شهدت العلاقات المصرية الإيرانية، قبل أحداث السابع من أكتوبر الماضي التي تسببت بالحرب الدائرة في قطاع غزة، خطوات للتقارب بين الجانبين بعد نحو 45 عاماً من الجمود، وظهر ذلك جلياً عبر التواصل المكثف على المستوى الدبلوماسي والذي تطور فيما بعد إلى لقاء جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش القمة العربية الإسلامية المشتركة المؤخرة التي عقدت بالرياض.لكن وعلى ما يبدو أن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ألقت بظلالها على العديد من ملفات العلاقات الدولية والإقليمية بينها العلاقات بين القاهرة وطهران، خصوصا بعد دخول جماعة "الحوثي" المقربة والمدعومة من إيران على خط الحرب القائمة في غزة من خلال استهدافها سفناً تجارية في منطقة مضيق باب المندب، ما ينعكس على حركة الملاحة في تلك المنطقة الاستراتيجية التي تمثل مدخلاً جنوبياً لقناة السويس المصرية.التقارب بين القاهرة وطهرانوعلى الرغم من تحريك المياه الراكدة في العلاقات المصرية الإيرانية التي شهدت بعض التطور الملحوظ مؤخرا ونتج عنه إقدام الحكومة المصرية في شهر مارس الماضي على إقرار حزمة تيسيرات لتسهيل حركة السياحة الأجنبية الوافدة تضمنت قراراً بتسهيل دخول السياح الإيرانيين إلى البلاد عند الوصول إلى المطارات في جنوب سيناء، ضمن ضوابط تضمنت حصول السياح الإيرانيين على التأشيرة من خلال مجموعات سياحية، وعبر شركات تنسق مسبقاً الرحلة مع الجانب المصري، إلا أنه وبحسب أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتورة دلال محمود فإن التطورات المتسارعة والمتعلقة بالحرب على غزة تجعل من الصعب أن تتواصل خطوات التقارب بين القاهرة وطهران في ظل الأوضاع الراهنة في المنطقة، خصوصا المخاطر المتعلقة بتحركات جماعة "الحوثيين" اليمنية في منطقة البحر الأحمر، وهو ما يؤكد على أن مخاوف مصر من السلوكيات المرتبطة بإيران داخل المنطقة قائمة بل وازدادت عقب الحرب.وتضيف دلال محمود في حديث لمنصة "المشهد" أن بلادها "تعي جيداً أن إيران لديها مشروع ورغبة جامحة في التوسع داخل المنطقة وهو الأمر الذي يجعل رؤية القاهرة حذرة دائماً إزاء تعاملها مع طهران، وأيضا يتطلب منها تواصلاً نشطاً ويقظة كبيرة بحيث لا تتحول المصالح الإيرانية في المنطقة إلى مخاطر على المصالح المصرية".تواصل مستمرمن جهته، أوضح الباحث في الفلسفة السياسية والمتخصص في الشؤون الإيرانية الدكتور محمد خيري في حديثه لـ"المشهد" أنه "حتى في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة والتهديدات "الحوثية" ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر فقد استمر الاتصال والتشاور المشترك بين الجانبين المصري والإيراني على كافة المستويات، وأبرزها كان الاتصال الذي تم بين الرئيسين السيسي ورئيسي بعد فوز الأول في الانتخابات الرئاسية، وهو الاتصال الذي تناول أيضًا قضايا حماية الملاحة في البحر الأحمر وتنسيق المواقف بشأن القضية الفلسطينية".ويضيف أن "الاتصالات بين وزيري خارجية البلدين أيضًا لم تتوقف للتنسيق فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث اتفق وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على ضرورة ألا تتوسع حدة الصراع في منطقة الشرق الأوسط إلى منعطفات خطيرة تهدد أمن المنطقة".ورغم أن جماعة "الحوثي" أكدت أن حركة الملاحة العالمية لن تتأثر وأنهم يستهدفون السفن الإسرائيلية فقط، ردًا على القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، إلا أن أستاذة العلوم السياسية دلال محمود أكدت أن "أولويات المصالح المصرية في المرحلة الراهنة تقتضي تكثيف فتح قنوات الاتصال الدبلوماسي مع إيران لإيصال رسائل تتعلق بضرورة ألا تتسبب الأعمال التي تقوم بها جماعة "الحوثي" في مدخل البحر الأحمر بالإضرار بالمصالح المصرية".تحالف البحر الأحمروتمر نحو 40% من التجارة الدولية عبر مضيق باب المندب الذي يفصل شبه الجزيرة العربية عن إفريقيا، وفق ما تفيد الأرقام الرسمية ومن ثم يؤدي تكثيف هجمات "الحوثيين" في البحر الأحمر إلى زيادة التوتر بشكل خطر في هذه المنطقة الحيوية للتجارة البحرية الدولية ويؤجج المخاوف من انفجار الوضع الإقليمي، لذا أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيل تحالف بحري ضم 20 دولة أطلقت عليه "حارس الازدهار" لحماية حركة الملاحة التجارية عبر البحر الأحمر لكن مصر لم تنضم إلى هذا التحالف.ولم تنضم القاهرة للتحالف بسبب ما كشفه المتخصص في الشؤون الإيرانية محمد خيري في حديثه لـ"المشهد" أن بلاده "ترفض سياسة الدخول في أي تحالفات عسكرية من هذا النحو، وبالتالي فإن مصر رأت ضرورة فتح قنوات تواصل على المستويات كافة ومع كل الدول الفاعلة في الإقليم سواء من أجل تنسيق المواقف مع مصر بشان القضية الفلسطينية أو غير القضية الفلسطينية، ومن هذه الدول إيران بالطبع، التي سارعت إلى اتخاد مبادرة لتحسين العلاقات مع القاهرة وهو ما يعزز رغبة الطرفان في الاستمرار في تحسين الأجواء فيما بينهما".وفي ظل عدم انقطاع التواصل الدبلوماسي بين القاهرة وطهران إلا أن خيري شدد على أن "الموقف المصري في النهاية لا يزال يشوبه الحذر من سياسات إيران في الإقليم ودعمها لوكلاء لها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما عبرت عنه مصر في مطالبها للجانب الإيراني، لكن في النهاية لا تعبر تلك الممارسات "الحوثية" عن رغبة إيرانية مباشرة في تهديد المصالح المصرية في البحر الأحمر وهو ما سيكون له مردود إيجابي على علاقات البلدين في المرحلة المقبلة".وذهب خيري في حديثه لـ"المشهد" إلى التأكيد على أن "مصر قادرة على حماية أمنها القومي ضد أي تهديدات محتملة تهدد المصالح المصرية في البحر الأحمر، وفي حال أصبح تهديد الميليشيات حقيقياً فلن تصمت القاهرة وستعمل بما يحافظ على اقتصادها وأمنها القومي".(المشهد)