منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة في يناير الماضي، تشهد الأجواء السياسية العراقية تصعيداً ملحوظاً، تجلّى بالمواقف الأميركية الحازمة، تجاه وقف استيراد الغاز الإيراني، والضغط على الحكومة العراقية لحل الفصائل المسلحة، وتقييد نفوذ إيران في العراق.وتتابع بغداد بحذر خطوات الإدارة الأميركية الجديدة، في ظل المخاوف العراقية من تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، ما جعل الحكومة العراقية متمثلة بمحمد شياع السوداني في موقف جديد، يتجلى في عجزها عن تحييد العراق عما يجري في المنطقة من دون الاستجابة لطلبات ترامب.ويظهر القلق السياسي العراقي جليّا من خلال نقطتين: الأولى مضمون المكالمة الهاتفية بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والثانية بالعودة المفاجئة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق مصطفى الكاظمي إلى بغداد. حيث كان رئيساً للوزراء خلال الأعوام (2016 – 2022).مكالمة هاتفية غامضة وفي نهاية شهر فبراير الماضي، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً تضمن موقفها الواضح من النفوذ الإيراني في العراق، الذي وصفه وزير الخارجية الأميركي روبيو خلال مكالمته الهاتفية مع السوداني بـ"الخبيث"، بينما اكتفى بيان الحكومة العراقية، بالإشارة إلى مناقشة العلاقة بين البلدين بشكل عام خلال المكالمة الهاتفية.وفور إعلان البيان الأميركي، بدأت النخب السياسية العراقية بتحليل الرسالة الأميركية التي حملها روبيو إلى السوداني، وماهي الأسباب التي دفعت الحكومة العراقية لإهمال مصطلح الدور الخبيث لإيران، الذي استخدمه روبيو في حديثه، وما إذا كان تباين بيانات الجانبين يعكس الاختلاف في المواقف، في ظل غياب دور السفيرة الجديدة للولايات المتحدة في العراق، بعد انتهاء مهمة السفيرة السابقة ألينا رومانكسي منذ نوفمبر الماضي. ووصف النائب مشعان الجبوري، عبر منصة "إكس"، السوداني وحكومته بأنهم ليسوا في موقع يسمح لهما بتحرير العراق من قبضة إيران، لأن الدولة العميقة ذات الولاء العقائدي لطهران لن تسمح بذلك، النتيجة هي المزيد من العقوبات على العراق.سياسة ترامب وفي تصريح خاص لمنصة "المشهد"، أكد المتحدث السابق باسم التحالف الدولي مايلز كاغينز، أن واشنطن ستكون أكثر حزماً في علاقتها مع بغداد، وأن روبيو حمل رسالة واضحة للسوداني مفادها أنه على العراق دعم شركات الطاقة الأميركية التي تستثمر في العراق، وأن على هذه الشركات أن تستفيد من عملها بعد أن دفعت آلاف الدولارت لدعم قطاع الطاقة في العراق، وضبط اعتماد بغداد على الغاز الإيراني.وأوضح كاغينز، أن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب تختلف عن سياسية الرئيس السابق جو بايدن، بأنها ستكون أكثر وضوحاً وحزماً في التعامل مع الاستثمارات الأميركية في العراق، لأن أميركا دعمت العراق لسنوات وسنوات بآلاف الدولارات، وتشجع الإدارة الجديدة، العراق على النمو في قطاع الطاقة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد من دول الجوار بما في ذلك إيران.وكشف كاغنينز، أن الولايات المتحدة تريد مواصلة العلاقة مع العراق، وتنميتها لتشمل أولاً قطاع الطاقة والمصالح والاستثمارات الأميركية في العراق، والتبادل الثقافي والتعليمي أيضًا، مضيفاً: تريد إدارة ترامب إطلاق العنان لموارد الطاقة العالمية، على أن تكون مشاركتها قوية في قطاع الطاقة العراقي سواء في العراق الفيدرالي أو في إقليم كوردستان. ما هو دور الكاظمي؟ وتزامنت المكالمة الهاتفية بين روبيو والسوداني، مع عودة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي إلى بغداد، حيث أظهرت صورة تداولتها وسائل إعلام عراقية، الكاظمي وهو يصافح ضابطين من الشرطة أمام منزله في المنطقة الخضراء وسط بغداد، مما أضاف مزيداً من التوتر على الأجواء السياسية في البلاد.