حرب ضروس تتحكم إسرائيل بتفاصيلها ومفاصلها اليومية، ويشتدّ الخناق والألم على الغزّيين، حيث أصبح ثلثا سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بلا مأوى، وفقدوا ممتلكاتهم وأعمالهم، فيما اكتظت جميع الأماكن المتاحة خصوصًا في منطقة الجنوب التي نزح إليها عشرات الآلاف من منطقة الشمال، التي تعرضت لدمار جلل بفعل الأحزمة والغارات الإسرائيلية، ما دفع الأهالي إلى الهروب من مناطق الشمال عبر الطرق المؤدية إلى جنوب غزة، طرق يتكدس فيها النازحون ومعظمهم سيرًا على الأقدام، فيما استهدفت المقاتلات الإسرائيلية المئات منهم بالصواريخ أثناء هجرتهم القسرية.ومنذ اندلاع الحرب لم تتوقّف حركة النزوح من شمالي القطاع إلى الوسط والجنوب، خصوصًا إلى خان يونس، في حين تدفع إسرائيل، عبر أوامر ومناشير تُسقطها طائراتها على الغزّيين، للنزوح إلى جنوب وادي غزة وإلى الحدود الفلسطينية- المصرية. فقد ارتكبت إسرائيل في المنطقة التي حددتها آمنة، عشرات المجازر، واستهدفت كذلك محيط مستشفيات فيها، ما أدى إلى لجوء عشرات الآلاف من النازحين نحو مدينة خان يونس الواقعة في النصف الجنوبيّ من قطاع غزة، ما تسبّب في اكتظاظ شديد بالخيام والمدارس، وسط نقص شديد في الغذاء والمياه والأدوية والمستلزمات الحياتية. وفي خطوة إسرائيلية من شأنها رفع مستوى المواجهة في غزة، ومستوى التوتر في المنطقة، طالب الجيش الإسرائيليّ سكان الجزء الجنوبيّ من قطاع غزة في مدينة خان يونس بالنزوح، في إشارة إلى توسيع العملية البرية إلى الجنوب، وفي هذه الحالة لا يوجد لدى النازحين مكان سوى مغادرة غزة عبر معبر رفح، الأمر الذي يثير حفيظة مصر والدول العربية التي ترفض تهجير السكان إلى سيناء.أهداف استراتيجية إسرائيلية بجنوب غزة وحول هذا الإجراء الإسرائيليّ تجاه النازحين والأهالي في جنوب غزة، يقول الأكاديميّ والمحلل السياسيّ الفلسطيني د. أحمد رفيق عوض لمنصة "المشهد"، إنّ "هذه محاولة إسرائيلية لحشر أكبر عدد ممكن من الأهالي في غزة ومنعهم من الحصول على الماء والكهرباء وأيّ مساعدات إلّا عن طريقها، وبالتالي إسرائيل تتحكم بظروفهم بحيث تجبرهم على النزوح الطوعيّ من خلال وضعهم بظروف لا تعاش ولا تطاق، لأنها لم تتخلَّ عن فكرة التهجير". وتابع: "على ما يبدو إسرائيل تحايلت على التهجير القسري نتيجة للرفض العربيّ الأردنيّ والمصريّ الحاسم، هذا فضلًا عن أنّ إسرائيل تريد القول أمام العالم، نحن حذّرنا المدنيّين وخضعت للقانون الدولي، وهي في حقيقة الأمر تقوم بفصل الناس عن المقاومة من أجل الاستفراد بها، ولتقول إنّ هناك فرقًا بين "حماس" والمواطنين في غزة".ويستدرك قائلًا د. عوض لـ"المشهد"، إنّ "إسرائيل ترغب في توسيع الحملة البرية لأنها تريد أن تصفّي الحسابات، أولًا بحرق قطاع غزة وتدميره وتهجير الناس، وتريد أن تقتلع الفصائل أو أن تقلّم أظافرها وتضعفها، لكن هل يمكن أن تنجح في ذلك؟ الأمر متروك لأسباب عدة منها: صمود المقاتلين، والضغوط الغربية، والضغوط العربية، وضغوط المؤسسات الدولية، وخامسًا ضغوط الجبهة الداخلية الإسرائيلية". وحول التداعيات الإقليمية حول الطلب الإسرائيلي من أهالي ونازحين جنوب غزة يرى د.عوض، "هذا سوف يؤدي إلى هجرة نحو دول عربية، ودول أوروبية، وهذا يحتاج لموافقات عربية ودولية، وبالتالي إفراغ قطاع غزة من سكانه، وهذا يحتاج إلى ترتيبات أخرى ليس في ما يتعلق بإسرائيل فقط، وإنما أطراف إقليمية كثيرة، والتهيجر إذا حصل إلى مصر له تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية، ممكن أن تقود إلى حرب أخرى غير التي نعيشها". إسرائيل تسعى لاستئصال "حماس" من غزةوفي هذا السياق، يرى مئير مصري المحاضر في الجامعة العبرية في القدس، خلال حديثه مع منصة "المشهد"، أنّ "الدمار الهائل الذي يحدثه الجيش الإسرائيلي في غزة، يؤتي ثماره ونتائجه تتوالى تباعًا، والعمليات العسكرية الإسرائيلية في حقيقة الأمر لا تسير وفقًا لجدول زمنيّ معين، لكن للحرب على غزة هدف استراتيجيّ واحد كما يعلم الجميع، وهو استئصال الإرهابيّين والإرهاب من قطاع غزة، وتنظيفها من أوكار حماس المنتشرة في كل مكان"، مشيرًا إلى أنه يجب على حركة "حماس" أن تستسلم تمامًا". ويتابع مصري حديثه، "القوة الإسرائيلية المكونة من 3 فرق قتالية والتي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، في حالة تقدم وتحقق نجاحًا ملموسًا على أرض الواقع، والنتائج قريبًا ستظهر للجميع، فبدلًا من الحفاظ على الوهم بأنّ التوصل إلى اتفاق سياسيّ أمر ممكن، يجب حلّ القضية من جانب واحد وإلى الأبد". وحول الحملة البرية والمنشورات التي وصلت للأهالي والنازحين في جنوب غزة، يردّ مصري قائلًا: "الجيش الإسرائيليّ يقوم بعمل عظيم في قطاع غزة، ويجب على العالم كله أن يقوم بدعمنا وتشجيعنا لأنه سوف يقضي على الإرهاب الذي يؤرق إسرائيل والعالم، وبات القطاع كلّه أهدافًا استراتيجية للجيش الإسرائيلي، حتى يحقق المطلوب من وراء الحملة البرية هناك".وعلى صعيد النازحين الذين جاؤوا إلى خان يونس، قال النازح عمرو الخالدي الذي يوجد وعائلته في إحدى مدارس اللجوء في خان يونس المكتظة بآلاف النازحين، لمنصة "المشهد": "وصلنا إلى هنا بعد طريق صعبة عانينا فيها الكثير بفعل التعب والقصف المتواصل علينا، هربنا من القصف والضرب المتواصل من قبل الطيران والمدفعات الإسرائيلية على شمال القطاع، وبعد تعب طويل هناك أنباء تتحدث عن عملية برية إسرائيلية في هذه المنطقة، لا أعلم ماذا سنفعل أو أين سنتجه، الوضع صعب جدًا ولا يُحتمل، ولا أحد يقدّم لنا يد العون لإيقاف إسرائيل والحرب التي تشنها علينا نحن المدنيّين، لن نهاجر وسنبقى هنا". (القدس - المشهد)