في 14 مايو مرّت تركيا بإحدى أهم الانتخابات في تاريخها، وبينما كانت هناك أحزاب تدعم حكومة الحزب الواحد التي سيتم تشكيلها بقيادة الرئيس رجب طيب إردوغان في تحالف الجمهور، كان هناك ائتلاف من 6 أحزاب تتقاسم السلطة، وتقسم المقاعد في تحالف الأمة، وتمنح الرئيس 6 نواب لجبر خاطر كل حزب.بالعودة إلى التاريخ، وتحديدا قبل عام 2002، لا يزال في ذاكرة الأتراك أن فترات التحالف أدت إلى اضطرابات في السياسة والاقتصاد.في فترة الائتلافات الثنائية والثلاثية في السبعينيات وفي التسعينيات، كانت نسبة النمو في تركيا أقل من المتوسط مقارنة بفترات حكومة الحزب الواحد.عندما ننظر إلى أرقام النمو العامة لتركيا، نرى أنها نمت بنحو 5% في المتوسط طيلة الفترة التي حكم فيها حزب واحد.الاستثناء الوحيد كان حكومة حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان. في هذه الفترة، حققت تركيا نموًا تجاوز 7% فوق المتوسط. أما أرقام النمو خلال فترات التحالف فكانت كالتالي:1991-1994: %2.7.1995-1999: %4.2.1999-2002: %1.2.في هذه الفترات تعطلت فيها آلية اتخاذ القرار بسبب خلافات داخلية بين الحكومة الائتلافية، وإن كان الوضع الاقتصادي في عهد إردوغان اليوم في أسوأ حالاته ورغم تغيير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي الذي منح الرئيس صلاحيات أكبر من الحكومة ولو كانت ائتلافية. وقد تكون الخلافات البارزة أيضا بين قيادات المعارضة عاملا أساسيا في إسقاط نسبة كانت ستجعلهم يفوزون بالجولة الأولى بشكل مريح، ولعل الانقسامات التي كانت خافتة قبل 14 مايو، برزت بعد ساعات من ظهور النتائج: مطالبات برحيل كليجدار أوغلو، استقالات من أحزاب تحالف المعارضة وانهيار عصبي لرئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار.انتخابات البرلمان التركي وبحسب نتائج الانتخابات الأولية، سجّل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان فارقا مُهما أمام زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو، فيما فاز تحالف الجمهور بالأغلبية المطلقة في البرلمان.ويبدو أن موقف الشعب التركي الذي أراد التغيير لا يزال قائما تجاه ائتلاف حكومي، لكنه في المقابل منع حزب العدالة والتنمية من لذة الانتصار من الضربة الأولى، لتتجه تركيا لأول مرة في تاريخها نحو جولة إعادة للانتخابات التركية في 28 مايو. لكن رغم ذلك نجح الرئيس المحافظ المنتهية ولايته في تحقيق أداء أفضل مما توقعته استطلاعات الرأي، ولو استطاع كليجدار أوغلو من الفوز في الجولة الثانية فإن البرلمان يحكم قبضته تحالف إردوغان الذي أخذ النصيب الأكبر من الكعكة وبالتالي فكل قوانين المعارضة ستعيقها الأغلبية البرلمانية.على الرغم من أن النتائج ليست مشجعة بالنسبة للمعارضة، إلا أنه عند النظر إليها من الجانب الآخر، فإنها لا تبدو مشرقة بالنسبة للحزب الحاكم أيضا، لم يحظ بدعم غالبية الشعب.