجل عودة الأمور إلى نصابها من جديد، ووضع تفاهمات مشتركة لتعزيز أوجه التعاون.هاكان فيدان في مصروبحسب الدبلوماسي المصري فإن زيارة هاكان فيدان للقاهرة من الواضح أنها تأتي للارتقاء بمستوى العلاقات بين البلدين إلى مرحلة جديدة، كما أنها تحمل في طياتها أهدافاً عدة، ولعل في مقدمتها الآتي:العمل على تعزيز التفاهم ووجهات النظر بين القاهرة وأنقرة فيما يخص القضايا العالقة داخل المنطقة وخصوصا الأوضاع في ليبيا، حيث إن الجانب التركي له علاقات وطيدة مع غرب ليبيا من خلال الجالية التركية هناك والتعاون الصناعي والتجاري، وبالتالي فالتشاور بين القاهرة وأنقرة مهم فيما يخص تلك الأزمة لأنه سيساعد على حلحلتها من خلال إجراء انتخابات عاجلة داخل ليبيا.التباحث حول الحرب الإسرائيلية الدائرة رحاها داخل غزة، وخصوصا أن هناك تقاربا كبيرا وواضحا في وجهات نظر الدولتين تجاه الأزمة في غزة، خصوصا فيما يخص ضرورة وقف القتال والحرب، وضرورة إدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية للشعب الفلسطيني والحصول على حقوقه المشروعة.التباحث حول وضع اللمسات الأخيرة للزيارة المرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتركيا في القريب العاجل.تعزيز الملف الاقتصادي وتفعيل الاتفاقات التي وقعت مؤخراً بين البلدين أثناء زيارة إردوغان لمصر في فبراير الماضي.الأمن والغاز في المتوسطفي عام "2022" وقعت تركيا وحكومة طرابلس في الغرب الليبي مذكرة تفاهم بشأن التعاون للتنقيب عن النفط والغاز، وهو الأمر الذي أثار حفيظة مصر، كونها جاءت بعد 3 سنوات فقط على توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية المثير للجدل في عام 2019. ووفقاً لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول الدكتور سمير صالحة، فإنه يمكن لكل من مصر وتركيا كقوتين إقليميتين على البحر المتوسط وفي الشرق منه حيث ممرات التجارة والمضائق والغاز، أن يشكلا قوتين للاستقرار الإقليمي في البحر المتوسط، الذي سوف تزداد أهميته كثيرا خلال الأعوام القادمة نظراً إلى حجم الفرص والتحديات فيه.ولفت صالحة إلى أن زيارة وزير خارجية بلاده ستبحث عملية تفعيل أعمال مجلس التعاون الإستراتيجي، الذي جري الحديث عنه أكثر من مرة خلال الزيارات المتبادلة، والآن ننتظر إعلان ساعة الصفر وتفعيل مثل هذه الحلقة الجديدة التعاون البناء بين كلا البلدين الكبيرين.سد النهضةويري صالحة أنه بإمكان مصر أن تساعد بلاده في تطوير علاقتها مع اليونان وقبرص، استثمارا لعلاقات القاهرة بالبلدين والتي توسعت بشكلٍ لافت في الأعوام الماضية، مشيراً إلى أن الملف الخاص بالغاز وترسيم الحدود البحرية ما يزال يحتاج لجهود حثيثة وتحتاج منطقة شرق المتوسط لعناية خاصة من البلدين. وأشار صالحة إلى إمكانية مساعدة مصر في أكبر تحد يواجهها في هذه الآونة "مشكلة سد النهضة " وخصوصا في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط تركيا بإثيوبيا. وفيما يتعلق بالأسباب التي دفعت إلى تطوير العلاقات المصرية التركية مؤخراً، أوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول أن هناك بيئة خصبة كانت موجودة دفعت كلا الدولتين إلى تعزيز التفاهم والتقارب بينهما، خصوصا مع أفول نجم "الإسلام السياسي"، ليس في مصر فقط، ولكن في عدد من الدول الأخرى مثل ليبيا وتونس وغيرهما، إضافة إلى وجود قواسم مشتركة أفرزتها التطورات والصراعات الإقليمية المتسارعة. زيارة السيسي المرتقبة لتركياووفقاً للدبلوماسي المصري حسن رخا فإن زيارة السيسي المحتملة لتركيا والتي تعد الأولى من نوعها منذ توليه الحكم في مصر عام 2014، من المنتظر أن تساهم في خلق نمط جديد أكثر تعاوناً بين الدولتين، والتوسع في العلاقات خصوصا على صعيد الشراكة الإستراتيجية، وتعزيز التعاون والترابط، في كافة الصعد وفي مقدمتها الأمنية في ظل ما تشهده المنطقة من اضطرابات غير مسبوقة، إضافة إلى وجود زخم اقتصادي واسع، خصوصا في ظل وجود رغبة لدى البلدين إلى رفع حجم التبادل التجاري بينهما من "10 مليارات دولار" إلى "15 مليار دولار".(المشهد)