تصاعدت الأحاديث في مصر أخيرا بشأن قضية التهجير، التي باتت وعلى ما يبدو تمثل كابوساً مزمناً لدى الكثيرين داخل البلاد، خصوصا مع استمرار نزوح الفلسطينيين في قطاع غزة باتجاه مدينة رفح المتاخمة للحدود مع مصر، وفي ظل رغبة إسرائيلية جامحة بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في تلك المدينة التي أصبحت الملاذ الآمن والوحيد لما يقرب من مليون فلسطيني.فخلال الأيام القليلة الماضية، تصاعدت الروايات والاتهامات عبر وسائل دولية حول شروع مصر في إقامة منطقة عازلة داخل شبه الجزيرة السيناوية، على مساحة 20 كلم مربع محاطة بسياج مرتفع، استعداداً لنقل الفلسطينيين إليها، وهو ما يوحي بالقبول المصري الضمني لقضية التهجير.ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين مصريين ومحللين أمنيين قولهم، إن هذه "المنطقة العازلة المسيَّجة" يتم تشييدها في ظل المخاوف من أن يؤدي التوغل العسكري الإسرائيلي جنوب قطاع غزة إلى تدفق "سيل من اللاجئين"، وبحسب الصحيفة فإن هذه المساحة المسيَّجة أو "المخيم" يمكنه "استيعاب أكثر من 100 ألف شخص"، ومحاط بجدران خرسانية وبعيد عن أي تجمعات سكنية للمصريين، حيث سيتم وضع خيم في هذه المساحة.نفي مصري رسميالهيئة العامة للاستعلامات وهي جهة تابعة مباشرة لرئاسة الجمهورية في مصر، لم تصمت كثيراً تجاه ما يحدث وسارع رئيسها ضياء رشوان بإصدار بيان أكد خلاله نفي بلاده القاطع لما تداولته بعض وسائل الإعلام الدولية، بشأن قيام مصر بالإعداد لتشييد وحدات لإيواء الفلسطينيين، في المنطقة المحاذية للحدود المصرية مع قطاع غزة، وذلك في حالة تهجيرهم قسريا بفعل الهجوم الإسرائيلي عليهم في القطاع.وأكد رشوان في بيان على أن "موقف مصر الحاسم منذ بدء العدوان هو الذي أعلنه رئيس الجمهورية وكل جهات الدولة المصرية عشرات المرات، ويقضي بالرفض التام والذي لا رجعة فيه لأي تهجير قسري أو طوعي للأشقاء الفلسطينيين من قطاع غزة إلى خارجه، وخصوصا للأراضي المصرية، لما في هذا من تصفية مؤكدة للقضية الفلسطينية، وتهديد مباشر للسيادة والأمن القومي المصريين، وهو ما أوضحت كل التصريحات والبيانات المصرية أنه خط أحمر".محافظ شمال سيناء يوضح من جانبه، أكد محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبد الفضيل شوشه في بيان تم نشره على الصفحة الرسمية للمحافظة، أن القوات المسلحة المصرية تقوم بإقامة منطقة لوجستية لاستقبال المساعدات لصالح غزة، وذلك لتخفيف الأعباء عن السائقين والتكدسات الموجودة بالعريش وعلى الطرق بجانب تسهيل عمل الهلال الأحمر المصري.وأكد المحافظ على أن المنطقة التي يجري إقامتها وتجهيزها تضم أماكن لانتظار الشاحنات ومخازن مؤمنة ومكاتب إدارية وأماكن مبيت للسائقين، وتزويدها بالوسائل المعيشية والكهرباء.وفي حديثه لمنصة "المشهد" أكد الكاتب والمؤرخ محمد الشافعي أن "كل ما يثار حول إقامة منطقة عازلة في سيناء لاستقبال المهجرين الفلسطينيين أو النازحين هي أمور كلها عارية تماماً عن الصحة، لأن الجميع يعلم بأن الجانب الإسرائيلي هو من يحاول الترويج لهذا الأمر بشكل كبير، وأن إسرائيل تحاول بكل ما أوتيت من قوة إيهام المواطنين الفلسطينيين بأن هناك منطقة جاهزة لاستقبالهم".مصر لن تسمح بالتهجيروفي خضم المخاوف المتعلقة بقرب عملية عسكرية إسرائيلية في مدينة رفح عززت مصر من وجودها الأمني على الحدود مع قطاع غزة، وأرسلت القاهرة نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرق سيناء في الأسبوعين الماضيين، في إطار سلسلة تدابير لتعزيز الأمن على حدودها مع القطاع، حسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن مصدرين أمنيين مصريين.