النتائج غير الرسمية أظهرت أن تحالف الجمهور بقيادة إردوغان حقق نجاحا تاريخيا بنسبة 49.5% في انتخابات 14 مايو البرلمانية. وفاز التحالف بـ323 مقعدا في البرلمان المؤلف من 600 مقعد، بينما حصل حزب العدالة والتنمية على 267 مقعدا بنسبة 36%. أما حزب الحركة القومية ففاز بـ51 نائبا بنسبة 10.38%. كما حقق حزب الرفاه الجديد، أحد مكونات تحالف الجمهور، نجاحا كبيرا في أول انتخابات دخلها وحصل على 2.84% من الأصوات، وسيمثله 5 نواب في البرلمان. أما تحالف الأمة، المكون من حزب الشعب الجمهوري، وحزب الخير، وحزب الديمقراطية والتقدم، وحزب المستقبل، وحزب السعادة، من انتخاب 214 نائبا. ومن بين هؤلاء، 169 ينتمون إلى حزب الشعب الجمهوري، 45 ينتمون إلى حزب الجيد الذي حصل على 9.9% من الأصوات. إضافة إلى 61 نائبا عن حزب اليسار الأخضر و3 نواب لحزب العمال التركي.تعليقا على نتائج انتخابات البرلمان التركي، يقول المحلل السياسي جواد كوك إن مدة الحملة الانتخابية كانت ضيقة سواء لأحزاب المعارضة أو تحالف إردوغان، فلم يتم تعريف النخابين بمؤهلات المرشحين للبرلمان، "الأحزاب على الرئاسة أكثر من الانتخابات البرلمانية".وتابع المتحدث ذاته في حديث لمنصة "المشهد": "ولو يصبح كمال كليجدار أوغلو رئيسا بعد الجولة الثانية، فما هي الفائدة من ذلك إذا كان الأكثرية في البرلمان لحزب المصباح؟".تراجع شعبية حزب إردوغان، لكن"لكن رغم النتائج التي تدعم تفوق إردوغان، إلا أنه مقارنة بالانتخابات السابقة فالحزب الحاكم خسر بعض المقاعد وتراجعت شعبيته"، يقول كوك.ويضيف أنه في عام 2017 كان هناك استفتاء عام للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي ورغم ذلك حصل إردوغان على أكثر من 51%. وأوضح كوك أن التوجه إلى جولة إعادة يعني أن: المعارضة نجحت في استقطاب المواطنين وهذا يؤكده نسبة الفارق بين إردوغان وكليجدار أوغلو.الشعب التركي يريد الأمن والاستقرار، لكن مطلبه الأساسي الاقتصاد وتغيير السياسيات السابقة.وكشف المحلل السياسي التركي أنه "رغم الزلزال المدمر الذي ضرب 10 محافظات وفضح فساد البنية التحتية إلا أن الأصوات كانت لصالح نواب تحالف إردوغان بل كانت أكثر المناطق التي صوتت لحزبه". من جانبه، قال النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية رسول طوسون إن حزب إردوغان خسر على الأقل 30 مقعدا مقارنة بانتخابات 2018، لكنه لم يخسر تفوقه الذي يمنحه صلاحية الحكم. وأضاف طوسون أن "نتائج الانتخابات البرلمانية ستؤثر على الناخبين في جولة الإعادة وستكون لصالح رجب طيب إردوغان".أخطاء أحزاب المعارضةوكانت المعارضة التركية تتوقع أن تستفيد من غضب الناخبين بشأن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تركيا ومن تداعيات الزلزال، لكن الاستفادة لم تكن كافية لتحقيق النصر.وعزا جواد كوك الأسباب إلى أخطاء المعارضة، حيث عدّدها فيما يلي:الشعب أراد التغيير لكن أحزاب المعارضة لم تنجح في تقديم مرشح مناسب لطموحات الشباب.الشعب أراد وجها جديدا ومختلفا للمعارضة لكن طموحات الأخيرة لم تسمح بذلك.نتيجة لهذه الأخطاء وبعض الخلافات سنشهد المزيد من الاستقالات، خصوصا في حزب الشعب الجمهوري المعارض.من جانبه، يقول الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية مهند حافظ أوغلو إن التحالف السداسي كانت من المفترض أن يكتسح البرلمان لكنه لم يستطع إقناع الشعب التركي. وأضاف مهند حافظ أوغلو في حديث لمنصة "المشهد" أن القواعد الشعبية لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية أثبتت أنها الأكثر انضباطا وثباتا رغم وجود متغيرات.