يحلّ عيد الميلاد المجيد هذا العام، والفلسطينيون يواجهون حربًا وظروفًا استثنائية غير مسبوقة في قطاع غزة بفعل الحرب الإسرائيلية، حيث فرضت السلطات الإسرائيلية حصارًا مطبقًا منع الفلسطينيّين من بلوغ مدن القدس وبيت لحم، في خطوة تحرم الفلسطينيّين من حقّهم في العبادة.وعلى الأرض اختفت مظاهر الاحتفاء بعيد الميلاد في أرجاء فلسطين، واقتصرت على الشعائر الدينيّة في الكنائس، كتعبير وطنيّ عن رفض التهجير والقتل والدمار في مهد المسيح، والتحامًا مع مأساة الغزّيين، وهذه ليست المرة الأولى التي يلغي فيها الفلسطينيون المظاهر الاحتفالية لمناسبة عيد الميلاد المجيد، في إطار التضامن والتعاضد الفلسطينيّ- الفلسطينيّ ضدّ تعرّضهم للحروب والأحداث السياسية والميدانية التي تندلع مع إسرائيل. وعلى الرغم من أنّ شجرة عيد الميلاد لن تضاء في القدس وبيت لحم، إلا أنّ هناك مبادرات في بعض الكنائس، لإضاءتها بألوان العلم الفلسطيني، وشعارات تحمل السلام وتطالب بالعدالة، وكلها بعيدة عن المهرجانات والأجراس والاحتفالات الصاخبة، كما غابت الاحتفالات عن مدينة البشارة الناصرة، وباقي المدن الفلسطينية التي توحدت تحت قرار الكنائس. رغم الحرب والحصار، إلا أنّ الفلسطينيّين يصرون على الحياة، فرسالة الميلاد هي رسالة محبة وعدالة للبشرية: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرّة". عيد ميلاد صامت في بيت لحمفي مثل هذا الوقت من كل عام، كانت مدينة بيت لحم تعجّ بالزوار والسياح والحجاج المسيحيّين الذين كانوا يؤمون المدنية احتفالًا بعيد الميلاد المجيد، حيث تقام الاحتفالات وتضاء شجرة الميلاد التي تُعتبر من أهم أشجار الميلاد في العالم، وعلى وقع الحرب الإسرائيلية في غزة، لم يتجمّل مهد المسيح عليه السلام هذا العام بزينة الميلاد وأجوائه المعتادة.وبينما تبدو ساحة كنيسة المهد فارغة من المارة والسياح، تقام الصلوات من أجل أهالي غزة، كنيسة المهد التي أقيمت على المغارة التي ولد فيها السيد المسيح، فيما بدت أزقة البلدة القديمة وأسوار الكنيسة الأهمّ للمسيحيّين حول العالم، خالية من مظاهر الزينة وطقوس العيد، وغابت شجرة الميلاد وحلّت مكانها مغارة الميلاد تحت الأنقاض. يعبّر رئيس بلدية بيت لحم حنا حنانيا لمنصة "المشهد"، عن حزنه العميق على ما آلت إليه الحرب في غزة، ويقول: ألغيت كل المظاهر الاحتفالية واقتصر العيد بالصلوات الدينية، عيد الميلاد المجيد يحلّ علينا هذا العام.يعاني الشعب الفلسطينيّ بشكل عام وأهالي غزة بشكل خاص من قمع وقهر وظلم "الاحتلال" الإسرائيلي، وحرب أدمت قلوبنا وعقولنا. وأضاف حنانيا، أنّ الحزن والغضب يعمّ أرجاء مدينة بيت لحم التي تخلو من الحجاج والسياح ومظاهر الزينة والأضواء، لكنها صامدة تحمل رسالة للعالم أجمع برفض استمرار الحرب على غزة، وتحقيق العدالة للفلسطينيّين.ويقول القسّ متري الراهب راعي كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية لمنصة "المشهد"، إنّ "مدينة بيت لحم ليست كما هي عليه في الأعوام السابقة، هذه أيام مباركة لكنها حزينة على غزة والفلسطينيّين، وما حلّ بالمدينة وأهلها الذين فقدوا أشغالهم، حيث تعتمد المدينة على السياحة بالدرجة الأولى، لهذا نحن بحاجة للصلاة". ويتابع الراهب قائلًا: "نعيش ظروفًا استثنائية صعبة، وعليه قرّرنا تفادي الاحتفالات الظاهرية للميلاد، واستبدالها بالصلاة تضامنًا مع أهل غزة، من أجل أن يحلّ السلام وتتوقف الحرب في هذه الأيام المباركة المقدسة". القدس.. غياب الاحتفالات وحضور الصلوات قرب كنيسة القيامة في مدينة القدس، لا شجرة عيد، ولا أنغام، ولا أطفال يلهون بالهدايا، فالحياة معلقة هنا إلى حين وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وفي قرار استثنائيّ اتفقت الكنائس المسيحية في مدينة القدس، على إلغاء الاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد المجيد، بفعل الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، كرسالة تضامن من رؤساء الكنائس المسيحية بالقدس، فيما غابت شجرة الميلاد والزينة عن أزقّتها العتيقة، وخفتت الأضواء وأصوات الفرق الكشفية، حتى المارة والسياح. وأصدر بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس، بيانًا يدعون فيه رعاياهم إلى الوقوف في ظل هذه الظروف بصلابة، والتخلّي عن أيّ فعاليات احتفالية، وشجعوا المؤمنين والكهنة التركيز على المعنى الروحيّ لعيد الميلاد في شعائرهم الدينية وأنشطتهم الرعوية، مع صلوات قلبية من أجل سلام عادل ودائم على الأرض المقدسة.وعلّق المطران عطالله حنا لمنصة "المشهد" قائلًا: "هدفنا من وراء هذا القرار إيصال رسالة إلى جميع الكنائس المسيحية في العالم من أجل التضامن والتعاضد مع فلسطين، وأن تصلي من أجل الشعب الفلسطينيّ في هذه المحنة الصعبة، وهي مناسبة للالتفات إلى غزة بشكل خاص".وأضاف المطران حنا "على مدار التاريخ، لغتنا هي لغة الرحمة والإنسانية والمحبة، وليست لغة الدمار والموت والعنف، أهلنا في غزة هم من يدفعون فاتورة هذه الحرب، التي ندعو لوقفها فورًا".أما جورج سحار عضو مجلس الكنائس العالميّ في القدس فقال لمنصة "المشهد": "نحن المسيحيون الفلسطينيون جزء من هذا الشعب ولسنا أقلية أو جالية في هذه الأرض المباركة، وآلام أهالي غزة هي آلامنا، ومعاناتهم هي معاناتنا، حتى يزول الظلم والقهر عن ديارنا ويحلّ السلام الذي نستحقه بعد السنوات الطويلة من المعاناة". ويشير سحار بأنّ "قرابة 9 آلاف مسيحيّ في القدس، معظمهم يسكنون القدس العتيقة، لم يحتفلوا بحلول عيد الميلاد المجيد، بينما يعمّ الحزن أرجاء البلاد، وأيضًا لا يوجد سياح ولا حجاج في مدينتَي القدس وبيت لحم التي طوقتها الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وحالت دون وصول المؤمنين لها لأداء الصلوات والدعوات لغزة ولفلسطين".(المشهد)