ضربة قوية أخرى تعرضت لها إيران بسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بعد أقل من شهرين من تدمير قدرات الحليف الأبرز للنظام الإيراني في الشرق الأوسط "حزب الله"، ليتحول كل ما بنته طهران على مدار عقود إلى سراب.في 7 أكتوبر 2023 شنت حركة "حماس" هجومًا مباغتا على بعض المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، لتندلع بعدها حرب مدمرة شنتها تل أبيب على القطاع. في 8 أكتوبر أعلن "حزب الله" الموالي لإيران الدخول كجبهة إسناد مع غزة ثم تلاها دخول بعض الميليشيات الموالية لطهران في الصراع، وعلى مدار أكثر من عام كان الخطاب السياسي الإيراني يحمل تهديدا ووعيدًا حتى وصل الأمر إلى تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران بشكل مباشر في تطور لافت للصراع في المنطقة. وقتها كانت التحذيرات كلها مُنصبة حوّل المخاوف الدولية من توّسع رقعة الصراع في المنطقة. ولكن لم يكن أحد بما فيهم أعداؤها يتوقع سقوط حلفاء طهران بهذه السرعة وبهذا الشكل. إلا أنه في سبتمبر تمكنت إسرائيل من توجيه ضربات قوية لـ"حزب الله" بدأت باستهداف المنشآت العسكرية ووصلت إلى اغتيال غالبية قيادات الحزب، بالتزامن مع ذلك كانت توجه ضربات قوية لكل أهداف إيران في الأراضي السورية. المعارضة السورية استغلت الظرف التاريخي وشنت هجومًا مفاجئًا على كل المدن التي يسيطر عليها النظام السوري، وتمكنت من إسقاطه في 13 يومًا فقط، بعد أن صمد لأكثر من عقد بمساعدة إيران وروسيا. ورأى محللون في حديث لمنصة "المشهد" أن سقوط النظام السوري الحليف لإيران يعدّ "نكبة" للنظام الإيراني والتي ستحتاج إلى سنوات وربما عقود لكي تتمكن من تعويض خسائره.إيران خسرت استثماراتها في نظام الأسدوفي التفاصيل، قال المتخصص في الشأن الإيراني، محمد العبادي، إن "فكرة الهلال الإيراني أو ما يُسمى بالهلال الشيعي كانت تنطلق من إيران ثم العراق وسوريا وصولا إلى لبنان"، لافتا إلى أنّ "سقوط النظام السوري قطع خطوط الإمداد بين إيران وحزب الله". وأضاف في حديث لـ"المشهد" أنّ "انهيار نظام بشار الأسد قطع الطريق أمام إمدادات إيران في المنطقة خصوصا أن الضربة جاءت بعد الانتكاسات الكبيرة التي تعرض لها "حزب الله" في لبنان"، مشيرا إلى أن "الحوثيين" في اليمن "أمامهم أيام صعبة بعد سقوط أكبر حليفين في المنطقة". وأوضح أن إيران "خسرت استثماراتها في نظام الأسد ومن قبله "حزب الله" وبالتالي من المتوقع أن تلجأ إلى تغيير لغة خطابها وتعود كدولة طبيعية ليس لها أي نفوذ في المنطقة". وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سيكشف الكثير حول مستقبل الدور الإيراني في المنطقة، وفق العبادي، الذي لفت إلى أن إيران الآن "ستسعى إلى لملمة خسائرها التي منيت بها خلال الفترة الماضية". هل يلجأ النظام الإيراني إلى السلاح النووي لحماية نفسه؟ يُجيب المتخصص في الشأن الإيراني بقوله إن مسألة النووي الإيراني تضع طهران أمام احتمالين: اتجاه رسمي يرفض امتلاك القنبلة النووية وذلك بناء على فتوى من المرشد الإيراني علي خامنئي والاكتفاء باستخدام النووي لأغراض سلمية.اتجاه آخر ويعززه تسريع طهران من عمليات تخصيب اليورانيوم تمهيدا لصناعة قنبلة نووية وهو ما قد يؤدي إلى استدعاء العالم عليها وقد يخسر النظام الإيراني سلطته وقتها."نكبة" للمحور الإيرانيبدوره، رأى الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية، أحمد سلطان، أنّ سقوط بشار الأسد ليس فقط سقوطا للنظام السوري، وإنما هزيمة أخرى مدوية للمحور الإيراني. وقال في حديث لـ"المشهد": "المحور الإيراني تلقى ضربات قاسمة خلال هذا العام ويمكن اعتبار هذه العام نكبة للمحور الإيراني لأنه ببساطة قوّض قدرات (حزب الله) والتي سعت إيران إلى بنائها على مدار 20 عاما والآن خسر الأسد". وأضاف أنّ ما جرى يعني أن الوكيل الأهم لإيران في المنطقة وهو "حزب الله" سيعاني خنقا إستراتيجيا ولن يستطيع إعادة بناء قدراته مع انقطاع خط الإمداد الذي كان يصل إليه من إيران مرورا بسوريا. وأشار إلى أن "هناك رغبة دولية وإقليمية لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة وإشغالها بنفسها وأمورها الخاصة وجعلها تخشى حتى سقوط نظامها"، لافتا إلى أن "الحلم الإيراني كان يتمثل في تصدير فكرة الثورة الخمينية والآن أصبحت تتعامل كدولة لها مصالح في المنطقة". ورأى سلطان أن سقوط الأسد معناه أن "المحور الإيراني انهار تماما لأنها تحالفت مع نظام لا يمكن الوثوق به"، قائلا: "إيران الآن تلعن السنوار وترى أن ما فعله كان سببا في انهيار المحور". وأضاف أن "إيران الآن مرغمة على الانكفاء على ذاتها وتقليل خسائرها فضلا عن رغبتها في التوصل لاتفاق جديد مع أميركا بخصوص برنامجها النووي". واختتم الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية حديثه قائلا: "إيران هُزمت وأدركت أنها خسرت جولات وهي مضطرة للتراجع للخلف وتصدير خطاب مختلف عن الخطاب الذي كانت تتبناه وهي مضطرة الآن أن تتعامل كدولة إقليمية لديها طموحات محكومة بقدراتها الطبيعية فقط". (المشهد)