وأكد الأكاديمي التركي أن الشعب التركي يرفض تقديم تأشيرة لدخول مجلس رئاسي إلى مشهده السياسي، "في جينات المواطن التركي رغبة لوجود قائد واحد، رئيس واحد".وأوضح حافظ أوغلو أن رجب طيب إردوغان الذي حكم البلاد 20 عاما إلا أنه وقع في أخطاء عديدة منعته من تحقيق فارق أصوات مريح للفوز من الجولة الأولى.السياسة الخارجية لتركيا"نتائج الانتخابات البرلمانية توضح أن الرئاسة لإردوغان والبرلمان لتحالف الجمهور والوضع سيكون كما كان عليه لمدة 5 سنوات أخرى مع تغييرات في السياسة الخارجية، وخصوصا في العلاقات مع الدول العربية وشرق آسيا، يقينا سيكون هناك انفتاح أكبر في العلاقة مع سوريا تحديدا"، يختم حافظ أوغلو تصريحه.في المقابل، يُنظر إلى زعيم المعارضة على أنه الشخص الذي سيكون له تأثير أكبر على طاولة المفاوضات مع الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصا في قضايا الهجرة والأمن في شمال سوريا وذلك في حال حسم أوغلو جولة الإعادة.ويعد كليجدار أوغلو من أشد المنتقدين لسياسة إردوغان في سوريا، التي عادت إلى حضنها العربي بعد سنوات من العزلة.وتهدف المعارضة إلى الانسحاب الجزئي من سوريا لمعالجة الوضع الأمني وتحقيق الاستقرار في المنطقة، كما أن أحد أبرز وعود حملتهم الرئيسية وهو عودة اللاجئين السوريين في غضون عامين.ولطالما وجهت المعارضة اتهامات للرئيس التركي المنتهية ولايته بتوريط البلاد في الأزمة السورية والتدخل في شؤون الجيران، لكن يبدو أن إردوغان بعد تزايد شعبية المعراضة في هذا الملف سيسعى لتغيير سياسته، وفي هذا الإطار عقدت مفاوضات في موسكو لإعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة.ويعيش نحو 4 ملايين سوري في تركيا تعمقت علاقتهم ببلد الاستقبال على مدى العقد الماضي على الرغم من المناخ العدائي المتزايد تجاههم.وفي وقت، تشير استطلاعات الرأي إلى أن 80% على الأقل من الأتراك يريدون عودة السوريين، وجد هذا الشعور موطنا عبر الطيف السياسي في تركيا وسط تصاعد الأحزاب المعادية للمهاجرين من اليمين التي حاولت الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان.مرشح الرئاسة الذي خلق مفاجأة في انتخابات 14 مايو، سنان أوغان اليميني المتطرف المناهض للسوريين، حصل على نسبة 5.2% من الأصوات في الجولة الأولى.هذه النسبة التي تبدو بسيطة من شأنها أن تقلب ميزان النتائج في جولة الإعادة بين الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان وزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو.ولكن بسبب موقفه المناهض للأكراد، فمن غير المرجح أن ينضم إلى الائتلاف المعارض بزعامة كمال كليجدار أوغلو، لكنه أيضا يرفض سياسة إردوغان في ملف السوريين.وفي أول تصريح له بعد صدور النتائج يوم الأحد، رفض أوغان إعطاء تلميحات عن مصير أصواته، وقال إنه لن يقرر أي جانب سيدعمه في الجولة الثانية حتى يتشاور مع قاعدته وأنصاره.لكنه، أوضح بنبرة فظة شروطه: "ما أريده واضح، إنه رحيل السوريين. يجب أن يعود جميع اللاجئين إلى ديارهم. سأصوت لمرشح يوافق على ذلك وينفذ هذه السياسة".(المشهد)