أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رفضه للأصوات التي بدأت ترتفع مؤخّراً في العديد من العواصم الغربية الداعمة لتل أبيب والمطالبة بعدم توسيع الجيش الإسرائيلي لعمليّاته العسكرية في غزة، وذلك على خلفية تصاعد الانتقادات الرسمية والاستنكار الشعبي لسقوط أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين خلال هذه المعارك. وقال نتانياهو خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء اليوم الأحد "إسرائيل دولة ذات سيادة. قراراتنا العسكرية تُبنى وفقاً لحساباتنا الخاصة". مضيفاً "القرار الخاص بكيفية استخدام قواتنا هو قرار مستقل للجيش الإسرائيلي وليس لأحد غيرنا".موقف إسرائيلي متكرر تصريح نتانياهو الأخير لم يحمل جديداً في موقف تل أبيب المكرر في كل مناسبة على لسان المسؤولين الإسرائيليين، لكنه في المقلب الآخر يزيد من الحرج الذي تواجهه قيادة بايدن في البيت الأبيض. فقد أضاءت صحيفة الغارديان البريطانية، في مقال نشرته الأسبوع الماضي، على مأزق بايدن الذي يتعمّق يوماً بعد يوم نتيجة خسارة واشنطن لصورة احتفاظها بنفوذ على الإدارة الإسرائيلية، بينما يبدو نتانياهو على استعداد للاستهانة بأي محاولة أميركية لكبح جماح إسرائيل، وذلك من خلال إصراره على أن إسرائيل "لن توقف الحرب حتى تُحقق النصر الكامل". وقبل أيام بقيت أميركا وحيدة في مجلس الأمن في مواجهة مشروع قرار طالب بعد سلسلة من التعديلات والمناقشات الجادة بين المجموعة الوزارية العربية وواشنطن من أجل توسيع المساعدات الإنسانية لغزّة، واضطرت على تمرير القرار دون استخدام حق النقض والاكتفاء بحجب صوتها. القنابل "الغبّية" الإسرائيلية تحرج البيت الأبيض وبالتزامن مع تصاعد موجة الاحتجاجات والانتقادات في العديد من دول العالم ضد الحرب، تواصل وسائل الإعلام الأميركية الكشف عن المزيد من الانتهاكات الإسرائيلية لمطالب واشنطن بتوخّي الدقة والحذر في الحرب ضد "حماس" لناحية الحفاظ على حياة المدنيين. وكشف تقييم استخباراتي أميركي مسرب، أن ما يصل إلى 45% من إجمالي القذائف (الـ29.000 قذيفة جو-أرض)، التي أطلقتها إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر، كانت غير موجهة، ووصفها بأنها "قنابل غبية". فيما أعلنت مصادر طبّية تابعة لـ"حماس" في غزة بأن عدد المدنيين الذين سقطوا جراء القصف الإسرائيلي المدفعي والجوي والهجوم البري تجاوز 20000 مدنياً يشكّل فيها النساء والأطفال النسبة الأكبر، 166 منهم على الأقل سقط خلال 24 ساعة الأخيرة. لكن نتانياهو يرد على المطالب الدولية بالقول إن على تلك الدول "أن تعرف استحالة دعم القضاء على "حماس" من جانب والدعوة إلى إنهاء الحرب من جانب آخر، الأمر الذي سيمنع القضاء على الحركة"، وفق تعبيره. التعنّت الإسرائيلي دفع بسيد البيت الأبيض إلى التراجع عن تصريحاته السابقة، معلناً بأنه لم يطلب من نتانياهو وقفاً لإطلاق النار في غزة، وإنما "كانت محادثة خاصة" فيما يبدو فشلاً أميركياً لحث تل أبيب على الانتقال إلى مرحلة أكثر دقة وأقل اتّساعاً من الحرب، وفقا لمراقبين. ويرى المحلل السياسي والاستراتيجي المصري، العميد سمير راغب في حديثه إلى منصّة "المشهد" أن "أميركا تبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهها ويقلل من التكلفة السياسية (لحرب إسرائيل على غزة)، لكن الجانب الإسرائيلي مصرّ على إحراج أميركا، التي تتحمّل التكلفة السياسية الأكبر للحرب". وأضاف العميد سمير أن "إسرائيل لا تكترث كثيراً لناحية التأثير السياسي لحربها، فتاريخها لا يحتاج إلى إضافات منذ تأسيسها في حصيلة القتلى، لذلك فإن التكلفة السياسية لن تكون عالية بالنسبة لها". وأوفدت واشنطن كبار ممثليها بدءاً من مستشارها للأمن القومي جاك سوليفان، وصولاً إلى وزير الدفاع ليود أوستن في محاولة لإقناع تل أبيب بضرورة تغيير خطتها لحرب غزة والتركيز أكثر على العمليات الاستخباراتية والهجمات المركّزة لاستهداف قادة "حماس" وتفادي إزهاق المزيد من أرواح المدنيين. لكن التصريحات الأميركية الأخيرة تشير إلى فشل هذه المهمّة أو إرجائها على أقل تقدير، في ظل حديث تل أبيب عن تقدّم ميداني لقوّاتها التي نجحت في فرض سيطرتها على شمال غزة، حسب الادعاءات الإسرائيلية التي تنفيها "حماس" مؤكدة على أن القتال مستمر في تلك المنطقة.فشل يزيد من مشاكل بايدن، الراغب في حصد الأصوات الإسرائيلية في الانتخابات الأميركية القادمة بعد نصف سنة من جهة، وعدم خسارة أصوات المناهضين لسياساته حيال حرب غزة، وخصوصاً بين فئات الشباب الديمقراطيين من جهة أخرى.وكشفت استطلاع الرأي التي قامت بها عدد من وسائل الإعلام الأميركية عن تراجع شعبية بايدن في صفوف الناخبين الشباب بشكل خاص، والذين يشكلون ركيزة مهمة للائتلاف الديمقراطي، حسب استطلاع للرأي لصحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي.كلفة الحرب باهظة على إسرائيل عسكرياً وأميركا سياسياًحتى في هذا التقدّم الجزئي، فإن الاعترافات الإسرائيلية بالكلفة الباهظة للحرب بدأت تتوالى عبر الإعلام بداية، ومنها صحيفة "هآرتس"، التي قالت بأن هجمات "حماس" الناجحة قليلة، لكن ثمنها باهظ. وأعلن الجيش الإسرائيلي اليوم الأحد مقتل 15 من جنوده في قطاع غزة ما يعني ارتفاع العدد المعلن للقتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى 162 على الأقل منذ بدء الاجتياح البرّي. وأمس السبت، أعلنت "حماس" فقدان الاتصال مع مجموعة مسؤولة عن 5 من المحتجزين الإسرائيليين بسبب القصف الإسرائيلي، في بيان وصفه متحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأنه "إرهاب نفسي" من قبل "حماس".ويشرح العميد سمير راغب، لمنصّة "المشهد" أن "تكلفة الحرب كبيرة عسكرياً على إسرائيل، لكنها أكبر سياسياً على أميركا، التي أنفقت المليارات والقوّة الناعمة لتصنع شعبية لها في المنطقة العربية والدائرة الإسلامية" مضيفاً "لكنّها اليوم باتت متّهمة بالانحياز، والفلسطينيون يقتلون بالذخيرة الأميركية، وتخطيط وتدريب أميركي". (المشهد)