أثارت التظاهرات التي عاشتها أغلب مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا)، وفصائل المعارضة ضد الهيئة وقائدها أبو محمد الجولاني، تساؤلات حول أسبابها ومآلاتها.ومؤخرًا، شهدت مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب، خروج تظاهرات في مدن إدلب وبنش، وتفتناز وجسر الشغور، وأريحا وأعزاز، وعفرين والباب في ريف حلب وغيرها من المدن والبلدات، في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال سوريا. والجمعة، قال أحد منظّمي الحراك في مناطق شمال سوريا، إنّ الاحتجاجات تأتي "ضد هيئة تحرير الشام وقائدها أبو محمد الجولاني، والظلم الذي تمارسه الهيئة على المدنيّين". وأوضح أنّ تفرّد الهيئة بقيادة المنطقة، "أوصلنا إلى ما نحن عليه من الظلم والاعتقال التعسفيّ للمدنيّين، وأنّ الشعارات التي رُفعت، أغلبها تطالب بإسقاط الجولاني، وحلّ جهاز الظلم العام (في إشارة إلى الأمن العام)، والإفراج عن المعتقلين في سجون الهيئة التي هي أشبه بمسلخ بشري". تحركات متوقّعة وقال الباحث المتخصّص في الحركات الإسلامية حسن أبو هنية، إنّ التظاهرات تأتي لأسباب مباشرة وغير مباشرة. وأضاف أبو هنية في تصريح لمنصة "المشهد"، أنّ الأسباب مفهومة، والأساسية منها تتأتى على خلفية ما جرى في قضية الخيانة والعملاء، خصوصًا بعد أن قامت "هيئة تحرير الشام"، باعتقال أكثر من 700 شخص بتهمة "الخيانة والتعامل مع التحالف الدولي". وأشار إلى أنه كانت هناك مشكلة أدت إلى سلسلة من المشكلات داخل "جبهة النصرة" سابقًا. وقال أبو هنية: "بالتأكيد فإنّ ما يجري يندرج كنوع من الانفلات الأمنيّ وتغوّل الجهاز الأمنيّ للجولاني على سكان المنطقة"، بالإضافة إلى عوامل أخرى من التجاوزات الأمنية والأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة في شمال شرق سوريا، وفي كل البلاد عمومًا. وأوضح أنّ هذه التحركات كانت متوقعة، معتبرًا أنّ إقالة الجولاني هي عملية سهلة، إلّا أنّ المطالب بإقالته غير منطقية حاليًا، في ظل عدم وجود البديل أمام المتظاهرين.وأشار إلى أنّ هنالك حكومة إنقاذ مدنيّ، ومن "الممكن أن يتراجع الجولاني إلى الخلف ويقدّم شخصية أخرى، إلا أنني لا أعتقد أنّ الأمور ستؤثر كثيرًا"."ستبقى مسيطرة"وبيّن أبو هنية أنّ "الجولاني هو رجل براغماتيّ ودائمًا ما كان يتحايل ويستفيد من التناقضات، وتمكّن من التخلص من جميع خصومه بدءًا من (داعش)، إلى تنظيم (القاعدة)، وصولا إلى فصائل الجيش الحر". وشدّد على أنّ أجزاء المعارضة الأخرى لا تشكل خطرًا على الجولاني. وقال أبو هنية إنّ الصراع في الهيئة كان له طابع مناطق وآخر شخصي، "مثل أبو ماريا القطحانيّ المحسوب على الجماعة الشرقية، إلّا أنه في النهاية له مصالح مشتركة مع الجولاني". ولا يرى الباحث أنّ هناك جهة قادرة على الإطاحة بالجولاني، حيث إنه من المتوقّع أن يستجيب الأخير لبعض المطالب، وبالتالي يبدأ بعملية تقديم واجهات جديدة في حكومة الإنقاذ الوطني، وربما يتراجع، ثم بعد ذلك يعود إلى سابق عهده في الحكم.وقال أبو هنية: "لا أعتقد أنّ هنالك أيّ أفق لمثل هذه التظاهرات في شمال شرق سوريا وفي المناطق التي سيطر عليها الجولاني، بسبب الوضعية المعقّدة لسوريا، التي لا تزال مقسمة بين النظام وقوات قسد المتحالفة مع واشنطن، وبين الجيش الحرّ المتحالف مع تركيا مع الأتراك وبين الإيرانيّين وغيرهم". وأكد أنه من الصعب حدوث أيّ تغيّر جذريّ في مناطق شمال شرق سوريا، لافتًا إلى أنّ "هيئة تحرير الشام" ستبقى مسيطرة وهي القوة الأكبر هناك. مشروع سياسيمن جانبه، اعتبر الباحث المتخصّص بالشأن السوريّ الدكتور عامر السبايلة، أنّ الصراعات في شمال شرق سوريا، بدأت منذ فترة وليست حديثة العهد. وأضاف السبايلة في حديثه لمنصة "المشهد"، أنّ "محاولة الجولاني فرض سيطرته بعد تصفية الكثيرين من قادة الفصائل وسجنهم، أدت في النهاية إلى رغبته في الانتقال إلى عمل سياسيّ، وتوحيد الجميع تحت راية واحدة". وقال إنّ ذلك "أدى إلى خلق نوع من أنواع النزاعات كانت تسير تزامنًا في الشهور الماضية، وتتصاعد بشكل كبير". ويعتقد السبايلة أنّ هذه الانتفاضة، هي انتفاضة رافضة لـ"المشروع الجولاني"، وهو فعليًا أقرب إلى المشروع السياسي. واعتبر أنّ مشروع الجولاني الحاليّ هو مختص بالحكم وأقرب منه إلى المشروع "الجهادي"، "وهذا الذي يؤدي اليوم أيضًا إلى خلافات كبيرة ستتفاقم وستأخذ أشكالًا عدة وانفصالية". صراع بين التنظيماتويرى السبايلة أنّ الأوضاع الإنسانية والمعيشية، هي أوضاع صعبة في الشمال الشرقيّ لسوريا، وبالتالي "لا يمكن الركون إلى أنّ هذا النموذج الذي كان يؤسس له الجولاني، يمكن له أن يدير هذه المناطق مستقبلًا". وأضاف "نحن أمام مشهد تفتيتيّ وصراع داخليّ في هذه التنظيمات". وقال السبايلة، إنه في النهاية يمكن أن يؤثر لاحقًا على ظهور تنظيم "داعش" بشكل قويّ في مناطق أخرى، وبأن يكون نقطة جاذبة للكثيرين في حال عودة التنظيم "الإرهابي"، أو ظهور جيل جديد من تنظيم القاعدة، الذي يُمكن أن يشكّل أيضًا فرصة للكثيرين، للانضمام نحوه، وبالتالي تفتيت المشروع الجولانيّ بشقّيه "الجهاديّ" والسياسي.(المشهد)