بلغت الأوضاع في غزة نقطة اللّاعودة في يومها الـ38 من الحرب، بعد توغل دبابات الجيش الإسرائيليّ في بعض الأحياء ومواصلة القصف المدمر للمستشفيات، وفرض حصار على عدد منها، في وقت انهيار خدماتها بصفة شبه كاملة.واستطاع القصف المدمر والمستمر على المدنيّين والمستشفيات، أن يُجبر نحو 30 ألف فلسطينيّ على النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، وفقًا لبيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.وتنقّل النازحون سيرًا على الأقدام واستخدموا عربات تجرّها الدواب عبر الممر الذي أعلنه الجيش الإسرائيليّ على طول طريق صلاح الدين.وفي قراءة لآخر المستجدات، يرى محللون أنّ الغاية من الحرب على غزّة بالأساس ليست الانتقام من "حماس"، ردًا على هجوم 7 أكتوبر، إنما كانت قد خططت لها تل أبيب من أجل بسط سيطرتها على القطاع من جديد.فهل كانت هجمات "حماس" خطوة استباقية للقضاء على مخطط تهجير سكان غزة بالأساس؟خطوة استباقيةأدت الحرب على غزة حتى اليوم، إلى قتل أكثر من 11 ألفًا، إضافة إلى آلاف الجرحى ودمار هائل بالأحياء السكنية والمرافق الحيوية والمساجد والمستشفيات.وتحوّل محيط مستشفى الشفاء، أكبر منشأة صحية في القطاع، إلى ساحة قتال، يتمّ استهدافه بشكل خاص بناءً على "أكاذيب" تستند إليها إسرائيل لتكثيف هجومها على المستشفى، وفق المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة.ويحتمي نحو 10 آلاف شخص حاليًا داخل مجمّع الشفاء الطبي، من مصابين ونازحين، وأطقم ووفود طبية وممثلي الإعلام، ويفتقدون إلى أدنى مقوّمات الحياة، بحسب المصدر ذاته.ويرى المحلل السياسي فرج دردور أنّ "هذه الهجمة على غزة لم تكن بسبب "حماس"، بل ربما قد أدركت "حماس" خططهم في وقت مبكّر، وقامت بعملية مباغتة مستبقة".ويقول المحلل في حديث له مع منصّة "المشهد"، بأنّ الخطة تهدف إلى توسيع إسرائيل وتفريغ غزة من الفلسطينيّين وإجلائهم إلى مصر، "وفي اعتقادي هذا هو بيت القصيد من كل العمليات التي تجري الآن".مخطّط لإخلاء قطاع غزّةوترفض الولايات المتحدة وقف إطلاق النار في غزّة، وتدعم مواصلة الجيش الإسرائيلي مهمات "القضاء على حماس".وجددت الحكومة البريطانية رفضها لدعوات وقف إطلاق النار، أيضًا، زاعمة أنّ هذا الأمر من شأنه "خدمة" حركة "حماس".ووصف نتانياهو دعوة الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون إلى التوقف عن قتل الأبرياء، و"عدم تبرير الاعتداء على المدنيّين باستهداف الإرهاب" بأنه قد ارتكب "خطأً واقعيًا وأخلاقيًا فادحًا".وفي السياق ذاته، يعتبر دردور أنّ الإسرائيليّين يرفضون وقف إطلاق النار، "لأنهم يعلمون جيدًا بأنّ مخطط التهجير سوف ينهار إذا سمحوا بهدنة طويلة الأمد".معتبرًا أنّ الدليل على وجود خطة لإجلاء أهل غزة من أراضيهم، هو وجود العدد الضخم من القوات الغربية الداعمة لإسرائيل في حربها على غزّة.مضيفًا: "الدليل الآخر هو أنّ هناك فرضًا على الدول العربية للقيام بعملية التطبيع، بالإضافة إلى القتل بوحشية والدمار والخراب غير المسبوق، وتدمير المدارس والمستشفيات وكل مقوّمات الحياة هو بالتالي فرض التهجير القسريّ والطوعي".كما يقول المتحدّث إنّ التهجير القسريّ قد حدث بالفعل ولو بشكل جزئي، وإنّ التهجير نحو الجنوب سوف يخلق حالة تسرّب إلى مصر، ومنفذًا إلى إخراج فلسطينيي قطاع غزّة إلى سيناء، "وهو ما ورد في صفقة القرن التي تقضي بزحزحة المصريّين إلى شمال ليبيا، في مقابل أن تترك مصر سيناء للفلسطينيّين"، وفقه.حرب مفتوحةوارتفعت أعداد النازحين من شمال القطاع إلى جنوبه مؤخرا، بعد تقدّم الجيش الاسرائيليّ إلى داخل القطاع شمالًا، وتكثيف القصف والتصعيد الذي استهدف المستشفيات التي كانت ملجأ النازحين.سجّلت الأرقام حصيلة 423 ألف نازح داخل قطاع غزة منذ بداية الحرب، وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.واستقبلت الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين) نحو 64% منهم، في نحو 100 مبنى تُستخدم كملاجئ طوارئ.وفي المقابل، يرى الكاتب السياسيّ السيد فوزي أبو دياب، أنّ هذا الدمار والتهجير الناتج عن حرب إسرائيل على غزّة "هي ردّة فعل اعتباطية وغير مدروسة"، معتبرًا أنّ تل أبيب قد وضعت شعارات عالية السقف لا يمكن تطبيقها، والتي ترتكز على سحق "حماس" وطرد الفلسطينيّين من غزة، وإعادة احتلال القطاع.ويقرّ المتحدّث لـ"المشهد" بأنّ "اليوم نرى عدم القدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها إن كانت في إلغاء "حماس" وسحق دورها، أو في تغيير المشهد الإقليمي، خصوصًا أنّ هناك موقفًا واضحًا من الدول العربية لعدم تقبّل خطة تهجير الفلسطينيّين إلى مصر أو الأردن".كما يعتبر المحلل أنّ اسرائيل، بدعم من الغرب، تدير حربًا مفتوحة بدون سقف واضح الأهداف، وأنّ "العملية البرية التي بدأت منذ أسبوعَين، هي مستمرة ولكن بأثمان كبيرة للطرفَين، وأنّ الميدان في الواقع ما زال في صالح "حماس" بالرغم من أطنان المدفعيات الأميركية وعلى عكس ما يروّج له الإعلام العبري".وأشار إلى أنّ رفض الولايات المتحدة واسرائيل وقف إطلاق النار، سببه أنهم "وضعوا قواعد وعناوين كبيرة لا يمكن تحقيقها في السياسة، وبالتالي أيّ وقف لإطلاق النار من دون نتائج سياسية تحدّد لصالح هذا الفريق أو ذاك، تبقيهم أمام معركة مفتوحة تسمح لهم بتنفيذ مخططات أكبر من القضاء على "حماس"، وتسمح لهم بتغيير قواعد المنطقة ابتداءً من "حماس" ومن غزّة".(المشهد)