الأزمة التي تهدد مستقبل وكالة الأمم المتحدة الرئيسية في غزة "أونروا"، وسط كارثة إنسانية، بدأت باجتماع روتينيّ بين الدبلوماسيّين في تل أبيب، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.وتقول الصحيفة في تقريرها، "عندما اتصل دبلوماسيّ أميركيّ كبير بالجيش الإسرائيليّ الأسبوع الماضي، لطلب مزيد من التفاصيل حول الادعاءات الإسرائيلية ضد وكالة تابعة للأمم المتحدة في غزة، فوجئ القادة العسكريون لدرجة أنهم أمروا بإجراء تحقيق داخليّ حول كيفية وصول المعلومات إلى آذان المسؤولين الأجانب".وكانت هذه الادعاءات خطيرة؛ فقد اتُهم 12 موظفًا في المنظمة، أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة " الأونروا"، بالانضمام إلى هجوم "حماس" في 7 أكتوبر على إسرائيل أو في أعقابه.وقد عززت هذه الادعاءات الرواية الإسرائيلية المستمرة منذ عقود حول "الأونروا"، وهي أنها متحيزة ضد إسرائيل وتتأثر بحركة "حماس" وغيرها من الجماعات المسلحة، وهي الاتهامات التي ترفضها الوكالة بشدة.لكن في حين أنّ معظم المسؤولين الإسرائيليّين يعارضون "الأونروا"، إلا أنّ بعض القادة العسكريّين لا يريدون إغلاقها وسط كارثة إنسانية في غزة. وفي الواقع، لم يكن الجيش هو الذي كشف المعلومات للولايات المتحدة، بل الأونروا نفسها، حسبما تقول "نيويورك تايمز".تسلسل الأحداث نحو الإعلان عن تورط موظفي "الأونروا"وبدأ تسلسل الأحداث في يوم 18 يناير الماضي، حينما التقى فيليب لازاريني، مدير وكالة" الأونروا"، مع دبلوماسيّ إسرائيليّ رفيع المستوى في تل أبيب. ويجتمع لازاريني مرة واحدة تقريبًا شهريًا في إسرائيل مع الدبلوماسيّ أمير فايسبرود، نائب المدير العام في وزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي يشرف على العلاقات مع وكالات الأمم المتحدة. وكان من المفترض أن تكون هذه مناقشة روتينية حول توصيل الغذاء والوقود وإمدادات المساعدات الأخرى إلى غزة، وفقًا لمسؤول في الأمم المتحدة مطلع على الاجتماع.وبدلًا من ذلك، جاء السيد فايسبرود مزوّدًا بمعلومات استخباراتية صادمة حول" الأونروا"، والتي قدمها له ضباط في الجيش، وفقًا لـ4 مسؤولين مطلعين على الوضع.و"الأونروا "هي أكبر وكالة مساعدات ميدانية في غزة، حيث توفر المأوى لأكثر من نصف السكان وتنسق توزيع المساعدات، وإمدادات الوقود التي تصل بالشاحنات كل يوم من مصر وإسرائيل. وإذا انهارت "الأونروا" من دون وجود خطة لاستبدالها، يخشى بعض المسؤولين الإسرائيليّين من أن يضطروا إلى ملء الفراغ، حسبما يذكر التقرير.ومع ذلك، بعد أسبوع من نشر هذه الادعاءات، أصبح بقاء الوكالة موضع شك.وأعلنت الأمم المتحدة هذه الاتهامات يوم 26 يناير مضيفًة أن 9 موظفين من الـ12 قد تم فصلهم (وكان اثنان آخران قد ماتوا بالفعل). وقد دفع ذلك سلسلة من الدول المانحة إلى تعليق تمويلها، في نفس اليوم الذي دعت فيه محكمة العدل الدولية إسرائيل إلى السماح بدخول المزيد من المساعدات، كجزء من أمرها بأن تمنع إسرائيل الإبادة الجماعية في غزة.