ويرى رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، إحسان الشمري، أن عودة الكاظمي لم تكن متوقعة سياسياً، لكنها تأتي في إطار رغبة الأطراف الموالية لإيران في العراق لإيجاد تهدئة مع الإدارة الأميركية الجديدة، مضيفاً: "إنها مفاجأة سياسية، خصوصًا أن الكاظمي سبق أن تعرض لاتهامات وحملات إعلامية من قبل منصات قريبة من حلفاء إيران، وصلت للتهديد بقتله إذا عاد إلى العراق أو ملاحقته في المحاكم العراقية، إذ سبق أن وجهت له تهمة المشاركة في مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (3 يناير 2020)". وربط الشمري، عودة الكاظمي من ناحية التوقيت بمسارين، الأول عجز حكومة محمد شياع السوداني عن تحقيق تقدم سياسي مع إدارة ترامب، الثاني اقتناع الإدارة الأميركية الجديدة أن حكومة السوداني التي شكلتها المجموعة الشيعية والفصائل الموالية لإيران، هي حكومة داعمة لطهران في السر والعلن، ما قد يضع العراق في مواجهة مباشرة مع إدارة ترامب.وكشف الشمري لـ"المشهد"، أن هناك احتمالية لتعرّض حكومة السوداني لعقوبات كبيرة، نتيجة وجود شخصيات داخل الحكومة سبق أن أدرجت ضمن تصنيف قوائم الإرهاب الأميركية، وأن حضور الكاظمي جزء من محاولة تصديره مرة أخرى ليلعب دور التهدئة بين ترامب من جهة، والمجموعة الشيعية في العراق وإيران من جهة أخرى.ما علاقة مطار النجف الدولي؟ ووسط هذه الأجواء المشحونة، شكّل اقتحام قوة أميركية لمطار النجف الدولي في نهاية فبراير الماضي، تطوراً غير مسبوق في العلاقة بين واشنطن وبغداد، حيث وصفه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بالانتهاك للسيادة الوطنية، ما أثار المزيد من التساؤلات حول توجهات الإدارة الأميركية الجديدة، بينما لم يصدر العراق أي احتجاجاً رسمياً، وفي المقابل لم تقدم واشنطن أي توضيح حول طبيعة الحادثة.وأثار اقتحام هذه القوة الأميركية لمطار النجف الدولي، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية العراقية، وفقًا لمصادر أمنية، دخلت قوة أميركية مكونة من 8 عجلات مظللة إلى المطار، من دون تنسيق مسبق مع السلطات العراقية، قامت بعمليات تفتيش دقيقة داخل المطار، مستخدمة كاميرات خصوصا لرصد بعض المواقع.وعبّر الكاتب العراقي فلاح مشعل عن رأيه في حادثة مطار النجف عبر منصة "إكس" بالقول: "عندما تحجب الحكومة المعلومات عن الإعلام والرأي العام، وتكتفي بنشر بيان يخلو من التفاصيل والحقائق، يذهب الرأي العام للبحث في وسائل الإعلام الأجنبية لمعرفة حقيقة مايحدث، متسائلاً: في أقل من 24 ساعة، سمعنا عن مكالمة روبيو والسوداني، ثم عن حادثة مطار النجف!".ويصف السياسي العراقي المقرّب من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، الدكتور عائد الهلالي، هذه الخطوة على أنها انتهاك للسيادة العراقية، علماً أن الحكومة لم تنف ولم تؤكد الخبر، لكن الجانب الأميركي برر مسؤول القوة أن دخول قواته جاءت لتأمين الحماية اللازمة لمسؤول أميركي مهم.ويضيف الهلالي أن الاشتباكات بالأيدي التي حدثت بين القوة العسكرية الأميركية وعدد من موظفي المطار، تعكس حالة التوتر السياسي بين البلدين، وضرورة الإسراع في إيجاد حلول سياسية تحمي العراق من الخطوات الأميركية المقبلة، وتضمن حالة التوازن التي حققها السوداني في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.ويختم الهلالي حديثه بالتأكيد على أن العراق ما يزال مصراً على اتباع سياسة التوازن الدقيقة، للتعامل مع ضغوط الإدارة الأميركية الجديدة المتعلقة بالمصالح الإيرانية في العراق، وسيسعى للحفاظ على سيادته وعلاقته الإقليمية والدولية. (المشهد - بغداد)