وفي هذا الإطار يشير الشافعي إلى أن فلسطين جزء أصيل من الأمن القومي المصري، الذي يبدأ من منابع النيل جنوباً وحتى أقصى شمال سوريا، بما يعني أن كل فلسطين من النهر إلى البحر جزء أصيل ومهم وأساسي من الأمن القومي المصري، وبالتالي فعندما ترفض مصر تهجير المدنيين من قطاع غزة إلى سيناء، فهذا يعني أن القاهرة تحافظ قدر الإمكان وبكل ما أوتيت من قوة على عدم تصفية القضية الفلسطينية التي هي جزء أصيل من أمن مصر واستقرارها.وأوضح أن "ذلك هو الخط الأحمر الذي لن تسمح مصر بتخطيه مهما كانت النتائج، لمساسه بالأمن القومي والسيادة المصرية على كامل التراب الوطني، ولما سيؤدي إليه من تصفية كاملة للقضية الفلسطينية وتفريغها من مضمونها"، مشدداً على أن "لا أحد يستطيع فرض أمر واقع بالقوة، فالدولة المصرية تمتلك الأدوات كافة، التي تمكّنها من الحفاظ على أرضها وأمنها القومي".وتابع الشافعي أنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تقدم مصر على اتخاذ أي إجراءات على أراضيها تتعارض مع موقفها المعلن والصريح، وتعطي انطباعاً يعمل على ترويجه البعض "تزويراً" بأنها تشارك في جريمة التهجير التي تدعو إليها بعض الجهات في إسرائيل"، مؤكداً على أن التهجير "بمثابة جريمة حرب فادحة يدينها القانون الدولي الإنساني، ولا يمكن لمصر أن تكون طرفا فيها، بل على العكس تماما، حيث ستتخذ كل ما يجب عمله من أجل وقفها ومنع من يسعون إلى ارتكابها من تنفيذها".اقتحام الحدودوبالمثل، أكد أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني الدكتور جهاد الحرازين في حديثه لـ"المشهد"، أن موضوع التهجير "ما يزال يعشش في العقلية الإسرائيلية عن طريق بث المزيد من الإشاعات ومحاولات عمليات التهجير القسري، خصوصا وأننا نعلم عن وجود مخطط إسرائيلي باتجاه مدينة رفح ومحاولة الانقضاض عليها، والكل يدرك أن هناك مليونا و600 ألف مواطن نازح في رفح من كافة مناطق قطاع غزة، وهو الأمر الذي يشكل كارثة كبرى، ولذلك تحاول إسرائيل تهيئة الأمور والظروف أو دفع المواطنين في حال احتياج العملية العسكرية إلى الانطلاق نحو المناطق الحدودية واقتحام الحدود المصرية".ويرى الحرازين أن "إسرائيل لن تكف عن نشر الشائعات حول قضية التهجير، خصوصا بعد أن كانت هناك العديد من المحاولات أو الإشاعات التي تم بثها من قبل إسرائيل والمتعلقة بمحاولة الوقيعة ما بين الشعبين الفلسطيني والمصري، بالإضافة إلى الوقيعة ما بين القيادتين المصرية والفلسطينية، وذلك لأن هناك خطوطا حمراء وضعت منذ البداية من قبل القيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس السيسي الذي رفض فكرة التهجير القسري وتناغم مع الموقف الأردني".المناطق العازلة في سيناءوأشار إلى أنه في إطار جهود مصر لمكافحة الإرهاب في سيناء، "عملت القاهرة على تقوية الجدار الحدودي مع قطاع غزة الممتد لـ14 كيلو متراً، عبر تعزيزه بجدار خرساني طوله 6 أمتار فوق الأرض و6 أمتار تحت الأرض، فأصبحت هناك 3 حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، تستحيل معها أي عملية تهريب لا فوق الأرض ولا تحت الأرض".ونوه الحرازين أنه "منذ بداية محاربة الإرهاب داخل شبه الجزيرة السيناوية ومصر تعمل على تفريغ بعض المناطق هناك لمواجهة الإرهابيين وخلق مناطق عازلة، وهو أمر ليس بجديد ولكنه قديم، ولذلك فإن كل الإشاعات التي تتحدث عن قبول مصر بالتهجير هي مغرضة، وتأتي لتطمئن الفلسطينيين بأنه من الممكن أن يلجؤوا إلى تلك المناطق".وكانت بعض وسائل الإعلام الدولية تحدثت خلال الأيام الماضية، عن بدء مصر في الإعداد لتشييد وحدات لإيواء الفلسطينيين في المنطقة الملاصقة للحدود المصرية مع قطاع غزة، وذلك في حالة تهجيرهم بشكل قسري بفعل الحرب الإسرائيلية الدائرة رحاها داخل القطاع، لكن مصر سارعت بنفي قاطع لهذا الأمر.(المشهد - القاهرة)