ثم تلى ذلك خلال الأيام القليلة الماضية، ادعاء إسرائيلي أكبر، وهو أن 10% من موظفي "الأونروا" البالغ عددهم 13 ألف موظف في غزة كانوا أعضاء في "حماس"، الأمر الذي أدى إلى المزيد من عمليات تعليق التمويل.والآن، تقول الوكالة إن احتياطياتها قد تنفد بحلول نهاية الشهر، حتى مع تحذير مجموعات الإغاثة من مجاعة تلوح في الأفق. وقال لازاريني في بيان: "عمليتنا الإنسانية، التي يعتمد عليها مليوني شخص كشريان حياة في غزة، تنهار".وانتهز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الفرصة للدعوة إلى إغلاق "الأونروا".وقال نتانياهو في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي: "مهمة الأونروا يجب أن تنتهي. ويجب استبدالها ببعض المنظمات أو المنظمات التي ستقوم بهذه المهمة".ويعود جزء من غضب نتانياهو على المجموعة إلى حقيقة أن المحامين الذين رفعوا قضية الإبادة الجماعية استشهدوا بعدة بيانات صادرة عن "الأونروا" لدعم قضيتهم، وفق صحيفة نيويورك تايمز.وقال نتانياهو: "إن العديد من الاتهامات الكاذبة والتي لا أساس لها من الصحة، والتي تم توجيهها ضدنا في لاهاي، تم توجيهها من قبل مسؤولي الأونروا".الخارجية الإسرائيلية تفاجأت من التطورات السريعةوقال مسؤول الأمم المتحدة إنه بعد الاجتماع في إسرائيل، قام لازاريني بتقييم الادعاءات الإسرائيلية، وسافر إلى نيويورك للقاء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وبدأ في طرد الموظفين. وأبلغت" الأونروا" مسؤولين أميركيين بالوضع ما دفع الدبلوماسيون الأميركيون إلى مطالبة أجهزة الأمن الإسرائيلية بتفسير كامل.وقد أثار الطلب الأميركي حالة من الذعر داخل مديرية المخابرات العسكرية الإسرائيلية والمديرية الاستراتيجية، التي لم يكن قادتها على علم بأن المطالبات قد تم تمريرها إلى" الأونروا" نفسها، ناهيك عن الحكومة الأميركية.حتى المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية فوجئوا بتطور الأحداث، سواء عندما أعلنت" الأونروا" عن مطالباتها بعد يومين، أو عندما أعلنت الدول المانحة، بما في ذلك الولايات المتحدة، أنها ستعلق تمويلها.وعندما أقرت الوزارة هذه المزاعم قبل 8 أيام من الكشف علنية عنها، لم يتوقع سوى القليل أن يؤدي الكشف عن مثل هذه الضجة بهذه السرعة، حسبما قال مسؤول مطلع على القرار. وأضاف المسؤول أن إسرائيل وجهت الكثير من الاتهامات لـ"الأونروا" على مر السنين لدرجة أنه لم يتوقع أحد أن يكون هذا الادعاء هو الذي بقي عالقا.ومع ذلك، سارعت القيادة السياسية الإسرائيلية إلى محاولة الاستفادة من التطورات. وفي غضون يوم واحد، دعا وزير الخارجية يسرائيل كاتس، إلى "استبدال الأونروا بوكالات مكرسة للسلام الحقيقي".ويختلف الإسرائيليون مع" الأونروا "جزئيا لأنهم يقولون إن وجودها في حد ذاته يشكل عقبة أمام التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.وتأسست الوكالة في عام 1949 لرعاية الفلسطينيين الذين فروا أو أجبروا على ترك منازلهم خلال الحروب التي أعقبت تأسيس دولة إسرائيل.والآن، تساعد الوكالة أكثر من 5 ملايين لاجئ وأحفادهم الذين يعيشون في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك غالبية سكان غزة.(ترجمات)